في ظل التحولات المتسارعة في أنماط الحياة تشهد ساحة النشر والقراءة تغيراً لافتاً في توجهات القرّاء الشباب، حيث تتقاطع اهتماماتهم بين أدب الفانتازيا وكتب الفلسفة والتنمية الذاتية، وصولاً إلى الروايات النفسية والرعب المعاصر، وفي إطار استطلاع أجرته «البيان» شارك عدد من الكتّاب والناشرين برؤاهم حول أبرز أنواع الكتب، التي تجذب هذه الفئة اليوم، ومدى تأثير ترشيحات المؤثرين و«الترندات» في تشكيل ذائقتهم.
بدايةً، يؤكد المهندس محمد قنديل، الرئيس التنفيذي والمؤسس لدار «ملهمون» للنشر والتوزيع، أن السنوات الأخيرة شهدت إقبالاً متزايداً من الشباب على الروايات، لا سيما تلك التي تنتمي إلى أدب الفانتازيا، إلى جانب الكتب الفلسفية، التي تقدم مفاهيم وأفكاراً بطريقة مبسطة.
وأضاف: «كتب تطوير الذات لا تزال تحتفظ بجاذبيتها المستمرة لدى هذه الفئة، وهو ما يعكس تنوعاً واضحاً في الذائقة القرائية، وتوجهاً نحو المزج بين المتعة المعرفية والبحث عن الذات».
وعن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي أشار إلى أن ترشيحات المؤثرين والترندات أصبحت من أنجح أدوات الترويج للكتب، مضيفاً: «نجاح هذا النوع من التسويق يتطلب اختيار المؤثر المناسب، الذي يتماشى محتواه مع طبيعة الكتاب والجمهور المستهدف، ما يستدعي دراسة دقيقة لتوجهات السوق».
تجربة فكرية
وأوضح الكاتب عبدالله الكعبي، المتخصص في كتابة أدب الرعب والغموض، أن اهتمامه يميل حالياً نحو الروايات ذات الطابع النفسي أو الغامض، خصوصاً تلك التي تجمع بين عناصر الرعب والطرح الفلسفي.
وأضاف: «الرعب الحديث لم يعد يعتمد فقط على التخويف، بل أصبح وسيلة لطرح قضايا إنسانية، من خلال الرمزية أو الأحداث الخارقة، كما أنني أستمع أحياناً إلى الكتب الصوتية».
وحول تأثير المؤثرين يرى الكعبي أن الترشيحات على السوشيال ميديا تشكل مصدر إلهام مبدئي بالنسبة له، لكنه يعتمد في اختياراته على أسلوب الكاتب ومراجعات القراء العاديين.
بدورها، أكدت الكاتبة والطالبة في طب الطوارئ والإسعاف، ملاك المرزوقي، أن كتب التنمية الذاتية هي ما يجذبها حالياً، معتبرة أنها وسيلة لإعادة التوازن في ظل التشتت المعرفي الناتج عن تسارع الحياة والتطور التكنولوجي.
وقالت: «أعتمد بشكل كبير على ذوقي الشخصي في اختيار الكتب، رغم إدراكي لأهمية السوشيال ميديا وتأثيرها الواسع على القراء، لكن طبيعة نشأتي المعرفية والثقافية جعلتني أفضل انتقاء كتبي بناء على رؤيتي الشخصية».
اهتمامات متبدلة
ووصفت الكاتبة عائشة عدنان، طالبة الماجستير في الإدارة العامة، وصاحبة إصدار «عندي ذنب أبيض»، اهتماماتها القرائية بأنها تتبدل مثل الفصول، مشيرة إلى ميلها حالياً نحو أدب الرعب والغموض.
وأضافت: «متعة الأدرينالين لا تضاهيها متعة، والغموض يعيد تشكيل خيوط التقصي للحقيقة بطريقة آسرة، أما كتبي المفضلة دوماً فهي كتب علم النفس، خصوصاً التي تتغلغل في النفس البشرية، وتفضح ما فيها من تعقيدات وتحليلات».
وأشارت عدنان إلى أن ذائقتها تتشكل من مزيج متنوع من ترشيحات الأصدقاء عبر «إنستغرام»، والعناوين اللافتة في دور النشر، مضيفة: «أعتبر العثور على كتاب يلامسني في توقيته بمثابة كنز حي، يُحيي روحاً عطشى للمعرفة والدهشة».
ويبدو أن ذائقة الشباب القرائية اليوم تتسم بالتنوع والانفتاح، تجمع بين متعة الخيال وعمق التحليل، وبين التأثير الرقمي والاختيارات الشخصية، في مشهد ثقافي متجدد، يعكس نبض جيل، يبحث عن ذاته وسط فوضى العالم.




