في تطور علمي لافت، أعلن فريق من الباحثين في مركز الفضاء الألماني (DLR) عن نجاحه في فك لغز سحابة عملاقة تمتد لمسافة تزيد على 1800 كيلومتر وتظهر بانتظام كل عام فوق كوكب المريخ، في مشهد ظل يحير العلماء لعقود.
ويُعرف المريخ بأنه كوكب الظواهر المناخية المتطرفة، من براكين شاهقة إلى عواصف ترابية تغطي الكوكب بأكمله. لكن السحابة التي تتشكل فوق بركان أرسيا مونس، وهو أحد أكبر البراكين الخاملة في النظام الشمسي، أثارت اهتماماً خاصاً بسبب حجمها وظهورها الدوري عند الفجر ثم اختفائها سريعاً، وفقا لموقع dailygalaxy.
لغز حيّر العلماء
منذ رصد السحابة للمرة الأولى، اعتقد الباحثون أنها مجرد ظاهرة محلية عابرة أو خدعة بصرية ناجمة عن التضاريس. ورغم محاولات متكررة لمحاكاتها باستخدام النماذج الجوية الرقمية، ظلت هذه النماذج عاجزة عن تفسير سبب تكرارها أو شكلها الثابت.
لكن دراسة جديدة عُرضت خلال مؤتمر علوم الكواكب الأوروبي (EPSC 2024) في برلين، ونُشرت في مجلة أبحاث الجيوفيزياء: الكواكب، قدّمت التفسير العلمي المنتظر. وأوضحت النتائج أن الهواء المحمّل بمستويات غير متوقعة من الرطوبة يُدفع صعوداً على المنحدرات الشاهقة للبركان، ما يؤدي إلى تكاثف سريع للجزيئات وتحولها إلى بلورات جليدية، مكوّنة سحابة رقيقة شريطية تمتد غرباً. وتتكرر هذه العملية يومياً بفعل دوران الكوكب وتأثير تضاريسه في أنماط الرياح.
أطلس السحب المريخية
الاكتشاف الجديد لم يكن ليتحقق لولا البيانات التي جمعتها المركبة المدارية مارس إكسبريس التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، والتي أُطلقت عام 2003. فقد وثّقت الكاميرا عالية الدقة للمركبة، وعلى مدى أكثر من عقدين، أنماط السحب والعواصف الترابية والظواهر الجوية في الغلاف الجوي العلوي للمريخ.
وقد أُنشئ من هذه البيانات ما يُعرف بـ أطلس السحب HRSC، وهو قاعدة معلومات ضخمة تسمح للباحثين بدراسة الظواهر المناخية للكوكب الأحمر. ويكشف الأطلس عن تنوع مذهل في السحب المريخية؛ بعضها يشبه السحب الركامية أو السمحاقية المعروفة على الأرض، فيما يظهر بعضها الآخر في تشكيلات فريدة مثل "شوارع السحب" التي تصطف بخطوط متوازية أو "سحب الموجات الثقالية" التي تتموج بفعل اضطراب الهواء فوق الجبال.
نحو فهم أعمق للمناخ المريخي
يرى العلماء أن أهمية هذا الاكتشاف لا تقتصر على تفسير ظاهرة بصرية مدهشة، بل تمتد لفهم ديناميكيات الغلاف الجوي للكوكب. فحتى البراكين الخامدة مثل أرسيا مونس ما زالت تؤثر بشكل مباشر في الطقس المريخي، إذ تساهم تضاريسها في تشكيل السحب وتوجيه حركة الرياح.
ويأمل فريق البحث أن يسهم التوسع المستقبلي في أطلس السحب في ربط البيانات المدارية بملاحظات المركبات الجوالة مثل بيرسيفيرنس التابعة لوكالة "ناسا"، التي التقطت صوراً لسحب لامعة نادرة العام الماضي.
وبحسب العلماء، فإن دراسة هذه السحب لا تكشف فقط عن طبيعة المريخ، بل تساهم أيضاً في تحسين النماذج المناخية التي تساعد على الاستعداد لرحلات استكشاف بشرية محتملة للكوكب الأحمر.
