جاءت مبادرة «زاد راشد»، التي أعلنت عنها هيئة تنمية المجتمع في دبي، بالتعاون مع هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، مؤخراً، لتعطي مثالاً على روح الابتكار في العمل الاجتماعي والثقافي في الإمارة والدور الإبداعي النوعي الذي تقوم به هاتان الهيئتان، في إطار اضطلاعهما بمسؤولياتهما، وفي مجال تجسيدهما لأهداف مبادرة «عام المجتمع» 2025.
وتهدف «زاد راشد»، إلى توزيع 1000 مكتبة منزلية متكاملة، تتضمن مختارات من الكتب الموجّهة للعائلة والطفل، دعماً لثقافة القراءة لدى الناشئة واليافعين في دبي، وإثراء مخزونهم المعرفي واللغوي، وترسيخ الهوية الوطنية في نفوسهم، وتحتوي كل مكتبة على 25 كتاباً مختاراً بعناية، 80 % منها من تأليف كُتّاب إماراتيين، و20 % لكتّاب عرب مقيمين، وذلك في دعم واضح للكاتب والناشر في الإمارات.
وفي هذا الإطار الذي وضعته الهيئتان للمبادرة، تتجسد كذلك التوجهات الاستراتيجية لحكومة دبي في بناء مجتمع متماسك ومثقف ومستدام، وفيها أهداف أخرى مباشرة، منها: تنمية التفكير النقدي، وتعزيز اللغة العربية، وتقديم بديل معرفي جاذب للأطفال يعيد توطيد ارتباطهم بالمكتبات العامة والمصادر الأصلية للمعرفة ويحميهم من الوقوع في أسر «الشاشات» والوسائط الإلكترونية ومحتواها العشوائي.
وهي في نفس الوقت، موجهة نحو إبراز دور الكتّاب الإماراتيين في الارتقاء بالوعي المجتمعي ودعم الناشر المحلي.
ومما يعزز ويؤكد قيمة وتميز المبادرة، أنها حملت اسم مؤسس نهضة دبي، المغفور له، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، ويأتي ذلك وفاء له ولجهوده التأسيسية في دعم المعرفة والتعليم والثقافة.
«البيان» استطلعت آراء مثقفين، حول قيمة وأبعاد المبادرة، حيث أكدوا أهميتها الاستراتيجية في تعزيز القراءة المستدامة، ونشر حب القراءة. قال الكاتب والناشر جمال الشحي: «لقد أعادت هيئة تنمية المجتمع في دبي وهيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، عبر هذه المبادرة، توطيد علاقة المجتمع المحلي بالمكتبات العامة، وسيكون لهذا الجهد النوعي، أثره الإيجابي، الذي سيظهر على الأجيال الشابة مستقبلاً، وسيكون له مردوده الكبير على المجتمع».
وأضاف: «ربما علينا أن نتذكر أن تحدي القراءة العربي، مثّل لحظة تحول كبيرة في إعادة الاعتبار للقراءة والكتابة وقيمنا المعرفية والثقافية واللغوية، على مستوى الوطن العربي، إذ مثّل خطوة جبارة من الخطوات التي تنهض بالإنسان العربي، ليكون جديراً باستئناف حضارته العربية الإسلامية. وتأتي «زاد راشد»، لترفد التحدي وتعززه، إذ إنها تتوجه بعنايتها لليافعين والناشئة، كما لعائلاتهم.
وتابع الشحي: «باعتقادي أنه سيكون لهذه المبادرة دور هام بالتأسيس لعملية إعادة التوازن في التعامل مع مصادر المعرفة، فالتطورات التقنية وجهت اهتمام الناشئة واليافعين نحو الشاشات والوسائط الإلكترونية، وها هي مبادرة «زاد راشد» تعيد الاعتبار لمصادر المعرفة الأصلية التي لا غنى عنها».
وتابع: «إن اسم المبادرة مهم ولافت جداً، حيث يحتفي بمنزلة وجهود وأدوار المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وفي هذا وفاء له، ولجهوده التأسيسية في دعم المعرفة والتعليم والثقافة.
ومن جهة ثانية، تستفيد المبادرة من رصيد المحبة التي يخص بها الإماراتيون مؤسس نهضة دبي، أما من جهة ثالثة، فمن الهام أن هذه المبادرة توجه اهتمامها نحو المنتج الثقافي الإماراتي، وتشمل في عنايتها المبدع الإماراتي، والمقيم على أرض الدولة، وكذلك الناشر المحلي، وهذا أمر هام للغاية».
آلاف القراء المحتملين
وأوضحت الكاتبة فاطمة المزروعي أن انخراط هيئة تنمية المجتمع في دبي في هذا المجال المتعلق بالثقافة وصناعة الكتاب، يشير إلى العمق في النظر إلى مسؤولياتها في المجال الاجتماعي، فالثقافة هي شأن مجتمعي، وهي بالتالي، من صلب مسؤولياتها، ومن الجيد أن الهيئة تأخذ هذا بعين الاعتبار.
وقالت: «تعودنا على جهود هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، ومبادراتها المتلاحقة في المجال الثقافي، ولكن لفت انتباهي في مبادرة «زاد راشد»، هذا الدور الذي تقوم به هيئة تنمية المجتمع في دبي، وهو دور يخرج عن الإطار التقليدي الذي يحكم عمل المؤسسات المماثلة في الكثير من البلدان، ويقدم نموذجاً يحتذى في القيام بالمسؤوليات الاجتماعية».
وأضافت: «إن 1000 مكتبة عائلية ستضم مؤلفات لكتاب إماراتيين ومقيمين على أرض الدولة، ولناشرين محليين، أمر يمثل دفعة كبيرة للقطاع الثقافي في الدولة، وبحسبة بسيطة، فإن 1000 مكتبة، تعني 1000 بيت وعائلة، وإذا ضاعفنا هذا الرقم مضروباً بمتوسط عدد أفراد العائلة الإماراتية، ومتوسط عدد زوارها، فإن هذا سيعني عشرات الآلاف من القراء المحتملين».
المكتبات العائلية
الكاتبة مريم المر بن حريز، أكدت أنها مبادرة تضاف إلى سلسلة المبادرات الهامة التي أطلقها خلال السنوات الماضية، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله».
ورأت أن تعدد أهداف المبادرة وتوجهاتها التي تسير باتجاهين هما: المنتجون (المبدعون والناشرون) من جهة، ومستهلكو المعرفة (القراء)، من شأنه أن يخلق تفاعلاً إيجابياً بين الطرفين، ويعزز الحراك الثقافي والمعرفي، كما أنه يدعم صناعة الكتاب والنشر في الدولة.
وقالت: «نعرف أن العائلة هي الوحدة الأساسية للمجتمع، والطفل الذي ينشأ في بيت فيه مكتبة، لا بد سينشأ على القراءة وحب المعرفة، ولهذا من ميزات مبادرة «زاد راشد»، أنها تتوجه إلى العائلات والبيوت، وتوجه الاهتمام إلى أهمية إعادة الاعتبار لـ «مكتبة العائلة»، باعتبارها مكوناً أساسياً من مكونات البيت الإماراتي على الأقل. هكذا كانت البيوت التي نشأ فيها كثيرون منا، فقد كانت تحتوي على مكتبات تضم أمهات الكتب، وعليها نشأنا».