في ظل التوترات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، لاسيما في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، برز اسم تشانغ جيان تشونغ، الذي كان يتولى منصب المدير التنفيذي في شركة «إنفيديا» الأمريكية العملاقة، ووُصف بأنه واحد من «نخبة صناعة أشباه الموصلات»، ونشأ ضمن جيل من القادة التقنيين، الذين صقلوا خبراتهم في الشركات الغربية الكبرى، وتشكل سيرته المهنية نموذجاً لصناعة التكنولوجيا في الصين، فهو صاحب شركة «مور ثريدز تكنولوجي»، التي أسسها سنة 2020، واضطرت بعد ثلاث سنوات فقط إلى تقليص عدد موظفيها، بعد أن أدرجتها الحكومة الأمريكية ضمن «القائمة التجارية السوداء»؛ ما ترتب عليه حرمانها من التقنيات الأجنبية الأساسية.
عملاق التكنولوجيا
تشانغ دخل في تحدٍ مع أمريكا والعملاق التكنولوجي «إنفيديا»، ونشر بياناً في حينها جاء فيه «لن يؤثر أي شيء في عزمنا على تطوير أفضل الرقائق متعددة الاستخدامات في الصين.. سوف نواصل هذه المهمة حتى النهاية»، وبالفعل صدق تشانغ في تحديه، واستطاعت شركته هذا العام جمع 8 مليارات يوان، أي ما يعادل 1.1 مليار دولار في ثاني أكبر طرح عام أولي في الصين القارية هذا العام، ليقفز سهم «مور ثريدز» بنسبة 425 % في أول أيام تداوله ببورصة شنغهاي، وتضاعفت قيمة الشركة السوقية إلى نحو 40 مليار دولار، وانضم تشانغ إلى قائمة مليارديرات قطاع الذكاء الاصطناعي في البلاد؛ حيث صار يملك – حسب مؤشر «بلومبرغ» للمليارديرات - حصة في الشركة تبلغ 4.3 مليارات دولار. ولم يتوقف الأمر عليه وحده فقد أفرز هذا الطرح مليارديرات آخرين من بين المؤسسين المشاركين له في «مور ثريدز»، مثل نائبه تشانغ يوبو، الذي بلغت حصته 1.7 مليار دولار، إلى جانب كل من تشو يوان، مدير الشركة ووانغ دونغ النائب الثاني لرئيسها، وتبلغ حصة كل منهما 1.4 مليار دولار، كما رفعت هذه الخطوة مستوى التفاؤل بقدرة الصين على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا والاستغناء عن «خدمات» الولايات المتحدة الأمريكية، متمثلة في «إنفيديا» التي تركت فراغاً كبيراً في السوق الصينية، بعدما تعرضت له من قيود على التصدير؛ تلك القيود التي ألقت على المشهد بظلال سياسية وليست تجارية فحسب، وما زاد من هذا التفاؤل قفز مؤشر «ستار 50»، الذي يمثل الشركات التقنية المحلية في الصين، بنسبة 34 % خلال العام الجاري.
إفراط في التفاؤل
وتعليقاً على هذه الأحداث، والصعود اللافت في أسهم الشركات المحلية، قال شين منغ، مدير بنك «شانسون آند كو» الاستثماري في بكين: «في سياق الحرب التكنولوجية بيننا وبين الولايات المتحدة الأمريكية برزت تلك الروح الوطنية، لكن في الوقت نفسه انفصلت تقييمات سوق الأسهم المحلية عن الواقع، وباتت مدفوعة بالسياسة أكثر منها دفعاً بالمنطق وبقواعد التجارة؛ فهذه الشركات التي تنتمي إلى «الجيل الجديد» تمثل رموزاً سياسية قوية، لكن إسهاماتها في التطور التكنولوجي تبقى محدودة».
في الاتجاه نفسه أبدى بعض المحللين تخوفهم من المبالغة في التفاؤل، مستندين إلى حقيقة تقول، إنه في حين ترتفع إيرادات «مور ثريدز» بسرعة كبيرة (785 مليون يوان في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بزيادة 181 % على أساس سنوي) فإن الشركة تحرق السيولة بوتيرة مقلقة، فمنذ عام 2022 حتى أواخر هذا العام تراكمت خسائرها إلى نحو 6 مليارات يوان، وعلى الرغم من أن «مور ثريدز» تصمم رقائق قادرة على معالجة تدريب الذكاء الاصطناعي، وتصميم الرسومات ثلاثية الأبعاد، والمحاكاة الفيزيائية في الوقت نفسه، بما يشبه المرونة التي جعلت «إنفيديا» مهيمنة عالمياً، فسوف يظل من الصعب على الشركة – حسب آراء الخبراء - اللحاق بالشركة الأمريكية العملاقة، فقد تشكلت تكنولوجيا شركات مثلها على مدى عقود من التطوير المستمر، ولذلك ليس من المنطقي أن تتمكن الشركات الصينية «فجأة» من مجاراتها.
مسيرة تشانغ
يذكر أن تشانغ بدأ مسيرته المهنية عام 1990 باحثاً أول في معهد أبحاث وتصميم أتمتة المعادن، ثم عمل بالشركات الأمريكية في الصين، وتدرج من منصب مدير عام للمنتجات في «هيوليت باكارد» إلى مدير في «ديل تكنولوجيز» ثم مديراً عاماً لشركة «إنفيديا» لمدة 15 سنة، إلى أن أسس شركته الخاصة «مور ثريدز» في عام 2020، ونجح في جذب استثمارات بمليارات اليوان بعد عام واحد فقط من تأسيسها، ويسعى الآن إلى تمويل مشاريع رقائق الذكاء الاصطناعي والرسومات من الجيل التالي - وفقاً لما أعلنه في نشرة الطرح الأخير بالبورصة – وإيجاد سوق مستقلة عن التكنولوجيا الغربية.
وفي حديث له مع وسائل إعلام محلية أكد تشانغ أن الدعم الحكومي مدفوعاً بتلك الروح الوطنية الجديدة هو المحفز لتحقيق إنجازات كبرى في التقنيات الاستراتيجية المتقدمة، وتوقع لشركته تحقيق مزيد من الأرباح بحلول عام 2027.
