تثمر جهود الإمارات الخاصة في صون التراث وحفظ قيمته، إنجازات نوعية في شتى ميادين الحياة، وقد نجحت الدولة مؤخراً في إدراج فن «الآهلة» ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو»، وتسجيل «البشت» و«زفة العروس» و«الكحل العربي» ملفات عربية مشتركة. ويشكل إدراج هذه الموروثات في القائمة والملفات، محطة مفصلية تعزز حضور التراث والثقافة الإماراتية، عالمياً، وتكفل استدامتها بوصفها إرثاً حيّاً يجسد الهوية الإماراتية ويقيم جسور التواصل مع الذاكرة الإنسانية المشتركة.
وفي هذا السياق، أكد الكاتب فهد علي المعمري، الباحث في التراث الشعبي لـ«البيان» أن إدراج فن «الآهلة»، وتسجيل «البشت» و«زفة العروس» و«الكحل العربي»، في قائمة «اليونيسكو» ليس مجرد اعتراف دولي، بل يحمل بين ثناياه لحظة ثقافية عالمية تعيد ترتيب علاقتنا بتراثنا وتمنحه أفقاً عالمياً جديداً.
وأوضح أن أهمية إدراج فن «الآهلة»، يكمن في انعكاس ذلك على حضور الهوية الإماراتية، عالمياً، وهذا الإنجاز يعطي هذا الموروث مكانة عالمية، بوصفه تعبيراً إنسانياً يحمل قيمة كبيرة، تتجاوز حدود الجغرافيا المحلية. وأشار إلى أن الهوية الإماراتية عميقة الجذور، صاغتها بيئة خاصة وتجربة اجتماعية وتاريخية متراكمة وقيّمة، لافتاً إلى أن هذا الإنجاز يضع فن «الآهلة» في سياق الحوار الثقافي العالمي، باعتباره جزءاً من الذاكرة الإنسانية المشتركة، لا مجرد مظهر فلكلوري.
وفي الحديث عن الرسالة الثقافية الموجهة للأجيال القادمة، أوضح فهد المعمري أن الرسالة الأهم هي أن الموروثات الإماراتية الأصيلة ليست فقط من إرث الماضي، بل قيمة حياتية تحمل معاني الانتماء، والكرامة، والجمال، والتكافل الاجتماعي.
وتابع: «إن البشت ليس لباساً فحسب، بل رمز للمكانة والوقار، وزفّة العروس تعبير عن الجماعة والفرح المشترك، والكحل العربي امتداد لجمال مرتبط بالهوية».
وشدد على ضرورة أن يعي ويدرك الجيل الجديد أن الحفاظ على التراث هو فعل واجب لا اختيار، كما أنه ليس مجرد حنين للماضي، مضيفاً: «تلعب الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمعية دوراً محورياً في الحفاظ على التراث ونقله للأجيال القادمة. فالأسرة نواة المجتمع والحاضنة الأولى للتراث عبر تعليمه للأفراد من خلال الممارسة اليومية والرواية الشفوية. وتقع على عاتق المؤسسات التعليمية مسؤولية تحويل التراث إلى معرفة منظمة، تُدرَّس وتُحلَّل وتُربط بسياقاتها التاريخية والاجتماعية، كما يتضمن دورها في التوثيق، والبحث، وإعادة التقديم بوسائط معاصرة، توازناً بين الأصالة وروح العصر، وتمنع التراث من التحول إلى عرض جامد».
وأشار إلى أن هناك خطوات مقبلة بعد إدراج فن «الآهلة» تتمثل في الانتقال من منطق الإدراج إلى منطق الاستثمار الثقافي الواعي، عبر توسيع مشاريع التوثيق العلمي والبحث الأكاديمي، ودعم الحرفيين والفنانين بوصفهم حملة التراث الأحياء، وإدماج التراث غير المادي في الصناعات الثقافية والإبداعية، متابعاً: «إن إعداد ملفات جديدة لإدراجها في قائمة اليونيسكو يعكس تنوع الموروث الإماراتي، مع تعزيز حضوره في المعارض الدولية، والمناهج، والمنصات الرقمية العالمية».
واختتم حديثه: «إن هذا الإنجاز الإماراتي يحمّلنا مسؤولية مضاعفة؛ فالحفاظ على التراث بعد الاعتراف العالمي لم يعد شأناً محلياً فحسب، بل أمانة ثقافية تجاه الإنسانية جمعاء».

