يعد موسم القيظ في الإمارات أحد الفصول البيئية ذات الرمزية العميقة في الوجدان الإماراتي، مرتبطاً بجني الرطب والإقامة في الواحات.
وقد تناولت العديد من القصص الشعبية موسم القيظ، بوصفه يحمل معاني الصبر، والكرم، والعمل الجماعي.
وفي هذا السياق، قال الكاتب والباحث فهد المعمري: ظهر موسم القيظ في القصص الشعبية الإماراتية كونه موسماً للكد والكرم واللقاء الأسري.
ففي كثير من الروايات الشفاهية التي تناقلها الأجداد، ارتبط القيظ بالمزارع والظل والماء البارد والرطب، وصور السعي اليومي في جني الثمر أو تسلق النخيل المتمثلة عبر «الحابول».
وقد وردت في القصص الشعبية صفات لأبطال الحكايات الذين يعرفون بمهاراتهم في قطع «العذوق» أو معرفة أنواع الرطب وتوقيتها، مثل «الخنيزي» و«البرحي» و«الخصاب».
كما جسدت الحكايات روح التعاون في هذا الموسم، خصوصاً في «الفزعة» لجني الرطب أو إصلاح «الحبال»، وكانت تحفل بعبارات الحكمة والتشجيع مثل: «الرطب للي يصبر عالحَر» أو «القيظ تربية وسعة رزق».
وتابع: رمزية القيظ في هذه الروايات والقصص الشعبية لا تنحصر في العمل فحسب، بل تتعداه لتشمل لم الشمل الأسري، إذ كانت الأسر تتجمع في المزارع أو «العشش» خلال القيظ، وتحيي الحكايات والأهازيج المرتبطة بالموسم.
ويحمل موسم القيظ رمزية مزدوجة في الذاكرة الثقافية الإماراتية، عبر رمزية بيئية: فهو فصل تتجلى فيه علاقة الإنسان بالنخلة، رمز الخير، ويعبر عن التكيف مع البيئة الصحراوية والاجتماعية، حيث يمثل موسم العودة إلى الأصل، إلى الواحات والبيوت الريفية والمزارع، وهو موسم اللقاءات الأسرية والمجتمعية، ويحمل رمزية اقتصادية كونه مصدراً للدخل من خلال إنتاج الرطب وتخزينه أو بيعه، وخصوصاً في ما يعرف بـ«التبسيل»، أي تجفيف الرطب ليستخدم لاحقاً، كما ويحمل هذا الموسم رمزية في الوجدان الشعبي حيث رائحة الرطب، وصوت سعف النخيل، ولون الشمس في الأصيل.
وأشار المعمري إلى أنه في ظل التحول الرقمي والانفتاح الإعلامي، يمكن استثمار موسم القيظ بوصفه مدخلاً تربوياً وثقافياً لتعزيز الهوية الإماراتية لدى النشء، وذلك من خلال: القصص التفاعلية والمسرحيات، حيث يمكن تحويل الحكايات الشعبية المرتبطة بالقيظ إلى قصص رقمية تفاعلية أو عروض مسرحية مدرسية، تتضمن شخصيات مستوحاة من البيئة مثل «العوان» و«الصرم» و«البكس»، وهي أسماء ترتبط بالنخلة، وتجسد حياة المزارع وبطولة الأجداد، أو عبر الرحلات المدرسية إلى المزارع والواحات، والزيارات الميدانية للأطفال إلى المزارع في موسم القيظ، ليتعرفوا على أنواع النخيل، وأساليب القطاف، وتجربة صنع «السرود» أو تذوق الرطب بأنواعه، ما يعمق الشعور بالانتماء.
وأردف: إضافة إلى إدخال مفردات مثل «القيظ»، «العذق»، «التبسيل»، «السيم»، في دروس اللغة العربية والدراسات الاجتماعية، وربطها بسياقات واقعية من حياة الأجداد، وإقامة أنشطة فنية رقمية وتراثية، وتصميم تطبيقات وألعاب تعليمية للأطفال تحاكي مراحل جني الرطب، أو تلوين أشكال النخلة وأنواع الرطب، إلى جانب ورش صناعة السعف أو صنع الدلال المصغرة، وإشراك الجدات وكبار السن في فعاليات القيظ، لتقديم قصص من الماضي في مجلس تراثي للأطفال، مما يمثل جسراً ثقافياً بين الأجيال.
واختتم المعمري: يبقى موسم القيظ والرطب شاهداً حياً على مهارة الأجداد في تحويل البيئة القاسية إلى مصدر للحياة. وهو اليوم فرصة تربوية وتراثية ثمينة لتعريف الأطفال بجذورهم الثقافية بأساليب عصرية وذكية. إن توظيف هذا الموسم في الحياة المعاصرة، يعزز روح الانتماء والوعي بالتاريخ والبيئة.
اجتماع الجدات
وقال الكاتب محمد الحبسي، مدير إدارة الآداب بالإنابة في هيئة الثقافة والفنون في دبي (دبي للثقافة): ظهر موسم «القيظ» في القصص الشعبية الإماراتية بوصفه زمن الصبر والكرم والعطاء، حيث ترتبط أيامه بحرارة الشمس ونضج الرطب، وعودة الأهل إلى الواحات والسواحل، وكما نعرف هو فصل الحصاد، والتخزين، والتجمع الأسري، وفيه كانت تجتمع الجدات لسرد الحكايات تحت ضوء القمر، وغالباً ما تدور تلك الحكايات حول الصبر، والرزق، وتحولات الطبيعة.
وأشار الحبسي إلى أن رمزية «القيظ» تمتد إلى عمق الهوية الإماراتية، فهو ليس فصلاً زراعياً وحسب، بل يعد زمناً للترابط الاجتماعي، والتعاون، والعمل الجماعي.
ويرى الحبسي أن موسم القيظ والرطب يشكل فرصة ذهبية لتقديم تجارب تعليمية ممتعة تعيد ربط الأطفال بأرضهم وتراث أجدادهم.
وأوضح أن بإمكان الجهات المعنية إطلاق ورش عمل تفاعلية تحاكي تفاصيل الحياة القديمة، مثل تسلق النخيل، وصناعة المنتجات اليدوية من «الخوص»، وتجربة تذوق أصناف الرطب مع شرح مسمياتها وأنواعها.
وأكد أن مثل هذه الأنشطة تسهم في تعزيز معرفة الأطفال بالماضي، وترسخ ارتباطهم بالهوية الوطنية والثقافية بطريقة مشوقة وتفاعلية.
وأضاف: يمكن توظيف تقنيات الواقع الافتراضي لمحاكاة يوم كامل من حياة القيظ، من الفجر حتى الغروب، سواء في واحات النخيل أم على السواحل، ليختبر الطفل نمط الحياة التقليدي بطريقة غامرة ومشوقة.
وأشار الحبسي إلى أهمية الوسائط الرقمية مثل القصص المصورة، والأفلام المتحركة، التي تدور حول موسم «القيظ»، إذ يمكن أن تشكل جسراً فعالاً يصل الطفل بموروثه الثقافي، ويعزز معارفه بالتراث من خلال أسلوب رقمي مبتكر.