في إنجاز فني وتاريخي مميز، نجح متحف بريستول للفنون والتاريخ في جمع أكثر من 127,000 جنيه إسترليني خلال خمسة أيام فقط، بهدف شراء لوحة فنية منسوبة إلى الفنان البريطاني العظيم جيمس مارتن تيرنر (1775–1851)، والمعروفة باسم "العاصفة الصاعدة"، والتي تم اكتشافها حديثًا بعد أن غابت عن الأنظار لمدة أكثر من 150 عامًا.
تأتي هذه المبادرة في إطار حملة تمويل جماعي أطلقها المتحف، حيث توافد أكثر من 1,450 متبرعًا من مختلف أنحاء البلاد، من دعم بسيط بقيمة 2 جنيه إسترليني إلى تبرعات كبيرة تصل إلى 15,000 جنيه إسترليني، بهدف الحفاظ على هذا الإرث الفني الثمين في متحف الجمهور.
تم رسم لوحة "العاصفة الصاعدة" عام 1792، عندما كان تيرنر في السابعة عشرة من عمره، وكان لا يزال طالبًا في الأكاديمية الملكية للفنون في لندن. وتُعد هذه اللوحة واحدة من أولى لوحات الزيت التي عرضها تيرنر علنًا، حيث كانت أول عمل فني من نوعه يُعرض للجمهور، وأُقيمت في معرض الأكاديمية الصيفي عام 1793، قبل أيام قليلة من عيد ميلاده الثامن عشر.
تُصوّر اللوحة مشهدًا لمصدر مياه حرارية وسياحة في منطقة "هوت ويلز " في بريستول، وهي لوحة تعكس الأسلوب المميز لتيرنر في تصوير المناظر الطبيعية القاسية والمليئة بالمشاعر، والتي لطالما كانت من سماته الفنية. ويُعتقد أن اللوحة كانت ربما من ضمن الأعمال التي كُلف بها من قبل القس روجر نيكسون، وهو أحد أصدقاء تيرنر وداعميه المبكرين، خاصة في بداياته مع الرسم الزيتي.
اختفت اللوحة منذ عرضها الأخير في أستراليا عام 1858، وظلت في غياهب النسيان لمدة تزيد على قرن ونصف، حتى عُرف عنها فقط من خلال إشارات مكتوبة في مذكرات الأوفيات التي تناولت حياة تيرنر، وكان يُعتقد سابقًا أنها لوحة مائية وليس زيتية. بل إنَّ بعض الباحثين اعتقدوا أن أول لوحة زيتية عرضها تيرنر كانت "الصياد في البحر" عام 1796، وهو ما ثبت خطؤه مؤخرًا بعد أن تم التأكد من توقيع تيرنر على اللوحة المكتشفة حديثًا.
وقد أدى الكشف عن توقيع تيرنر على اللوحة إلى إعادة تقييمها من قبل الخبراء، حيث أُثبتت أصالتها وأهميتها، مما يعزز مكانة تيرنر كأحد أبرز رواد الرسم الزيتي في عمر مبكر. وتُعد هذه الاكتشافات بمثابة تغيير في فهمنا لتطور أسلوب تيرنر الفني، إذ أظهرت مدى تطوره المبكر وموهبته الفذة في تقنية الألوان والأضواء.
تم عرض اللوحة في مزاد سابق في دار "ديرويتس " بلندن، حيث كانت تُقدر بمبلغ زهيد يتراوح بين 600 و800 جنيه إسترليني، وتم بيعها مقابل 400 جنيه إسترليني فقط، بسبب نسبتها الخاطئة إلى فنان غير معروف من تلاميذ جوليوس سيزار إيببتسون، وهو رسام بريطاني من القرن الثامن عشر. ولكن مع اكتشاف توقيع تيرنر، أُعيد تصنيف العمل، ويُتوقع أن تُعرض مجددًا في مزاد سوتبي، بقيمة تتراوح بين 200,000 و300,000 جنيه إسترليني، أي ما يعادل 270,000 إلى 400,000 دولار.
وقد سجلت لوحة تيرنر رقماً قياسياً عام 2014 عندما بيعت في مزاد "سوتبي" بلندن مقابل 47.4 مليون دولار، مما يعكس المكانة العالية التي يحظى بها فناننا في سوق الفن العالمي.