«الشندغة بالذكاء الاصطناعي».. عبق الماضي في سردية التكنولوجيا

 أعمال المعرض تغوص في عوالم ذكريات بهية لا يغيب ألقها
أعمال المعرض تغوص في عوالم ذكريات بهية لا يغيب ألقها
 المعرض يروي قيمة وتاريخ الحي العريق في دبي
المعرض يروي قيمة وتاريخ الحي العريق في دبي

رحلة مشوّقة تنطلق بزائري معرض «الشندغة بالذكاء الاصطناعي»، الذي يقام ببيت «رياليتي» بالشندغة، في عوالم ذكريات عتيقة صنعتها التقنيات الحديثة، وتعيد تصوُّر الحي التاريخي في دبي من خلال عدسة التكنولوجيا الذكية، وذلك عبر الأرشيفات المتحركة والعمارة المعاد بناؤها رقمياً، حيث يتأمل الفنانون الذاكرة الثقافية والهوية والتحول من خلال أعمالهم الإبداعية المحلِّقة في سماوات الخيال.

ويمكن لمرتادي المعرض أن يلاحظوا، عبر جولة سريعة، كيف تمزج بعض الأعمال الفنية بين الجوهر الثقافي والرؤية المستقبلية المتخيلة للمنطقة؛ لتعيد تخيُّل البارجيل في منطقة الشندغة، وتدمج التكوين بين الذاكرة المعمارية والتجريد الرقمي، لإبراز الأبراج بعموديتها وحضورها الرمزي، وكأنها تنبعث من نسيج عمراني حلمي عائم وممتد ومتراكب، يتجسد فيه مفهوم الثبات والتحوّل من خلال عمليات توليدية، ويُعاد تفسير التراث باستخدام أدوات معاصرة.

وتعكس الأعمال الفنية كيفية احتفاظ السواحل والمدن بالذاكرة عبر المد والجزر، وتُصوِّر عالماً تحت الماء يتشكل من الصخور الطبيعية، وتتجلى جماليات الحياة البحرية بشعابها المرجانية واللآلئ والهياكل المعمارية، لتستحضر الدور التاريخي لخور دبي في حركة التجارة، مجسدة التناغم بين اليابسة والبحر والحركة والسكون، ومقدّمة حالة تأملية توازن بين الحياة الحديثة والإرث الأصيل.

وبواسطة فيديو فني باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، يتم استكشاف ملامح قلب دبي التاريخي، بالاعتماد على شهادة بعض غواصي اللؤلؤ الذين عاصروا التقاليد الإماراتية القديمة، وسردوا الحكايات المحتفية بإرث المكان وروحه الأصيلة.

وفي خضم رحلة ساحرة عبر الزمن، تعرض شاشة مشاهد من أحياء الشندغة وهي تتحوَّل بسلاسة باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، في مزيج نابض بين الحنين والابتكار الحديث، لتغدو تمثيلات متحركة وديناميكية، بحيث يمثل كل انتقال بين مشهد وآخر مزجاً سلساً بين الماضي والحاضر.

ويدعو المشهد الفاتن إلى استكشاف تراث دبي الزاخر بينما يحتفي بتطورها المعاصر، ومن ثم تكشف هذه التجربة الغامرة روح المدينة التي لا تندثر، فتمجد تاريخها العريق، وتفتح الأبواب أمام إمكانات المستقبل.

وتحت عنوان «بين الشندغة والخيال»، يدعو الفنان محمد الحمادي، من خلال عمله الإبداعي، المشاهدين إلى إعادة تخيل سريالية لمنطقة الشندغة، حيث تنساب الذاكرة على عوالم الخيال من خلال سلسلة من المشاهد المولدة بالذكاء الاصطناعي.

وتتكشف المشاهد عبر مناخات غير مألوفة، وملمس بصري متحوِّل، وأجواء مبهرة فريدة، ما يدفع إلى إعادة النظر في تصورات المكان، ويقدم تساؤلاً هادئاً لا يهدف إلى إعادة كتابة التاريخ، بل إلى إيقاظ طرق جديدة لرؤيته.

حوار الأزمنة

على جانب آخر، يستوحي العمل الفني «البرج المنير» للفنانة فاطمة مارضية بشير، عمارة البراجيل التقليدية في الشندغة، ويعكس شكله أفق المدينة التاريخي، وتزينه نقوش ذهبية مستلهمة من الزخارف الهندسية والنباتية الكلاسيكية، وفي منتصفه تضيف الزخارف الملونة لمسة من التنوع والوحدة، في حين يعلو البرج تصميم يصنع حواراً بين الماضي والمستقبل.

ويشكل مجسم من الخشب والطين يحمل عنوان «الأرشيف الذي يبقى» للفنانة سارة علاونة حالة من التفاعل مع تفاصيل الماضي، وتحويل الانطباعات الحسية وإيقاعات العمارة والقصص اللامادية إلى أشكال بصرية ومكانية، بحيث لا يقدّم سرداً ثابتاً، بل يحتفي بغموض الذاكرة، في إشارة إلى أن الإنسان والمكان متداخلان عاطفياً.