الفن والعمران في دبي.. حوار بديع يزخر بالجمال وينطق بالأفكار

لوحة فنية تتناغم فيها الأشكال الهندسية مع لمسات الفن التشكيلي، وتنطق بها واجهات المباني في دبي النابضة بالحياة، وتتلألأ من خلالها الأعمال الفنية المستوحاة من روح المدينة وتراثها العريق، لتخلق حواراً بصرياً بين الماضي والحاضر.

ووسط هذا الإبداع الحر من القيود، تبدو دبي عاصمةً للروعة والجمال، حيث تتعانق رؤى الفن وطموح العمران، وترتسم ملامح القصص البديعة التي ترويها التركيبات الفنية، معبّرة عن الرؤية الثاقبة والألق الفريد.

وأكدت المصممة المعمارية الزينة لوتاه لـ«البيان»، أن دبي نجحت إلى حد كبير في توظيف جماليات الفن التشكيلي داخل عمارتها، لكن نجاحها كان دائماً مرتبطاً بفهمها لفكرة «التعبير» أكثر من مجرد «التجميل»، مشيرةً إلى أن المدينة تحولت إلى مساحة إبداعية مفتوحة، أصبحت فيها العمارة مثل لوحة تتحرك مع الضوء والظل، وتعكس نبض الحياة وتنوع الثقافات.

وقالت: «نرى هذا في الواجهات التي تستعير من التكوينات التجريدية، وفي الفراغات التي تُبنى على إيقاع الخطوط والانسياب، كأنها أعمال فنية تترجم الإحساس بالمكان أكثر مما تكتفي بتأطيره. حتى في المشروعات الحديثة، هناك توجه نحو العمارة التي تلامس المشاعر، لا ككتلة صامتة، بل كامتداد لتجربة بصرية وحسية تشبه الفن التشكيلي في بحثه عن التوازن بين الفكرة والشكل. وبصفتي معمارية، أرى أن هذا التفاعل بين الفن والعمارة هو ما يمنح دبي طابعها المميز، إنها مدينة لا تكتفي بأن تُرى، بل تُحسّ».

وأوضحت أن أبرز مظاهر التجديد الفني في معالم دبي العمرانية هو التحول من العمارة كمنشآت رمزية إلى العمارة كوسيط فكري وتجريبي، وأن المباني لم تعد مجرد انعكاس للتطور التقني، بل أصبحت لغة تعبّر عن الهوية المعاصرة للمدينة التي تبحث دائماً عن معنى جديد للجمال، وعلاقة الإنسان بالمكان، لافتة إلى أن ذلك يظهر في استخدام المواد بطرق غير تقليدية، وفي دمج الضوء والظل كعناصر تصميمية تعبّر عن الزمن والحركة، وفي الفراغات التي تستقبل الناس كأعمال فنية تفاعلية أكثر من كونها فراغات وظيفية فقط.

وأضافت: «حتى التوجه نحو الاستدامة، صار يُقدّم بروح فنية، من خلال التفاصيل، والانسجام مع الطبيعة، وتحوّل التصميم إلى تجربة حسية».

ورأت أن هذا التحول يلهمهما باستمرار؛ لأن العمارة في دبي أصبحت مساحة للحوار بين الفن والفكر، بين المادي والخيالي، وأنها تذكّرها بأن كل خط يرسم، وكل مادة تختار، يمكن أن تحمل فكرة، أو إحساساً، أو ذكرى.

ولفتت الزينة لوتاه إلى أن العمارة في دبي هي مساحة مستمرة للحوار بين التراث والحداثة، وأنها تؤمن بأن هوية المكان لا تُحفظ في الماضي، بل تعاد قراءتها في الحاضر بطريقة جديدة؛ لذلك فهي تحاول دائماً أن تجد توازناً بين الجذور التي ننتمي إليها والطموح الذي يدفعنا نحو المستقبل.

وتابعت: «في مشروع نَسيج، استوحيت الفكرة من النسيج الإماراتي التقليدي، وحاولت أن أترجمها إلى لغة معاصرة تُظهر كيف يمكن للحرفة أن تتحول إلى تجربة مكانية. المشروع بالنسبة إليّ كان عن الارتباط بين اليد والذاكرة، وبين الخط والظل»، منوهةً بأن العمل عُرض لأول مرة في أسبوع دبي للتصميم 2023، ثم انتقل لاحقاً إلى مكتبة الصفا للفنون والتصميم؛ ليكون قريباً من الناس ويتفاعل مع محيط ثقافي حيّ.

وعن عملها الآخر «شِرَاع»، الذي عُرض في مهرجان سكة للفنون والتصميم 2024، قبل أن يُنقل إلى «بورت دو لا مير»، بينت أنها كانت تبحث فيه عن فكرة الانفتاح والحركة، وعن الكيفية التي يمكن بها للشكل أن يعكس روح السفر والتجدد التي كانت دائماً جزءاً من هوية المكان. وأضافت: «من خلال هذه المشروعات وغيرها، أحاول أن أتعامل مع التراث بوصفه مصدراً للإلهام لا قيداً، وأرى في الحداثة وسيلة لتطوير الهوية وليس استبدالها»، واصفة دبي بأنها «المكان الذي يلتقي فيه الماضي بالمستقبل في حوار مستمر، حيث كل تصميم هو محاولة لإبقاء هذا الحوار حيّاً».

وأكد المهندس المعماري مصطفى الخماش أن دبي نجحت بتميز في دمج الفن التشكيلي داخل عمارتها الحديثة، ليس كعنصر تجميلي، بل كروح تعبّر عن فكرها ورؤيتها، مشيراً إلى أن العمارة أصبحت في دبي جزءاً من هوية المدينة الثقافية، تحمل بعداً إنسانياً يعكس شجاعة التجريب وابتكار لغة جمالية جديدة تضع الإنسان في قلب التجربة المعمارية.

وقال: «ما يميّز المشهد العمراني في دبي هو تطوره المستمر وقدرته على منح مساحة حقيقية للفكر المفاهيمي في التصميم، حيث يعمل المعماري والفنان معاً لخلق تجربة بصرية وإنسانية متكاملة، تجعل من المبنى رسالة ومعنى، لا مجرد شكل جميل».

وأضاف: «في عملي أحرص دائماً على تحقيق توازن بين أصالة التراث وابتكار الحداثة».