في عمرٍ لا يتجاوز الحادية عشرة، يحمل الطفل الإماراتي سلطان عبدالله البلوشي، شغفاً عميقاً بالبحر، لا يختلف عن عشق المحترفين الذين قضوا عقوداً تحت الأمواج. سلطان أحمد المهيري، طالب في الصف الخامس، يُعد من أصغر أعضاء فريق دبي للغوص التطوعي، ويشارك بانتظام في حملات تنظيف الشواطئ والموانئ، جامعاً بين هوايته في الغوص وشغفه بحماية البيئة البحرية. بدأت رحلته منذ أن كان رضيعاً، حيث تظهر صوره وهو يشارك والدته وأشقائه في فعاليات بحرية منذ أن كان عمره 11 شهراً، وكان يرافق والده في رحلات الصيد منذ سن الرابعة. تلك الذكريات المبكرة شكلت دافعاً قوياً جعله يكتشف حباً مبكراً للبحر والغوص.
«البيان» التقت الغواص الصغير سلطان ليروي تفاصيل رحلته المُلهِمة مع الغوص والعمل البيئي، وتطلعاته بأن يصبح عالم أحياء بحرية وسفيراً للبيئة، يحمل رسالة الاستدامة إلى أطفال العالم، متسلحاً بروح المسؤولية وحب الوطن.
رخصة الغوص
يحكي سلطان عن أولى خطواته في عالم الغوص، قائلاً إنه كان يغوص دون معدات في مياه لا تتجاوز الثلاثة أمتار، مدفوعاً برغبته في استكشاف قاع البحر ومشاهدة الحياة البحرية وحطام السفن. كان يتوق للحصول على رخصة غوص، لكنه لم يكن قد بلغ السن القانونية بعد.
وعندما بلغ الثامنة، التحق بدورة غوص محدودة في المياه المغلقة بعمق لا يتجاوز أربعة أمتار، لتكون نقطة انطلاقه نحو الحلم. وفي سن العاشرة، نال رخصة الغوص في المياه المفتوحة، فشعر بسعادة غامرة وهو يحقق حلمه، ويبدأ في استكشاف الأعماق، والكائنات البحرية، ومواقع الغوص في مختلف أنحاء الدولة.
ويستعيد سلطان بعض المواقف التي لا تفارق ذاكرته خلال مشاركته في حملات تنظيف البحر، منها رؤيته لأسراب الدلافين لأول مرة في إحدى غوصاته في بحر دبي، إضافة إلى موقف مؤثر عندما نجح في إنقاذ كائنات بحرية علقت في مخلفات بلاستيكية وشباك صيد مهملة. ويؤكد أنه يمارس هذا العمل التطوعي أسبوعياً ضمن فريق دبي للغوص التطوعي، بدافع حبه للبيئة البحرية ورغبته في حمايتها.
الدراسة والهواية
ورغم شغفه الكبير بالبحر، يحرص على التوازن بين هوايته ودراسته، حيث يخصص عطلة نهاية الأسبوع للغوص، بينما يكرس أيام الأسبوع للدراسة. ويوضح، أغوص فقط في عطلة نهاية الأسبوع، وغالباً يوم السبت، أما الأحد فهو للراحة والاستعداد للمدرسة. أما في أيام الأسبوع فأركز على دراستي وأمنحها الأولوية.
ويوجهه رسالة توعوية لأقرانه من الأطفال، داعياً إياهم إلى تقليل استخدام المواد البلاستيكية خصوصاً عند زيارة الشواطئ، والمشاركة في الفعاليات البيئية لاكتساب الخبرة، والمساهمة في حماية البيئة البحرية.
يتحدث سلطان بفخر عن والده الذي يعتبره قدوته الأولى في حب البحر والعمل التطوعي، قائلاً: إنه تعلم منه الغوص والصيد وقيادة القوارب، بل ورافقه في إصلاح المعدات والأعمال الميكانيكية، كونه مهندساً ميكانيكياً. ويضيف، تعلمت منه الصبر، ومساعدة الآخرين دون مقابل، واحترام جميع الناس مهما اختلفت جنسياتهم أو دياناتهم، وهذا ما تعلمناه أيضاً من قيادتنا في دولة الإمارات.
وعن شعوره بعد كل عملية تنظيف بحرية ناجحة، يقول إنه يشعر بسعادة لا توصف ورضا داخلي كبير، وكأن الكائنات البحرية تشكره بطريقتها الخاصة.
كما يشعر بمتعة أكبر أثناء الغوص في مواقع نظيفة، خالية من الحبال والشباك العالقة.
يحب سلطان أن يشارك زملاءه في المدرسة بقصصه البحرية، ويعرض عليهم صوراً ومقاطع فيديو توثق مغامراته في أعماق البحر.
ويقول: إن معلميه وزملاءه يستمعون إليه بإعجاب، خصوصاً أن بعضهم من هواة الغوص، ويستغربون من إلمامه الكبير بهذا المجال في سن مبكرة. كما يحلم بأن يصبح عالم أحياء بحرية، وسفيراً للبيئة البحرية، ليساهم في مواجهة تحديات تغير المناخ، خصوصاً تلك المتعلقة بالبحار والمحيطات. ويضع هدفاً واضحاً لنفسه؛ أن يتفوق في دراسته، ويلتحق بأفضل الجامعات في هذا المجال، ويواصل إثراء معرفته من الآن من خلال المشاركة في الورش والمؤتمرات والفعاليات البيئية المتعلقة بالطفل والاستدامة.
وفي ختام حديثه، يوجه سلطان عبدالله البلوشي رسالة إلى الأطفال في جميع أنحاء العالم، قائلاً: لا تأخذوا من البحر المتعة فقط، بل امنحوه من أفكاركم وإبداعاتكم وابتكاراتكم، لنحدّ من التلوث ونحمي كوكبنا الأزرق.