«كانفا».. فكرة مجنونة تحقق 7 مليارات دولار

في سنة 2006 كانت رائدة الأعمال الأسترالية «ميلاني بيركنز» لا تزال مراهقة في الثامنة عشرة من العمر.

كانت هي وزميلها «كليف أوبريشت» يدرسان في الجامعة، ودار بينهما حديث عن برامج التصميم الجرافيكي التي يقدمها عمالقة التكنولوجيا مثل «مايكروسوفت» و«أدوبي»، والتي كانت ميلاني تدرسها للطلبة مقابل أجر بسيط، لكنهم وهي أيضاً وجدوا أن هذه البرامج صعبة جداً، وفكرت في أنه يجب أن يكون هناك طريقة أفضل وأسهل؛ حيث كان على الطالب أن يدرس فصلاً كاملاً ليتعلم فقط أين توجد الأزرار، وكان ذلك مثار سخرية الجميع.

تساءلت ميلاني حينذاك: لماذا لا نأخذ نظام التصميم بأكمله، وندمجه في صفحة واحدة، ثم نجعله متاحاً بالمجان للناس في كل أنحاء العالم؟

تقول «ميلاني» أثناء حديثها مع شبكة «سي إن بي سي»: أدركت أن كل شيء في المستقبل سوف يكون عبر الإنترنت وسوف يكون أبسط بكثير من تلك الأدوات الصعبة التي تقدمها الشركات العملاقة في مجال التصميم الجرافيكي.

لم نضيّع الوقت، وبدأت أنا و«أوبريشت» تحقيق رؤيتنا على أرض الواقع بموارد قليلة وخبرة بسيطة في عالم الأعمال، وأنشأنا شركة تصميم سنوية عبر الإنترنت وسميناها «فيوجن بوكس» لاختبار فكرتنا، فأطلقنا موقعاً على الإنترنت للطلاب يمكنهم من التعاون على تصميم صفحات ملفاتهم الشخصية والمقالات، واستطعنا الحصول على عرض لطباعة الكتب وتوصيلها إلى المدارس في جميع أنحاء أستراليا.

كانت غرفة الجلوس في بيت أمي هي مكتبي، وأصبح زميلي «كليف أوبريشت» هو شريكي في الأعمال، وبدأنا تمكين المدارس من إنشاء كتبها السنوية بسهولة بالغة.

وجدنا الأمر ناجحاً، وبالمناسبة لا يزال قائماً حتى اليوم.

ولكني اعتبرت ذلك مجرد «خطوة أولى في حلمي الكبير والمجنون»؛ وهو إنشاء موقع تصميم متكامل، لذا بدأت «مطاردة» المستثمرين، وفي سنة 2010 حضرت مؤتمراً في بيرث، حيث قابلت «بيل تاي» المستثمر المعروف في وادي السيليكون، وعرضت عليه فكرتي، ودعاني إلى سان فرانسيسكو لتقديم الفكرة.

في أثناء المقابلة ظننت أن فكرتي لم تعجبه، فقد كان مشغولاً طوال الوقت بهاتفه، بينما كنت أتحدث معه بحماسة شديدة عن مستقبل النشر.

تضايقت جداً، وظننت أنه يتجاهلني وأنني على أبواب الفشل، ولكن الرجل في النهاية وعدني بأن يقوم بتوصيل فكرتي إلى شبكة معارفه من المستثمرين، وما كدت أصل إلى البيت حتى اكتشفت أنه كان بالفعل يقدمني، وأنا جالسة معه، إلى معارفه عبر الهاتف، وأنه سهّل لي مهمة اقتحام عالم وادي السيليكون بطريقة لم أكن أحلم بها.

تواصل ميلاني حديثها: «بيل تاي»، الذي يعشق ركوب الأمواج، كان يريد لي أنا و«أوبريشت» أن نكوّن شبكة علاقات قوية في «مايتاي» حيث يمكننا أن نلتقي المستثمرين من عشاق ركوب الأمواج الطائرة في «مخبأهم السري» حسب وصف «تاي» نفسه، ولذلك حمّسنا لتعلم هذه الرياضة بسرعة، حتى إنه بعد ذلك في كل مرة كنت أقابله كان يسألني «إلى أي مدى وصلت مهاراتك في ركوب الأمواج؟»، قبل أن يسأل «كيف تسير أمورك في المشروع؟» وكان يقول لي دائماً «عليك أن تجربي، فعندما لا تمتلكين أي علاقات، فأنتِ لا تمتلكين شيئاً.. ضعي قدمك في الباب وسوف تجدين الطريق أمامك ميسراً»، وبالفعل استطعنا تقديم خدمة جيدة للجمهور، وأقنعنا كثيرين من المستثمرين، وطورنا منصة «كانفا» بالتعاون مع فريق محترف من المهندسين التقنيين.

وفي سنة 2012 حققنا نقلة نوعية بفضل لارس راسموسن، مستشارنا التقني ومؤسس خرائط جوجل، وانضم إلينا شريك تقني من «كاميرون آدمز» ومطور تقني من «ديف هيرندن»، وتجاوز ما حققناه على أرض الواقع كل التوقعات، حيث بلغت استثماراتنا الأولية 1.5 مليون دولار، وفي العام التالي أطلقنا موقعنا على الإنترنت، وتمكن عملاؤنا من كل الدول من إنشاء تصاميمهم عبر الإنترنت «مجاناً»، وها هي «كانفا» تسهم في إنشاء نحو ملياري تصميم في 190 دولة، وتوالى تشجيعنا ودعمنا من شخصيات عالمية مشهورة.

وفي أكتوبر سنة 2019، جمعنا تمويلاً بلغ 85 مليون دولار بقيادة ماري ميكر مستثمرة وادي السيليكون في شركة «بوند كابيتال»، وبلغت قيمة الشركة 3.2 مليارات دولار، وصار فريق عملنا يتكون من 700 شخص، ما مكننا من تطوير خدماتنا، التي امتدت من أستراليا إلى الفلبين والصين، واستطعنا التنافس مباشرة مع الشركات العملاقة في التكنولوجيا مثل «مايكروسوفت» و«أدوبي».

ميلاني بيركينز، مؤسسة «كانفا»، تعد واحدة من أثرياء أستراليا وأهم رائدات الأعمال في القارة، وقدرت ثروتها بنحو 6.5 مليارات دولار، ومع تنامي الشركة يتوقع أن تبلغ في عام 2025 نحو 7 مليارات دولار.