جين سون هوانج .. من لاجئ إلى «إمبراطور التكنولوجيا»

وُلد جين سون هوانج رئيس شركة «إنفيديا» التي تنتج معالجات الرسوميات للحواسيب ومديرها التنفيذي، و«عراب الذكاء الاصطناعي» كما يُعرف في «وول ستريت»- في تايبيه بتايوان يوم 17 من فبراير سنة 1963.

في سن التاسعة أرسله والداه الفقيران مع شقيقه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكأنما ألقياهما في المحيط؛ حيث اضطر هوانج إلى العمل في أحد المطاعم أثناء دراسته في مدرسة داخلية مخصصة للاجئين، واستطاع الحصول على شهادة في الهندسة الكهربائية سابقاً زملاءه بسنتين، ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة ستانفورد، مختصراً سنوات الدراسة اعتماداً على ذكائه.

في المطعم نفسه الذي شهد سنوات شقائه وهو صغير جلس هوانج ذات يوم سنة 1993، مع اثنين من رفاقه حول الطاولة، وعلى منديل ورقي رسموا خطتهم للدخول إلى عالم صناعة الرقائق، وقبل أن ينتهي كل منهم من تناول شطيرته المتواضعة كانت الخطة أو بمعنى أدق الحلم قد وضعت ورصدت لها ميزانية ابتدائية متواضعة أيضاً، وشهدت تلك اللحظة ميلاد شركة «إنفيديا»، ووزعت المسؤوليات: هوانج هو الرئيس التنفيذي ورئيس الشركة، وكريس مالاتشوسكي هو المسؤول عن الهندسة والعمليات، وكورتيس برييم هو المسؤول التكنولوجي.

وإلى الآن لا يزال الأول يعمل في الشركة، في حين تقاعد الثاني سنة 2003، والاثنان صارا من أصحاب المليارات.

بحلول سنة 1999 أدرجت الشركة في البورصة بسعر 4 دولارات للسهم الواحد، ليبدأ هوانج طريقه إلى مجتمع الأثرياء، وفي عام 2008 أدرجته «فوربس» في المرتبة 61 ضمن قائمة «الرؤساء التنفيذيين الأعلى أجراً في الولايات المتحدة»، وفي بداية سنة 2023 بلغت ثروته 13.8 مليار دولار، وأعلن أنه يمتلك 3.5 % من إجمالي أسهم الشركة، وأن ثروته الشخصية ارتفعت إلى 91.3 مليار دولار، محتلاً المركز السابع عشر في قائمة أغنى أثرياء العالم وفقاً لمؤشر«بلومبرغ» للمليارديرات، واليوم قفزت ثروته الشخصية إلى 107 مليارات دولار، ليحتل المركز رقم 13 في قائمة أثرياء العالم.

وبهذا المعدل «الصاروخي» حسب وصف صحيفة «نيويورك بوست»، الذي يمضي به هوانج في تطوير أعماله وربح المليارات، يرجح الجميع أنه سوف ينزل إيلون ماسك قريباً من فوق عرش أثرياء العالم، ليحتل مكانه.

بداية عبقرية

بدأت «إنفيديا» أعمالها بتطوير رقائق الكمبيوتر، وقدمت معالجات شهد لها الجميع بأنها قوية ومتميزة، وفي سنة 2014 أعلن هوانج خطته في عالم الذكاء الاصطناعي برقائق مخصصة للتعلم الآلي، التي وصفت بأنها «ثورة في التكنولوجيا وتطبيقاتها المستقبلية»؛ ما جعلها أكبر الشركات قيمة في العالم، لتبلغ قيمتها السوقية 3.403 تريليون دولار، متفوقة على «آبل» لوقت قصير حيث بلغت قيمة مالكة أيفون حوالي 3.327 تريليون. فقد ارتفعت إيرادات إنفيديا في الربع الأخير من 2024 بنسبة 78 % وارتفعت إيرادات السنة المالية الكاملة بنسبة 114 % إلى أكثر من 130 مليار دولار.

تصنع «إنفيديا» معالجات للذكاء الاصطناعي العامل بالرقائق الدقيقة، وتتاجر بأنظمة الذكاء الاصطناعي وتشغلها على غرار «تشات جي بي تي». ويصرح أحد المستثمرين في البورصة لصحيفة «نيويورك بوست»، وهو لا يكاد يصدق نفسه، بأنه استثمر 8000 دولار في «إنفيديا» قبل سنوات قليلة، وصار اليوم يملك حصة فيها مقدارها مليون و220 ألف دولار.

خلف ستيف جوبز

يقال عن هوانج إنه خلف ستيف جوبز عملاق «أبل» وإنه يشبهه في عدة أوجه: فخلال أكثر من ثلاثة عقود قاد كل منهما شركته بالاستراتيجية نفسها «الإدارة والسيطرة بالعقل وليس بالقوة»، وكما كان جوبز يظهر دائماً مرتدياً السترة السوداء ذات الياقة العالية؛ فإن هوانج يفضل القميص الأسود والسترة الجلدية السوداء .. هوانج يتقن «فن» تحويل منتجاته إلى منتجات ضرورية من خلال خلق حالة من الترقب قبل الكشف عن أي جديد لديه، وبالبراعة نفسها التي اتسم بها أسلوب الراحل جوبز، يضمن هوانج استمرار إخلاص المشترين لمنتجاته، متحدياً اتهامه بالاحتكار؛ حين يعلن أن منتجات إنفيديا لا تعمل إلا ببرمجيات إنفيديا وحدها، وأنه سوف يقدم مستقبلاً نماذج جديدة يخص بها مشتريه «نضمن لكم الحصول على أحدث التكنولوجيات».

لكن المرعب، والمشوق في الوقت نفسه، إعلان هوانج أخيراً عن الموجة التالية من الذكاء الاصطناعي، وهي «الذكاء الاصطناعي الجسدي» الذي وصفه بأنه يفهم قوانين الفيزياء، ويمكنه أن يعمل بيننا «كل شيء سوف يكون بالروبوت، سوف تدير الروبوتات المصانع، وسوف تبني هذه الروبوتات نفسها منتجات روبوتية».