جميل راتب يبلغ نهاية «زمنه الجميل»

الموت يغيّب «عبقري السينما العربية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد رحلة علاج طويلة، أفقدته صوته تماماً، ها هو الممثل المصري جميل راتب، يضع النقطة الأخيرة في حياته، بعد أن أمضى جُلها في أروقة السينما العربية والفرنسية، تلك التي فقدت، أمس، برحيله، عن عمر 92 عاماً، واحداً من أبرز أعمدتها، بعد أن ظل لسنوات صامداً في وجه المرض، الذي اضطر لأجل الخلاص منه إلى التأرجح بين مستشفيات فرنسا ومصر. رحل راتب عن الدنيا، مخلفاً أكثر من 150 عملاً، أثرى بها السينما العربية والفرنسية، معظمها باتت تمثل «أيقونات» سينمائية ساحرة.

أرشيف

خبر رحيل «عبقري السينما العربية»، هز أركان مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى «دفتر عزاء»، بعد أن توشحت باللون الأسود، حزناً على فقدان راتب، الذي رحل في مستشفى «الأنجلو أميركان» بالقاهرة، حيث كان يرقد أخيراً، لاستكمال رحلة علاجه، التي انتهت بفقدانه صوته تماماً.

الكثير من رواد التواصل الاجتماعي زيّنوا تغريداتهم بصوره، في وقت اعتبر فيه البعض أن رحيل جميل راتب، بمثابة «انتهاء زمن الفن الجميل»، في حين فضّل البعض الآخر نفض الغبار عن أرشيفه السينمائي، عبر تداول بعض من أشهر لقطاته ومشاهده في أفلامه العربية، حيث امتاز راتب بإتقانه شخصيتي رجل الأعمال الثري وتاجر المخدرات، اللتين قدمهما كثيراً في الأفلام المصرية.

فهو درويش في «وحوش الميناء» (1983)، وسليم البهظ في «الكيف» (1986)، ورجل أعمال فاسد في «حب في الزنزانة»، وأيضاً في «على مَنْ نطلق الرصاص»، وفي فيلم «فتاة تبحث عن الحب» (1977)، حيث يجسّد فيه دور المعلم «سعدون»، الذي يحاول رشوة مراقب المنجم «مجدي»، حتى لا يكشف التزوير والاختلاس من حسابات المنجم الذي يقوم عليه، إلا أن المراقب يرفض ذلك، وهو رئيس المخابرات المصرية «الكفراوي» في فيلم «العرافة» (1981).

نجومية

جميل راتب، الذي كرّمته دبي في 2011 بجائزة إنجازات الفنانين، التي يمنحها مهرجان دبي السينمائي سنوياً، ظل على الدوام، أحد أبرز عمالقة السينما العربية، وأحد عباقرتها، فقد امتاز بطبيعة ملامحه، وتفاصيل وجهه التي كانت «جواز سفره» نحو النجومية، وبطولة عديد من الأفلام الفرنسية والعربية، فضلاً عن إتقانه الشديد أدوار الشر، التي ارتبط بها في معظم أعماله بالسينما المصرية.

فما تمتع به راتب من حنكة وعبقرية، لم يكن كافياً أن يمنحه المساحة التي يحتاج إليها في أي عمل، رغم أنه لم يكن يوماً يهتم بالمساحة الممنوحة له، بقدر اهتمامه بالشخصية نفسها، وبتفاصيلها وملامحها، الأمر الذي أوقع عليه ظلم الكثير من المخرجين الذين عمل معهم.

راتب الذي ولد في أغسطس 1926، ظهر لأول مرة سينمائياً في 1946، عبر مشاهد فيلم «أنا الشرق»، ولعبت دور البطولة فيه الممثلة الفرنسية كلود جودار، وكان معها الفنان جورج أبيض وحسين رياض وتوفيق الدقن، ليكون ذلك الفيلم الخطوة الأولى لراتب في عالم النجومية، حيث انطلق من بعده نحو العالم، بعد أن تفجّر فناً جميلاً، سيطر عليه الأداء المحكم، لتستفيد السينما العربية والفرنسية، على حد سواء، من ملامح وجهه، وقدرته على تقمُّص الشخصيات وارتداء الأقنعة الخاصة بها، وقد ساعده في ذلك، إتقانه عدداً من اللغات، من بينها الفرنسية، التي رضعها من والدته فرنسية الأصل.

لورانس العرب

وخلال مسيرته، رافق جميل راتب، زميله الراحل عمر الشريف، في رحلة «لورانس العرب»، تحت قيادة المخرج ديفيد لين، فكان فيه راتب عيناً ثالثة للين، وأميناً على مشاهد سينمائية كثيرة، صُورت في إحدى زوايا الصحراء العربية بالأردن. وفي الوقت الذي توجه فيه الشريف نحو الأرض الأميركية، تلألأ نجم راتب على مسارح باريس، ومن بعدها في مواقع تصوير السينما الفرنسية ثم المصرية.

وقد عُرف عنه عدم عشقه لما تقدمه هوليوود، بقدر تشبثه بما تقدمه السينما الفرنسية من ثقافة باريسية مختلفة المشارب، ولعل ذلك شكّل سبباً في تألقه في العديد من الأفلام الفرنسية، حيث قدم فيها أعمالاً تقترب في عددها من 15 عملاً.

«ونيس»: وداعاً أبي

الفنان محمد صبحي، الذي عمل على مدار سنوات طويلة مع الفنان الراحل جميل راتب، وحققا نجاحات عدة، قال عنه عبر صفحته في «فيسبوك»: «وداعاً جميل راتب.. أبي الحبيب وصديقي الحميم وفناني المفضل.. النبيل الخلوق الراقي.. لقد عرفتك إنساناً وفناناً، وأعلم كم كنت تحبني بصدق، وتحترم عملي.. إنك فنان عظيم، لم تأخذ حقك، ربما بذهابك يتذكرون تكريمك الحقيقي.. وداعاً، ومعك أطيب سيرة وأعظم تاريخ وأعظم إنجاز إنساني.. فقدت الْيَوْمَ الكثير: ابنك محمد صبحي أو ونيس».

إقرأ أيضاً:

جميل راتب.. عبقري السينما العربية يفقد صوته

جميل راتب يطمئن جمهوره على صحته

جميل راتب.. عبقرية ظلمتها السينما

Email