الطاقات الشبابية ترسم مستقبلاً واعداً للمشهد المسرحي في الإمارات
في لحظة مسرحية مفعمة بالتجريب، يخرج جيل جديد من المسرحيين الإماراتيين إلى الضوء، لا ليكرر ما سبق، بل ليعيد طرح الأسئلة، وليصوغ ملامح مختلفة للمسرح المحلي، بلغة زمنهم ورؤيتهم.
ووسط هذا الحراك، استطلعت «البيان» آراء عدد من الكتاب والمخرجين الإماراتيين الشباب، للوقوف على ملامح هذه المرحلة في المسرح الإماراتي، وتحديد الاحتياجات التي تمكن الطاقات الشبابية من الوصول إلى جمهور أوسع وتجارب أكثر استقراراً وعمقاً.
ميره المهيري
المخرجة ميرة المهيري ترى أن الجيل المسرحي الشاب لا يكرر ما كان، بل يحاول أن يخلق ما سيكون، وتقول: ما زلنا في مرحلة التجريب، وهناك محاولات جادة لتقديم أساليب جديدة في السرد، وكسر القوالب التقليدية في الطرح، والاقتراب أكثر من نبض المجتمع بلغة معاصرة. قد تكون الملامح الجديدة لم تستقر بشكل نهائي، لكننا نشهد ولادتها على الخشبة.
وتضيف: ما يميز هذا الجيل هو شجاعته في الطرح، ورغبته الصادقة في أن يكون المسرح مرآة الواقع، لا تكراراً لما سبق. قد نكون في بداية الطريق، لكن من المؤكد أننا لا نسير بلا بوصلة.
وتشدد المهيري على أهمية وجود دعم ليس مادياً فقط، بل معنوياً، إعلامياً، وإنتاجياً، مضيفة: نحتاج إلى فرص نشتغل فيها ونخطئ ونتعلم. طبعاً النص مهم والإخراج أهم، لكن من دون منصة تحتضننا وتؤمن بنا، سيظل المسرح الشبابي محصوراً في دوائر ضيقة.
الجمهور موجود، ويبحث عما يلامسه. المطلوب اليوم أن نعيد ثقة الجمهور بالمسرح، ليس فقط في المناسبات الموسمية، بل كتجربة حية ومتجددة تستحق أن تعاش.
نبض جديد
يوسف المغني
أما المخرج المسرحي يوسف المغني، فيؤكد أن حضور الجيل الجديد ليس عددياً فقط، بل نوعياً، بما يحمله من جرأة على التجريب والانفتاح على الأشكال الحديثة والتقنيات المعاصرة.
ويضيف: نحن في لحظة مخاض، نعيد فيها تعريف المسرح الإماراتي، كنبض جديد يحاكي قضايا الجيل بلغة بصرية وجمالية حديثة. الهوية هنا ليست جواباً جاهزاً، بل هي سؤال دائم يتجدد مع كل تجربة شابة.
ويشدد يوسف المغني على أن العروض المسرحية الشبابية بحاجة إلى منظومة دعم متكاملة، تشمل التمويل والترويج ومنصات العرض المنتظمة، إلى جانب الشراكات مع المدارس والجامعات والمراكز الثقافية.
ويقول: الجمهور لا يغيب عن المسرح، لكنه يحتاج إلى من يدعوه إليه بذكاء، وبتجارب تخاطب وجدانه وتلامس قضاياه. ويشيد في هذا السياق بدور مؤسسة ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين، في ترسيخ بيئة فنية قادرة على بناء جيل مسرحي واعٍ ومبدع.
عبدالله المهيري
من جهته، يرى المخرج والكاتب عبدالله المهيري أن المشهد المسرحي اليوم ينبئ بمستقبل واعد، ويقول: الجيل الشاب حاضر بوضوح ويحمل طاقة ورؤية مختلفة تسهم في تشكيل ملامح هوية مسرحية إماراتية جديدة.
نحن في طور بناء هذه الهوية من خلال تجارب متنوعة وشجاعة. لكنه يشدد على أن نجاح هذه التجارب يتطلب ثلاثية متكاملة: نص معاصر يعكس قضايا الجيل، إخراج حيوي وجذاب، وآليات دعم مرنة تتيح للفنانين الشباب فرصة للتجريب دون أن يكونوا مرتهنين للقيود الإدارية أو ضعف الإمكانيات، الجمهور موجود لكن ينتظر عملاً يخاطبه بصدق ويشبهه.
مغامرة واعية
عبدالله إسماعيل
ويصف الكاتب المسرحي عبدالله إسماعيل، الجيل الشاب بأنه امتداد حي لأولئك الذين مهدوا الطريق، لكنه لا يسير على خطاهم كظل، بل كصوت جديد يبحث عن نفسه وهويته الخاصة.
ويقول: نحن لا نبدأ من فراغ، بل نكمل المسيرة بما نحمله من أسئلتنا وهمومنا وتجاربنا، نصوغ هويتنا من حبر أرواحنا. في كل عرض شبابي هناك محاولة لتوسيع ملامح المسرح الإماراتي، لحقنه بنبض معاصر دون أن نفقد جذورنا.
ويضيف: نحتاج إلى إيمان حقيقي بالمسرح كفعل ثقافي، لا كفعالية عرضية. فالنص الجيد يخرج من قلب التجربة، والإخراج يجب أن ينطلق من مغامرة واعية، والدعم المؤسسي يجب أن يكون مستداماً، لا موسمياً.
حميد محمد
بدوره، يرى المخرج حميد محمد أن الحضور الشاب يبرز بقوة في المهرجانات، لكنه يظهر في شكل تجارب فردية لم تكتمل ملامحها بعد. ويضيف: الجيل يتأثر بالعالم الرقمي والسينما، ويعكس ذلك على الخشبة من خلال الشكل البصري والسرد، لكنه لا يزال يستند إلى أساليب الجيل المؤسس، ما يخلق حالة من التذبذب بين الأصالة والتجديد.
ويدعو حميد محمد إلى إنتاج نصوص تكتب بلغة هذا الجيل، وتحاكي همومه، مشيراً إلى نقص كبير في النصوص المحلية المكتوبة بأقلام شابة. ويؤكد أهمية إقامة ورشات كتابة، وتدريب المخرجين الشباب على التوازن بين الجماليات والرسالة.
ويردف: المهرجانات وحدها لا تكفي، نحتاج إلى مواسم مسرحية منتظمة، ومسارح مفتوحة طوال العام، وشعور حقيقي لدى الشباب بأن المسرح مساحة تخصهم.
حسين الأحمد
أما المخرج حسين الأحمد، فيقول: نستلهم من تجارب الماضي في المسرح، لكننا نحاول أن نقول شيئاً يشبهنا، يشبه هذا الزمن. هناك وعي متزايد بأن المسرح ليس فقط عرضاً، بل مساحة للتعبير الصادق.
ويختتم حديثه: نحتاج إلى دعم أطول نفساً يشمل التمويل، الترويج، التوثيق، والمساحات المخصصة للتجريب. النصوص الجيدة والإخراج المبدع لا يكفيان، إن لم تحتضن الجهود في بنية تحتية حقيقية توصلها إلى الجمهور.