سياسات رشيدة، وخطط مدروسة، واستراتيجيات مبتكرة، تتبنّاها الإمارات في سبيل تعزيز الاستثمار في مجالات الإبداع المتنوعة، وتترجمها في صورة مبادرات ثرية، تدعم الشباب المبدع على وجه الخصوص، وتحث خطاهم نحو هذا التوجه، الذي كان لدبي فيه بصمات فريدة، إذ أثبتت فيه ريادتها ورسوخ مكانتها.
كل ذلك يلقي على عواتق المبدعين الإماراتيين مسؤوليات كبيرة، ويفرض عليهم إيقاعاً جديداً للتعامل مع ما ينتجونه من أعمال أدبية، تحقق غايات مفهوم الاقتصاد الإبداعي، ويستلزم منهم الانسجام بأفكارهم ورؤاهم مع مستجدات الابتكار والاستثمار في المشاريع الإبداعية، ليتمكنوا من صناعة منتج اقتصادي رائج، قوامه الكلمة البليغة والصياغة المحكمة.
قيمة اقتصادية
وأكدت الكاتبة الإماراتية أسماء صدِّيق المطوَّع رئيسة ومؤسّسة «صالون الملتقى الأدبي»، لـ«البيان»، أن الأدب الإماراتي شهد خلال السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً، سواء على مستوى الانتشار، أو على صعيد تحويل الإبداع إلى منتج ثقافي ذي قيمة اقتصادية، مشيرةً إلى أن بعض الأدباء استطاعوا بالفعل استثمار مواهبهم، عبر التعاقدات مع دور نشر محلية وعالمية، وتحويل أعمالهم إلى مشاريع إعلامية.
ولفتت إلى أن المشاركة في معارض الكتب والفعاليات الثقافية، تعزز أيضاً استثمار الأدباء الإماراتيين مواهبهم الإبداعية، لتحقيق أرباح مادية، وتتيح لهم تسويق إنتاجهم الأدبي بصورة مباشرة، موضحةً أنه مع ذلك، ما زالت الفرص بحاجة إلى مزيد من الدعم لتعزيز جدوى الاستثمار المادي للأدباء بصورة أوسع.
وعن مستقبل الأدب الإماراتي، في ضوء مفهوم الاقتصاد الإبداعي، قالت أسماء: «أنا متفائلة جداً، فاليوم باتت الدولة تضع الثقافة في قلب استراتيجياتها التنموية، وهناك اهتمام متزايد بتحويل الإبداع إلى قيمة اقتصادية»، متوقعةً أن الأدباء سيكونون جزءاً أساسياً من الحراك الاقتصادي الوطني، ما يوفر لهم فرصاً أوسع للانتشار والاستدامة المالية عبر الترجمة، والنشر الرقمي، والتحويلات السينمائية والدرامية لأعمالهم الأدبية.
وأضافت: «لا يمكننا إلا أن نشيد بالمبادرات الكبيرة التي أطلقتها الدولة، مثل تأسيس الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية، وكذلك دعم معارض الكتب المحلية والدولية، وبرامج دعم الكتاب والنشر والترجمة»، منوهةً بأن هذه الجهود مجتمعةً، تخلق بيئة محفزة للأدباء لعرض إنتاجهم، وتسهم في تعزيز حضورهم الثقافي والاقتصادي إقليمياً وعالمياً.
من جانبها، رأت الكاتبة الإماراتية مريم الغفلي أن نجاح الأدباء الإماراتيين خلال العصر الراهن، في استثمار مواهبهم الإبداعية بصورة تحقق لهم أرباحاً مادية مجزية، يكاد يكون منحصراً بهذه المرحلة في الفوز بالجوائز الثقافية، نظير عمل أدبي، أو عبر ترجمة الكتب، مؤكدةً أن الكتابة الأدبية والنشر حتى اللحظة، ليست ذات جدوى اقتصادية، وهو ما لمسته بنفسها من تجربتها في نشر مؤلفاتها.
وأوضحت أن هذا الوضع الحالي، هو ما يدفع معظم المثقفين والكتَّاب إلى الاعتماد في حياتهم المعيشة على الوظائف أو الأعمال الخاصة، معربةً عن تفاؤلها بمستقبل الأدب الإماراتي، في ضوء مفهوم الاقتصاد الإبداعي، وفي ظل تطور تقنيات التواصل والتكنولوجيا، التي ربما يستطيع الجيل القادم من خلالها الاستفادة مادياً من أعماله الأدبية، وذلك عبر الترويج الإلكتروني، والاستثمار بواسطة التقنيات المتنامية.
وبخصوص الجهود الحكومية المبذولة في مجال الاقتصاد الإبداعي، ومدى قدرة الأدباء الإماراتيين على توظيفها، بحيث تصبُّ في مصلحة استثمار الأعمال الإبداعية، قالت مريم: «هناك دعم للاقتصاد الإبداعي، بما يتماشى مع استراتيجية الدولة التي تركز على تنمية أجيال مستقبلية، ورعاية جيل المستقبل من المفكرين المبدعين، وإثراء معرفتهم، وتطوير مهاراتهم وخبراتهم»، مشيرةً إلى أنه، مع ذلك، لا يزال استثمار المبدع المحلي في مجال الكتابة محصوراً في فئة قليلة.