جميل راتب.. عبقرية ظلمتها السينما

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الكرسي المتحرك وآلام المرض، لم يمنعان الممثل المصري جميل راتب من التواجد في أروقة أيام قرطاج السينمائية، التي يحل عليها ضيفاً لتكريمه تقديراً لمسيرته الفنية والسينمائية الطويلة، تلك المسيرة التي لم يرفع خلالها راتب «رايته البيضاء» أمام المرض، فكان له نداً عنيداً، يشبه إلى حد كبير طبيعة شخصياته الشريرة التي طالما أطل بها على الشاشة الكبيرة، كاشفاً من خلالها عن عبقرية خالصة في الأداء، وتقمص الشخصيات المؤثرة في أي عمل سينمائي، ليبدو راتب الذي يتخذ من فرنسا موطناً له، قد ظلم سينمائياً، حيث لم يكن، وبرغم براعته، اسماً لامعاً على بوسترات الأفلام العربية والفرنسية التي قدمها خلال مسيرته.

إن تمعنت في ملامح وجه جميل راتب، يمكنك أن تقرأ الكثير من تفاصيل السينما المصرية، وبعضاً من ملامح السينما الفرنسية التي ارتوى من ماء بئرها العميق، فتفجر هو فناً جميلاً، سيطر عليه الأداء المحكم. راتب الذي يضع قدميه على عتبه التسعين، لم يطفئ المرض شعلة نشاطه بعد، فقد كان أحد أولئك المتمرسين وراء الكاميرا هذا العام، لإنجاز مشاهد مسلسل «الكيف» الذي اقتبس أصلاً عن فيلم «الكيف» للمخرج علي عبد الخالق، ووقف فيه أمام يحيى الفخراني ومحمود عبد العزيز.

ثقافة باريسية

ورغم ما تمتع به من عبقرية في التمثيل، إلا أن راتب لم يطرق يوماً استوديوهات هوليوود كزميله الممثل عمر الشريف، الذي رافقه في رحلة «لورانس العرب» تحت قيادة المخرج أنطوني كوين، فكان فيه راتب عيناً ثالثة لكوين وأميناً على مشاهد سينمائية كثيرة صورت في إحدى زوايا الصحراء العربية بالأردن. وفي الوقت الذي توجه فيه الشريف نحو الأرض الأميركية، تلألأ نجم راتب على مسارح باريس، ومن بعدها في مواقع تصوير السينما الفرنسية ثم المصرية، والسبب أن راتب لم يعشق يوماً ما تقدمه هوليوود بقدر ما كان متشبثاً بالثقافة الباريسية على اختلاف توجهاتها، وذلك قد يكون سبباً لتألق راتب في الكثير من الأفلام الفرنسية التي لم تمنعه من التواجد في ممرات مواقع تصوير أفلام السينما العربية وتحديداً المصرية والتونسية، تلك التي منحها الكثير من الحب والعطاء.

طبيعة ملامح راتب وتفاصيل وجهه، بلا شك أنها كانت بمثابة جواز سفر، نحو عديد الأفلام الفرنسية والعربية، فضلاً عن إتقانه الشديد لأدوار الشر، التي ارتبط بها في معظم أعماله بالسينما المصرية. ما تمتع به راتب من حنكة وعبقرية لم يكن كافياً لأن يمنحه المساحة الكافية التي يحتاجها في أي عمل، رغم أنه لم يكن يوماً يهتم بالمساحة الممنوحة له، بقدر اهتمامه بالشخصية نفسها، وبتفاصيلها وملامحها، الأمر الذي أوقع عليه ظلم الكثير من المخرجين الذين عمل معهم.

ملامح

ارتباط جميل راتب بأدوار الشر، لم يكن فقط في إطار السينما المصرية، وإنما انسحب ذلك على الأفلام الفرنسية أيضاً، وذلك يعود لإتقان راتب إيقاع الانفعالات النفسية الداخلية والخارجية التي تحتاجها أي شخصية سينمائية، لدرجة أنه يشعر المشاهد بأن تلك هي شخصيته الحقيقية، في حين أن ملامحه لعبت دوراً مهماً في خوضه لغمار الشخصيات الشريرة، التي فتح بابها طبيعة شخصيته في مسلسل «أحلام الفتى الطائر»، حيث وجد مخرجو السينما المصرية في راتب شخصية تتناسب مع قوالب الشر، وقد ساعده في ذلك طبيعة ملامحه الجادة، علماً بأن أداء الشخصيات الشريرة عادة ما يتطلب مجهوداً أعلى من الممثل، لأنها تحتاج إلى جملة من الانفعالات المقنعة للمشاهد، بأن من يشاهده هو بالفعل شخص شرير.

ولعل شخصيتي رجل الأعمال الثري وتاجر المخدرات من أكثر الشخصيات التي قدمها راتب في الأفلام المصرية، فهو درويش في «وحوش الميناء» (1983) من إخراج نيازي مصطفى، و«سليم البهظ» في فيلم «الكيف» (1986) للمخرج علي عبد الخالق، الذي لعبت فيه قساوة ملامحه دوراً مهماً بالفيلم، الذي قدم فيه مشاهد صعبة للغاية. وكرر ذات الشخصية في فيلم «امرأة في دمي» (1978) مع المخرج أحمد فؤاد، وأيضاً في فيلم «حالة تلبس» (1988) مع هنري بركات، بينما نجده رجل أعمال فاسد في «حب في الزنزانة» مع عادل إمام وسعاد حسني. وأيضاً فيلم «على من نطلق الرصاص» للمخرج كمال الشيخ، الذي يلعب فيه دور رئيس مجلس إدارة فاسد لإحدى الشركات المسؤولة عن الإسكان الشعبي، والأمر كذلك كان في فيلم «فتاة تبحث عن الحب» (1977) للمخرج نادر جلال، حيث يجسد فيه دور المعلم «سعدون» الذي يحاول رشوة مراقب المنجم «مجدي» حتى لا يكشف التزوير والاختلاس من حسابات المنجم الذي يقوم عليه إلا أن المراقب يرفض ذلك.

ضابط عسكري

وبقدر اتقانه لشخصية تاجر المخدرات، فقد نجح في تجسيد شخصية الضابط العسكري، فمرة رأيناه في ثوب شخصية «ادمون» ضابط المخابرات الإسرائيلي المقيم في باريس، والذي تولى عملية تجنيد «عبلة» (مديحة كامل) خلال حرب الاستنزاف لتتجسس على مصر بفيلم «الصعود إلى الهاوية» (1978) للمخرج كمال الشيخ، ومرة رأيناه بشخصية رئيس المخابرات المصرية «الكفراوي» في فيلم «العرافة» (1981) للمخرج عاطف سالم، حيث يقوم «الكفراوي» باعتقال الطالبة الجامعية سامية أبو السعد، لأنشطتها السياسة، وهو الذي يقيم علاقة مع أم سامية ليطلق سراح ابنتها.

ورغم تكراره للشخصيات الشريرة، إلا أن أداء راتب كان في كل مرة مختلف، وذلك بالاعتماد على طبيعة ورصانة المخرج الذي يعمل معه، فمثلاً أداؤه في «الصعود إلى الهاوية» كان هادئاً ومؤثراً وقادراً على استفزاز المشاهد، الأمر الذي جعل من راتب واحداً من مناطق قوة الفيلم، الذي تمكن هنري بركات من ضبط إيقاعه وأداء راتب فيه.

فضاء المسرح

ولأن طبيعة ملامح الفنان لا تكفي لإتقان الدور، فإن تقمص راتب للشخصيات الشريرة، بين مدى قدرته على تلبس الشخصية بكل تفاصيلها، وذلك ناجم عن قدرته في التغلغل بالدور وإخضاعه لأي شخصية يقدمها إلى الدراسة والتمحيص، بحيث يكون ملماً في تفاصيلها وقادراً على أدائها، ويمكن القول إن نجاح راتب في تجسيد شخصياته المختلفة نابع أصلاً من كونه قادم من المسرح الفرنسي الذي لمع في فضائه، حيث سبقت تجربته المسرحية تواجده في السينما، ولا غرابة في ذلك، ان علمنا بأن تجربته المسرحية في فرنسا امتدت من 1955 وحتى 1974، التحق خلالها بفرق مسرحية عدة، من بينها الفرقة الفرنسية للكوميديا التي كان يرأسها الكوميدي فرانسيز، وقدم على خشبة أبو الفنون أعمالاً لشكسبير وموليير وجان جيرودو والبير كامو، والملك لير، ورافق خلال مسيرته ممثلين فرنسيين مهمين مثل لوران تيرزييف وسوزان فلون.

لورانس العرب

أهمية راتب السينمائية لم تكن قاصرة على ما قدمه في مجموعة الأفلام المصرية، فقد سبق له أن أغنى جعبته بأدوار جادة، قدمها في أفلام فرنسية كثيرة تجاوزت في عددها الـ 15 فيلماً، أكسبته الكثير من الخبرة والتجربة الثرية، عبر احتكاكه بنجوم من الوزن الثقيل مثل أنطوني كوين، والممثلة غابي مورليه. وأول فيلم شارك فيه جميل راتب كان «ترابيز» (1965) لكارول ريد، وانضمّ إلى فريق «لورانس العرب» (1962) لدايفيد لين بجانب الراحل عمر الشريف وبيتر أوتول وأنطوني كوين الذي ربطته براتب علاقة وطيدة. رشحه كوين لاحقاً للعمل في فيلم «زيارة السيدة العجوز» كمساعد مخرج، وكان قبلها قد عمل مخرجاً لأفلام لقناة تلفزيونية فرنسية مختصة بأفلام موجهة للمغرب العربي.

من أشهر أعمال راتب في السينما الفرنسيّة «نجم الشمال» (1982) حيث أدّى شخصيّة «نمرود» المليونير المصري، إلى جانب سيمون سينوريه. كما شارك في فيلم «ذعر في بانكوك» (1964)، أحد أفلام سلسلة «جيمس بوند فرنسا».

3

أفلام تونسية إنتاج فرنسي مصري مشترك لعب جميل راتب بطولتها

67

فيلماً مصرياً شهدت مشاركته فيها من بينها «الكداب»

19

عاماً قضاها على خشبة المسرح الفرنسي قبل أن ينتقل إلى السينما

15

فيلماً فرنسيا شارك راتب في بطولتها

1974

العام الذي عاد فيه إلى مصر ليبدأ العمل على مسارحها ومواقع أفلامها

1946

بدايته الحقيقية في السينما بفيلم أنا الشرق مع الفرنسية كلود غودار

Email