«الكوميكس» في العالم العربي.. لغة فنية تنبض بالثقافة

 فنانو العرب استطاعوا حجز مكانة عالية لهم في الميدان
فنانو العرب استطاعوا حجز مكانة عالية لهم في الميدان
خالد الجابري
خالد الجابري
 خالد آل علي
خالد آل علي
محمد توفيق
محمد توفيق

بين خطوط الرسم وألوان الحكايات، يحاول رسامو «الكوميكس» العرب رسم ملامح لهوية بصرية تمثلهم وتنبض بثقافتهم... ففي مرسمه، ينشغل خالد الجابري بتجسيد شخصية بملامح خليجية واضحة، بينما يتأمل الفنان التشكيلي محمد توفيق أرشيف المجلات العربية القديمة التي يرى فيها جذوراً لهوية ضاعت وسط زحام الأساليب المستوردة، أما خالد آل علي، فهو رسام يراقب المشهد الثقافي بأسى، محذراً من خطورة اختزال الكوميكس العربي في قوالب غربية أو يابانية لا تشبهنا.

تلتقي رؤى هؤلاء الثلاثة عند مفترق طرق واحد: «الكوميكس العربي» اليوم يعيش حالة من التأثر بالنماذج الأجنبية ومحاولات لاستعادة هويته الأصيلة. فهل ما نراه اليوم مجرد تجريب طبيعي في عصر العولمة؟ وما الذي يحتاجه هذا الفن ليعبر عن بيئته، ويصل للعالم دون أن يفقد روحه؟

يرى الكاتب ورسام الكاريكاتير خالد الجابري أن الكوميكس الخليجي – والعربي عموماً – لا يزال متأثراً بشدة بالمانغا اليابانية والأسلوب الأمريكي في الرسم والسرد، مشيراً إلى أن غياب الملامح المحلية عن كثير من الإنتاجات البصرية يجعلها مجرد تقليد لا يترك أثراً.

ويقول الجابري: لاحظت أن بعض الدول العربية، مثل مصر، بدأت تبلور أساليب بصرية أقرب إلى بيئتها، بفضل قوة ثقافتها وتوظيف ملامحها. بينما لا يزال إنتاجنا في كثير من الأحيان يحاكي ستايلات أجنبية دون التعمق في تصوير شخصياتنا أو خلفياتنا الواقعية.

ويؤمن الجابري أن الطريق إلى العالمية يمر أولاً عبر الخصوصية، مضيفاً: كلما تعمق الفنان في ثقافته، وصل بها إلى القارئ العالمي. الجمهور لا يريد أن يرى تكراراً لما يعرفه، بل يبحث عن شيء جديد يظهر البيئة، والقصص، والشخصيات، والرموز.

زمن الرواد

أما الفنان التشكيلي ورسام القصص المصورة محمد توفيق، فيؤكد أن الكوميكس العربي كان يمتلك هوية بصرية وثقافية واضحة خلال فترة جيل الرواد، وتحديداً بين خمسينيات وثمانينيات القرن الماضي، حين كانت المجلات العربية تعبر عن ثقافة مجتمعاتها بملامحها الخاصة.

ويرى أن هذه الهوية بدأت تتلاشى تدريجياً، في ظل غياب الدعم المؤسسي، وتراجع منصات النشر المتخصصة، وسيطرة ثقافة الاستهلاك السريع، ما دفع العديد من الفنانين إلى تقليد الأنماط الغربية أو اليابانية دون وعي.

ويتابع: هناك تجارب فردية ملهمة بلا شك، وومضات تعبر بصدق عن بيئتنا العربية وتاريخنا، لكنها لا تزال معزولة. نحتاج إلى مصالحة مع الذات، وأن نتجرأ على الغوص في أعماق بيئتنا العربية، ونقدمها بأمانة وابتكار.

ويضيف: الهوية لن تبنى من فراغ. نحن بحاجة إلى منظومة متكاملة من مدارس متخصصة، ومنصات نشر وتوزيع، ودعم للمشاريع المستقلة، وجوائز تكرم التميز في هذا المجال. والأهم من ذلك كله أن نخلق حواراً مع الجمهور، لا نطارده، بل نمنحه تجارب بصرية تحفز خياله وتربطه بجذوره.

ملامح خاصة

ويرى الرسام والباحث في الثقافة والنشر خالد آل علي أن للقصص المصورة العربية ملامحها الخاصة المتجذرة في المجلات القديمة مثل «علاء الدين»، و«ماجد»، و«باسم»، وغيرها، حيث كانت الملامح العربية والخلفيات المستمدة من البيئة حاضرة بوضوح.

ويعتبر أن محاولات تحويل الكوميكس العربي إلى نسخة من المانغا اليابانية أو الكوميكس الغربي، حتى وإن تم تلوينها بملامح عربية، تربك المتلقي وتشوش الهوية البصرية للفن.

ويقول: يمكن اعتبار هذه النماذج نوعاً من التجريب، لكنها لا تصلح كأساس للهوية البصرية للكوميكس العربي.

كل مدرسة فنية – آسيوية، أوروبية، أمريكية تنبع من بيئتها، ومن الخطأ أن نعتقد أننا قادرون على التعبير عن ثقافتنا من خلال قالب لم يصمم لها أصلاً.

ويشدد على أهمية توثيق التفاصيل العربية في الأعمال المصورة، من منارات المساجد والنخيل، إلى البيوت القديمة والحيوانات التي نراها في محيطنا. ويدعو إلى تجنب الخطاب الوعظي المباشر، والتركيز على السرد الحكائي المشوق الذي يسمح للرسام بإبداع خلفيات تعبر عن ثقافتنا، وتربط الجمهور ببيئته.

ويختتم: نحتاج إلى صناع يعرفون تماماً ما هو الأسلوب الفني العربي الأصيل، ويؤمنون بأن الكوميكس ليس التريند العابر، بل أداة ثقافية مؤثرة. العودة إلى أرشيف الرواد، والتغذية البصرية من بيئتنا اليومية، تكفلان إنتاج أعمال فريدة تحاكي مشاعر الناس وتعبر عنهم بصدق.