سوق الفنون يقتنص الشراكات والرقمنة تنعش مبيعاته

:

شهد سوق الفن العالمي خلال العام الماضي تراجعًا بنسبة 4% في عائداته، حيث قدرت قيمته بنحو 65 مليار دولار أمريكي وفقًا لتقرير "مؤسسة السوق الفنية العالمية 2024 "

على الرغم من هذا الانخفاض، تظل السوق في مستوى يعكس أهميتها الكبيرة كقطاع اقتصادي وثقافي، حيث يعتمد الكثير من المستثمرين على الأصول الفنية كمصدر استثماري ووسيلة للحفاظ على القيمة، خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية.

يُعزى هذا التراجع بشكل رئيسي إلى تداعيات جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى إغلاق المعارض الدولية، وتأجيل المزادات، وانخفاض الطلب من قبل المستثمرين الأفراد والشركات، حيث أُغلقت العديد من الأسواق التقليدية أو عملت بنسب أقل من النشاط المعتاد.

ومع ذلك، فإن الاتجاه نحو تعزيز التعاون بين المعارض الفنية الكبرى أصبح واضحًا، إذ أظهرت الأحداث الأخيرة مثل مشاركة "بينالي فينيسيا" و"آرت دبي" في تنظيم فعاليات مشتركة، رغبة في الحفاظ على استمرارية السوق وتوسيع حضورها عالمياً.

وفي السياق تؤكد المستشارة الفنية  لمعرض «آرت دبي»، هالة خياط، : ان دبي في الحقيقة، أثبتت وبجدارة أنها القائدة في مجال الصناعات الفنية على مستوى المنطقة ككل.  اتخذت دبي مكانة هامة جداً كمركز نشاط الحركة التجارية الفنية وصناعة الحركة الفنية. استقطبت دبي منذ أكثر من 15 سنة دور المزادات العالمية، ومن نتيجة لذلك، بدأنا نشهد في دبي انطلاقة صالات العروض الفنية بشكل أكبر وأكثر حيث تمركزت في عدة مناطق في دولة الإمارات مثل منطقة السركال والمركز المالي التجاري العالمي والقوز مع البرنامج العالمي المكثّف للأعمال الفنية في الشارقة ومشروع المتاحف في أبوظبي ، وبعد 15 سنة تمكننا من الوصول بفضل هذا كل هذا النشاط الحركي الفني الإيجابي إلى إنشاء سوق قوي ومتين مبني على أسس عالمية وأصبحنا نشهد انطلاقة أهم المعارض التي أسست هنا مثل أرت دبي وآرت أبوظبي.

حراك المقتنيات

 وفيما يتعلق بنوعية الاعمال الفنية المعروضة ى دبي وغايات اقتنائها تقول التي شغلت سابقا منصب  مديرة إدارة الفنون الشرق أوسطية وكبيرة الاختصاصيين لدى دار  كريستيز للمزادات بدبي : تتراوح غايات الأفراد في اقتناء الأعمال الفنية في بعض الأحيان، يرث الشخص أعمالاً فنية بمحض الصدفة ويصبح مؤتمناً عليها ويقدّر قيمتها ويكون مهتم بنوع معين من الفنون إن كانت إسلامية، قديمة، لوحات عالمية أو يصبه شغوفاً بدعم الحركة الفنية اليافعة، فيصبح على مستوى عالي من الإدراك والوعي ليكمل هذا المشوار الفني كونه نشأ في هذا العالم والحالة الفنية الخاصة

 وتضيف هاله الباحثة   في الفن العربي والشرق الأوسط الحديث والمعاصر :  من  الممكن أن يكون مقتني الأعمال الفنية بالأصل صديقاً مقرّباً لفنانين أهدوه عملاً فنياً معيناً ليصبح مسؤولاً عن هذا العمل وعرف قيمته المادية، لقد برهن الفن اليوم بعد أكثر من 500عام على الحركة الفنية التجارية المعروفة المرصودة عالمياً أهمية الاستثمار الفني وكم هو مجدياً – وذلك طبعاً على المدى الطويل – وهذا ما نراه أكثر في الطبقة المجتمعية الثرية - على سبيل المثال عندما يشتري الأثرياء أي من الممتلكات من عقارات أو سيارات أو الذهب وأي نوع آخر بغرض الاستثمار – كذلك الأمر عندما تشتري قطعة أو عملاً فنياً كنوع آخر من الاستثمار ويكون الأمر ميسّراً وموثوقاً عندما تكون الجهة البائعة عن طريق منصة موثوقة مثل منصة آرت دبي.

هذه التكتلات تساعد على تقليل المخاطر وتحقيق استدامة أكبر، خاصة مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في تنظيم المعارض الافتراضية، التي أتيحت للجمهور من مختلف أنحاء العالم، مما ساعد على تعويض جزء من الخسائر الناتجة عن القيود الجغرافية والوبائية.

بالإضافة إلى ذلك، شهد السوق الرقمي نموًا غير مسبوق، حيث أُقيمت مزادات ضخمة عبر الإنترنت، مثل مزاد "Christie’s" الذي عرض أعمالًا رقمية بقيمة تجاوزت 69 مليون دولار، وفقًا لموقع "بلومبرغ". هذا التحول يعكس توجهًا حاسمًا نحو الاعتماد على التكنولوجيا، خاصة مع تزايد اهتمام جيل الشباب بالفنون الرقمية، والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، التي فتحت آفاقًا جديدة لعرض وبيع الأعمال الفنية بطريقة مبتكرة وآمنة عبر تقنية البلوكتشين.

أما عن أنواع الفن، فإن السوق المعاصر، الذي يُعتبر الأكثر تضررًا خلال العام الماضي، شهد انخفاضًا بين 6-8%، خاصة مع تراجع الطلب من فئة الشباب والمستثمرين الجدد. في المقابل، استمر سوق الفن الحديث، الذي يضم أعمال القرن العشرين، في تقديم بعض الاستقرار، حيث لا تزال الأعمال من فترات معينة تحظى بطلب قوي من جامعي التحف والمقتنين الموثوقين، مما يساهم في تقليل حدة التراجع.

أما الفنون التقليدية والنادرة، كاللوحات القديمة والأعمال التاريخية، فحافظت على مكانتها بشكل أكبر، مع تزايد الطلب على القطع ذات القيمة الثابتة، خاصةً من قبل المؤسسات والمقتنين المرموقين، حيث يُنظر إليها كاستثمارات ذات مخاطر أقل وتوفر حماية من التقلبات السوقية.

على الصعيد الجغرافي، فإن الأسواق الأمريكية والأوروبية لا تزالان تحتفظ بالنصيب الأكبر، حيث تسيطران على حوالي 70% من السوق العالمية، لكنهما شهدتا انخفاضات ملحوظة في المبيعات، بسبب الأوضاع الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية المستمرة، خاصةً في أوروبا مع استمرار أزمة اليورو وتأثير العقوبات الدولية على روسيا، التي كانت من أكبر المصادر للأعمال الفنية النادرة.

بالمقابل، أظهرت أسواق الناشئة، خاصة الصين، قدرة أكبر على الصمود، مع تزايد الاهتمام بالفن المحلي وزيادة الاستثمارات، حيث أطلقت الصين مئات المعارض الرقمية، ووفرت تسهيلات أكبر للفنانين المحليين، مما أدى إلى ارتفاع مبيعات الفن المعاصر الصيني خلال العام الماضي.

وفي ظل هذه التغيرات، بدأت المؤسسات الفنية الكبرى تتجه نحو استثمار أكبر في مشاريع الاستدامة، مثل دعم الفنانين الشباب وتطوير البرامج التعليمية، بهدف بناء قاعدة جمهور جديدة وتعزيز الوعي بأهمية الفنون كجزء من التراث الثقافي والاقتصادي.

كما زاد الاهتمام بالابتكار، حيث بدأت بعض المتاحف والمعارض باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) لعرض الأعمال بشكل تفاعلي وجذاب، مما يتيح للجمهور تجربة فريدة من نوعها، ويعزز من تواصل الجمهور مع الفن عن بعد.

ورغم التحديات الكبيرة، يظل سوق الفن العالمي مرنًا وقادرًا على التكيف مع متطلباته، مع تزايد التكتلات بين المعارض الكبرى وتبني الابتكار الرقمي، مما يعزز من احتمالات تعافيه واستدامته على المدى الطويل.

ومن المتوقع أن يستمر النمو تدريجيًا مع مرور الوقت، خاصة مع تزايد الوعي بأهمية الفنون كجزء أساسي من الاقتصاد الإبداعي، واحتضان السوق لمبادرات جديدة تهدف إلى تعزيز الشفافية والاستدامة، مع استمرار التركيز على تعزيز قيمة الأعمال الفنية كوسيلة لحفظ الثروة وتنويع الاستثمارات.