عندما كان في السادسة من عمره أصيبت أمه بمرض في القلب، ولما كانت هي المسؤولة عنه هو وإخوته الثلاثة لم تتوقف عن العمل، ولم تستسلم للمرض كما لم تستسلم من قبل للظروف المادية الصعبة للغاية، لكي توفر لهم الحد الأدنى من الطعام والشراب والحياة الكريمة التي تقيهم مد أيديهم للأقارب أو الجيران، ولا حتى الجمعيات الخيرية. وعندما رأى الطفل فرح غراي (وُلد في 9 سبتمبر عام 1984) أمه وهي تغالب المرض وتكابد صعوبة الحصول على نفقات المعيشة؛ لم يتحمل قلبه الصغير، فقرر أن يريحها ويكون «رب الأسرة» بدلاً منها.
خلف الزجاج
بدأ بالفعل البحث عن عمل، ولكن لم يقبل أحد من أصحاب الأعمال تشغيله، حتى صاحب محل البقالة رفض أن يعمل عنده مساعداً، وهو في طريقه إلى البيت مر بمتجر آخر أكبر، حيث شاهد من خلف الزجاج كريمات البشرة معروضة للبيع، ففكر في أن يشتري منها كمية ويبدأ التجارة فيها؛ فقد لاحظ أن السيدات، وحتى الرجال لا يستغنون عن استعمالها، لا سيما لمواجهة برد ولاية شيكاغو الشديد، وكان يبيع العبوة مقابل دولار ونصف الدولار، بهامش ربح بسيط، وبدأ بجيرانه في حيهم الفقير، ورفاقه في المدرسة، مستخدماً صندوق الطعام الخاص به «اللنش بوكس» ليكون حقيبة يده التي يدور بها حاملاً فيها بضاعته، معتمداً سياسة في الترويج ومع الوقت نجح في ذلك.
رحلة الثراء
وذات يوم رأته إحدى المعلمات وهو يبيع الكريمات للتلاميذ، فشجعته، وقالت له كلمة لم ينسها طوال رحلته إلى تحقيق الثراء: «إذا تمكنت من ربح 50 دولاراً في اليوم فسوف تصبح مليونيراً يوماً ما»، فأقسم لنفسه ألا يخيب ظن معلمته وأن يحقق حلمه، وأن ينأى بنفسه وإخوته عن الحي الذي كان وكراً لتجار المخدرات والخارجين عن القانون، الذين كان مضطراً إلى العيش بينهم، فاستمر في تجارته البسيطة، متسلحاً بحلاوة الحديث وقدرته على الإقناع التي اكتسبها.
تبرعات معنوية
حقق فرح غراي نجاحاً كبيراً في جذب الناس إليه بحديثه الحلو وخفة ظله، وأضاف إلى بضاعته الحلوى والمشروبات، ثم قرر تأسيس مبادرة خاصة بأبناء الحي تهدف إلى جمع التبرعات للفقراء والمحتاجين، معتمداً على رصيده في قلوب الناس من الحب والإعجاب، ولم يقصر مبادرته على التبرعات المادية، بل ابتكر ما أسماه «تبرعات معنوية»؛ بأن يقوم المتبرع بسرد قصة تحفيزية للفقراء، ومن دون شك وافق هذا النوع من «التبرعات» الهوى في نفس غراي ما دامت «البضاعة» المطلوبة هي التحدث والخطابة.
الحلم في لاس فيغاس
انتقل غراي مع أمه وإخوته إلى مدينة لاس فيغاس؛ حيث فتح له باب الحظ على مصراعيه؛ فبعد أيام قليلة من انتقالهم إلى هناك جاءته فرصة في الظهور في برنامج إذاعي، وبفضل ذكائه وطريقته الجذابة في المحاورة، تم تعيينه في الإذاعة بوظيفة «مذيع مساعد» في برنامج شهير يتابعه عشرات الآلاف، وخلال عامين فقط لمع نجمه رغم حداثة سنه، وارتفع عدد متابعي البرنامج إلى 12 مليون مستمع، وبدأت العروض تنهال عليه من مختلف القنوات، وبدأ تحقيق حلمه في الثراء، حيث استمر في الانتقال بين القنوات الإذاعية والبرامج المختلفة، وعندما بلغ عامه الرابع عشر أسس شركة متخصصة في بيع الطعام المعلب في نيويورك، وكانت قيمة حصته فيها أكثر من مليون دولار.. وبعد أن حقق «المليون الأول» كما تنبأت له معلمته، أسس شركة أخرى، وأطلق برنامجاً إذاعياً يستهدف المراهقين.
كما شارك في إصدار مجلة شهيرة، وأنتج برنامجاً كوميدياً، وطور الجمعية الخيرية التي أسسها، وعندما سمع به الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وشاهد نجاحه رغم صغر سنه، أوصى بدعمه، وأمر بتقديم منحة دراسية كاملة له في مجال التجارة مدتها ثلاث سنوات.
