لم تعد السيرة الذاتية تقتصر على ملف تعريفي تقليدي، أو وثيقة مطبوعة، بل أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، مرآة تعكس اهتمامات الأفراد وشخصياتهم ومهاراتهم، وتحوّلت هذه المنصات إلى مساحة افتراضية، تمكّن الآخرين من التعرّف إلى أصحابها، من خلال ما يشاركونه من محتوى، وأصبحت وسيلة غير رسمية، ولكن فعالة، لبناء حضور مهني واجتماعي يفتح آفاقاً جديدة.
وفي هذا السياق، أجرت «البيان» استطلاعاً مع عدد من صُنّاع المحتوى والكتّاب الشباب حول مدى انعكاس حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل على هوياتهم الحقيقية، وما إذا كانت هذه المنصات قد أسهمت في خلق فرص مهنية واجتماعية لهم.
وسيلة للجميع
الكاتب راشد سلطان، والمتخصص في صناعة القهوة، يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت انعكاساً مقارباً لواقعنا، حيث يقول: أصبحت اليوم وسيلة يستخدمها الجميع للنجاح، والترويج، ونشر الوعي والثقافة، ومشاركة اللحظات الخاصة. ومن خلال الحسابات الشخصية، يمكن التعرف إلى صاحبها، فهي بمثابة سيرة ذاتية غير رسمية، لأن هذه الوسائل باتت جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، في ظل التطور السريع الذي نشهده.
ويشير راشد إلى أن المحتوى المنشور لا يعكس دوماً الواقع الكامل، مضيفاً: نعم، في بعض الأحيان يُظهر المهارات والطموح، لكنه في أحيان أخرى لا يمثل سوى جانب محدد من الشخصية. فهناك الكثير مما لا تبوح به الشاشة، وهو ما أُطلق عليه اسم «خلف الكواليس». أما أنا، فأسعى لأن أشارك ما يمثلني فعلاً.
ويتابع: «من خلال حساباتي على إنستغرام وتيك توك، حصلت على العديد من الفرص المهنية والاجتماعية، وتمكنت من بناء شبكة علاقات واسعة، أصبحت مصدراً للدعم والمشاركة. ومن وجهة نظري، لكل شخص حرية اختيار ما يعكسه ويقدمه للآخرين».
صورة واقعية
أما صانعة المحتوى مريم المجد، فترى أن «إنستغرام» تحوّل إلى سيرة ذاتية رقمية بامتياز، وتقول: «لم يعد الناس ينتظرون قراءة ملف تعريفي رسمي، بل يكوّنون انطباعهم خلال ثوانٍ من تصفح الحساب. طريقة الكتابة، وطبيعة المنشورات، ونوعية المحتوى، كلها تشكّل صورة مبدئية عن الشخص».
وتضيف: «مع ذلك، فإن كثيراً من الحسابات تعرض نسخة محسّنة من أصحابها، أي الصورة التي يرغبون أن يراها الناس، لا الصورة الواقعية. وهنا يكمن التحدي، فوسائل التواصل أصبحت مساحة للعرض، أكثر من كونها مساحة للتعبير، ويجب علينا أن نعي هذا الفرق، حتى لا تصبح هويتنا الرقمية قناعاً نرتديه، وننسى من نكون خلفه».
وعن تجربتها، تقول: «ما أنشره يعكس جانباً حقيقياً من شخصيتي، لكنه لا يختصرني بالكامل. أُظهر الشغف والطموح والمشاريع التي أفتخر بها، ولكن هناك الكثير من الجهد والتحديات لا يراها المتابع. فالمحتوى مثل العرض المسرحي، يظهر للناس في صورته النهائية، دون أن يروا البروفات خلف الكواليس».
وتؤكد أن المحتوى الرقمي كان سبباً في انطلاقتها المهنية، وتردف: «من خلال المحتوى الذي أقدّمه، وصلتني دعوات من جهات إعلامية وحكومية، وشاركت في مؤتمرات كبرى، وأقمت تعاونات مهنية مميزة. لقد بنيت مساحة تعكس قدراتي، ولما كانت الفرص تبحث عن أشخاص مؤثرين، وجدتني عبر ما أنشر، قبل أن تراني شخصياً. المحتوى الحقيقي كان الجسر الذي عبرت من خلاله إلى عالم الفرص».
مساحة واسعة
وفي السياق ذاته، تؤمن الكاتبة ساجدة حسين المعلّمي، المتخصصة في كتابة محتوى وسائل التواصل، بأن الإعلام الرقمي قد غيّر الكثير في مفهوم التعبير والفرص، وتقول: «وسائل التواصل الاجتماعي باتت تحتل مساحة واسعة من حياتنا اليومية، وهي برأيي سلاح ذو حدّين، تحدد نتائجه طريقة استخدامنا له. حين توظَّف بشكل إيجابي، فإنها تتحوّل إلى منصات لعرض الإبداع والمهارات، وهو ما نشهده اليوم لدى العديد من الشباب».
وترى ساجدة أن صفحات «إنستغرام» تحوّلت إلى سير ذاتية رقمية، تعكس الهوية والمواهب، وتضيف: «ما ننشره يعكس مهاراتنا واهتماماتنا، ولكنه لا يُلزمنا بإظهار الجوانب الشخصية التي نود الاحتفاظ بها لأنفسنا. كل شخص يختار ما يود مشاركته، ومن الخطأ أن يُحكم عليه بناء على ذلك فقط».
وتختتم: «بالنسبة لي، ساعدني حسابي على التعريف بنفسي، وبناء اسم في مجال الإعلام الرقمي، والوصول إلى جمهور أوسع، والحصول على فرص مهنية حقيقية. لقد منحني ثقة الآخرين بشكل أسرع، وكان وسيلة لتعزيز حضوري المهني».



