الدراما التاريخية في «قفص الاتهام».. نجاح أم إخفاق؟

تصنف الدراما التاريخية بأنها أحد أهم وأصعب القوالب الدرامية على الإطلاق، لما تتطلبه من دقة تامة ومراجعة دقيقة ورصد متوازن للحقيقة، الأمر الذي يضع هذا النوع من الأعمال الفنية دوماً في دائرة الجدل والتساؤل والمحاكمة والاتهام، خصوصاً من قبل النقاد المتخصصين؛ فهناك فئة ترى أنها تتناول القضايا والأمور التاريخية بشكل جيد متوازن، وأن معالجتها تأتي دون أي تقصير أو أخطاء كبيرة، وهو ما تميل إليه وتمثله في هذه المساحة «المساجلة» النقاشية التي تضيء معها «البيان» جوانب المسألة وتفاصيلها الناقدة الفنية فايزة الهنداوي.

بينما لا تتردد وجهة النظر الأخرى في كيل الاتهامات للدراما التاريخية العربية، بمجملها، إذ تسن رماح تفكيك أخطائها وتفنيد هفواتها ومن ثم تصفها بكونها تتضمن أخطاء فادحة، هدامة، بفعل معالجتها المبتورة أو المشوهة، كما يتجلى في كثير من الأعمال. ويمثل أصحاب هذا الاتجاه والرأي في «النقاش» ههنا الناقد حسين إسماعيل.

تؤكد فايزة الهنداوي أن الدراما التاريخية العربية، ورغم ندرتها في السنوات الأخيرة، حافظت على بقائها ونجاحها في ظروف صعبة للغاية، ويأتي على رأسها عامل الإنتاج. ويسجل لها القدرة على حجز مكانة مهمة، حيث هناك أعمال كثيرة تناولت الدراما التاريخية بشكل مميز وجيد، وكانت سوريا رائدة في هذا الأمر أكثر من مصر، لاهتمام القائمين على الدراما هناك بالتفاصيل وتركيزهم على تناول الأحداث بدقة كبيرة.

الهنداوي تعترف في حديثها لـ «البيان» أن هناك بعض الأعمال التاريخية «ضعيفة المستوى» وبأخطاء تاريخية، لكن يمكن قبول الأخيرة، خصوصاً مع اختلاف المصادر التي يستمد منها مؤلف العمل أحداثه، مبينة أن السبب أحياناً يتمثل بوجود مصادر متناقصة حول حدث ما أو شخصية معينة، ما يؤثر بالتالي على المعالجة الدرامية للمشروع الدرامي التاريخي.

وتشير الهنداوي إلى أن الدراما التاريخية بصفة خاصة باتت قليلة؛ لما تتطلبه من إنتاج ضخم وتكلفة مادية كبيرة وجهد كبير من المؤلف وفريق العمل، إذ لا يستطيع أي إنتاج خاص تحمل تكلفتها، كما أنها تحتاج لدعم الجهات الحكومية في مشروعات وعمليات الإنتاج، وهو أمر صعب الحدوث في كثير من الأحيان في عدد من بلداننا.

وتتابع: لذلك لا يمكن القول إن الدراما التاريخية العربية قد أخفقت في استلهام التاريخ وتجسيده بشكل جيد ملهم، بل يقتضي الإنصاف القول إنها - وإن لم تكن قد تقدمت خطوات أوسع إلى الأمام، فهي على الأقل نجحت في الصمود أمام رياح عاتية.

وفي السياق، تستشهد الهنداوي بوجود أعمال تاريخية مهمة استطاعت تقديم قضية مهمة جذبت الجمهور، مثل: مسلسل «الحشاشين» والذي تعتبره نقلة نوعية في الدراما التاريخية. كما تشدد على أهميته في التحفيز نحو إعادة هذا النوع من المسلسلات إلى الساحة الدرامية مرة أخرى.

وترى الناقدة الفنية الهنداوي، أن «الحشاشين»، ورغم الجدل الذي أثير حوله أثناء عرضه، يعد نوعاً ونموذجاً مهماً بالميدان، إذ قدم صورة مؤثرة للغاية، وعملية إنتاجه تعكس مدى ضخامة الإمكانات الفنية الموظفة، وشكلت عناصر الإبهار فيه، الصورة والكتابة والإخراج، إضافة إلى التمثيل الذي كان بمثابة مباريات ومنافسات مبهرة، أبطالها كريم عبد العزيز وفتحي عبد الوهاب وأحمد عيد.


لا يتردد الناقد الفني حسين إسماعيل في الجزم بأن الدراما العربية، أخفقت بشكل كبير في تناول القضايا التاريخية وتجسيدها بشكل جيد ملهم، ويوضح أنها كانت طيلة الوقت تحاول تقديم القضايا الاجتماعية والمشكلات التي تثير اهتمام المجتمع فقط.

ويضيف: لم يتوقف الأمر عند هذا وحسب، فالدراما العربية أخفقت أيضاً في تحميل التاريخ إسقاطات واقعية ولم تستطع إتقان تقديمه، حيث تمت مناقشة معظم القضايا التاريخية من خلال مظلات مشروعات سمتها الإنتاج الضئيل أو ضعف السيناريو واللامبالاة في التجويد.

ويتابع: على سبيل المثال، هناك مسلسل «إمام الدعاة»، إنتاج عام (2003)، والذي عالج قصة حياة الراحل، العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكان من أهم الانتقادات التي وجهت للعمل، المبالغة في تصوير الشعراوي كرمز ديني فقط، من دون التركيز على الجوانب الإنسانية والشخصية، لدرجة أن بعض النقاد رأى أن العمل قد قدم صورة مثالية تفوق الواقع. ويستطرد: إن النقص الواضح في المعالجة الدرامية سمة أساسية تحيط بهذه الأعمال، ومن بينها «إمام الدعاة»، والذي كان من الممكن أن يبرز بوجه وصيغة اشتغال نوعية أجود وأفضل من الحال التي برز فيها، خصوصاً أن هناك الكثير من الأحداث المشوقة أو الصراعات الدرامية التي كانت تشهدها تلك الحقبة.

مثال وشاهد آخر يستعرضه حسين إسماعيل، في سياق تفكيكه لواقع الدراما التاريخية العربية، بغالبيتها، وما يحيط بها من مآخذ، ألا وهو مسلسل «الملك فاروق»: إنتاج عام (2007). إذ يقول في الخصوص: كانت الرؤية التاريخية المتحيزة من أهم الانتقادات التي وجهت إلى هذا المسلسل، بسبب تقديمه الملك فاروق من وجهة نظر أحادية بوصلتها الانتصار له وإظهاره بصورة متميزة، كما أن المسلسل ركز على الجانب الشخصي والعاطفي للملك فاروق، من دون تقديم تحليل عميق للتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تواجه البلاد في تلك الفترة.

ويتابع: إن هذا المنوال في الاشتغال الدرامي المجتزأ، انسحب وتكرر أيضاً مع مسلسل «نابليون والمحروسة»، إنتاج عام (2012). ويستفيض إسماعيل: ولكي أكون منصفاً، هناك مسلسل استطاع أخيراً أن يحقق الخلطة الفنية التي تجذب الجمهور، وهو مسلسل «الحشاشين». ويؤكد إسماعيل في ختام حديثه أن من أهم عوامل نجاح هذا العمل، ضخامة الإمكانات والإنتاج، بما في ذلك: الديكورات، الأزياء، المؤثرات البصرية، الانتقال إلى الأماكن الحقيقية للأحداث.. وهناك أيضاً الجهد الكبير في كتابة السيناريو والذي تضمن قصة مشوقة تدور حول صعود وسقوط طائفة الحشاشين، وكذا حياة زعيمها حسن الصباح، فضلاً عن الأداء المتميز لفريق العمل.