عندما كان عمره لا يتجاوز 13 سنة اضطر للهروب مع عائلته من الحرب إلى هونغ كونغ، ولم يكد يمضي عامان حتى مات أبوه متأثراً بمرض السل، فأصبح عليه أن يعول نفسه وعائلته، وعمل في مصنع للبلاستيك لمدة 16 ساعة يومياً، وبعد رحلة طويلة جداً من الشقاء، أصبح صاحب مجموعة اقتصادية عملاقة قدرت قيمتها السوقية بـ 100 مليار دولار، في حين بلغت ثروته الشخصية 40.6 مليار دولار.. إنه لي كا شينغ، رجل الأعمال الصيني الذي حاز ألقاباً كثيرة؛ منها «أقوى رجل في آسيا»، و«أكبر المتبرعين خارج أمريكا». ورغم ثروته الطائلة لا يزال يلبس ساعة رخيصة وحذاءً أسود متواضعاً لا يبدله.
ولد كا شينغ عام 1928 في مدينة تشاوان الصينية، وأجبرته الحرب الصينية – اليابانية على الهروب مع عائلته إلى هونغ كونغ عام 1940، وهناك مات والده بمرض السل، فاضطر الصغير إلى ترك الدراسة وعمره 15 سنة، ليعمل في مصنع لإنتاج البلاستيك.. 16 ساعة يومياً من العمل للحصول على قوته اليومي هو وبقية عائلته.
وبعد سبع سنوات من العمل الشاق والظروف القاسية استطاع تأسيس شركة صغيرة أطلق عليها اسم «تشيونغ كونغ للصناعات»، وبدأ إنتاج البلاستيك معتمداً على خبرته في هذا المجال. وفي عام 1958 بنى مصنعه الخاص، وشاء القدر أن يكافئه على صبره، فاستثمر ذكاءه في اغتنام فرصة يراها كثيرون غيره محنة وخراباً؛ حيث وقعت أحداث شغب في هونغ كونغ في عام 1967 وانهارت أسعار العقارات، وهرب كثيرون إلى خارج المدينة، لكن لي وجدها فرصة لشراء الأراضي بأسعار زهيدة وبداخله قناعة بأن هونغ كونغ سوف تنهض من جديد، وصدق حدسه؛ ففي 1971 أسس رسمياً شركة «تشيونغ كونغ» للتطوير العقاري، وأدرجها في بورصة هونغ كونغ بعد عام واحد فقط، وخطا أكبر خطوة على طريق الثراء.
وفي عام 1979 استحوذ على شركة «هاتشيسون وامبوا» العملاقة، ثم على «هونغ كونغ إلكتريك هولدينغز» عام 1985، ليصبح من أكبر رموز قطاعات الطاقة والموانئ والتجارة؛ حيث مثلت مجموعته نحو 4% من القيمة السوقية لبورصة هونغ كونغ. ولأنه ذو عقلية تجارية لامعة؛ لم يكتف بسوق العقارات والمرافق، ونوّع نشاطه، حتى صار يمتلك سلسلة «إيه إس واتسون جروب» التي تضم أكثر من 15 ألف متجر حول العالم، كما أسس ذراعه الاستثمارية «هوريسون فنتشرز» لتمويل شركات التكنولوجيا الناشئة. ومن خلال مؤسسته الخيرية، كان من أوائل المستثمرين في شركات عملاقة مثل فيسبوك بـ 120 مليون دولار مقابل 0.8% من الأسهم، وسبوتيفاي بـ 50 مليون دولار.
الملياردير الزاهد
قد يظن الكثيرون أن من يمتلك مثل هذه الثروة الطائلة يعيش حياة البذخ والترف، غير أن لي ما زال يعيش حياة بسيطة؛ فهو ما زال يلبس حذاءً أسود عادياً، وساعة رخيصة ماركة «سيكو»، وعاش عقوداً عدة في المنزل المتواضع الذي بدأ به رحلة كفاحه قبل أن ينتقل إلى منزله الفاخر في ضاحية «ديب واتر باي» في هونغ كونغ.
في عام 2006، كرمته مجلة «فوربس» والعائلة المالكة لها بجائزة «إنجاز العمر»، وهو أول من حصل عليها. وفي عام 2019، أدرجته المجلة نفسها ضمن قائمة أكثر المتبرعين سخاءً خارج الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصبحت مؤسسته الخيرية ثاني أكبر مؤسسة خاصة في العالم بعد مؤسسة «بيل وميليندا غيتس.» وفي مارس 2018 قرر لي التقاعد بعد نحو 70 عاماً من العمل وقيادة مجموعته العملاقة، ونقل إمبراطوريته التي تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار إلى ابنه، لكنه ظل محتفظاً بوظيفة «مستشار أول» للمجموعة. وفي هذا العام قدرت ثروته الشخصية بنحو 40 مليار دولار حسب قائمة «فوربس» العالمية.
جامع الألقاب
حصل لي على «ميدالية بوهينيا الكبرى» ووسام رتبة الإمبراطورية البريطانية، ولقب «أغنى رجل آسيوي في العالم»، وهو أكبر مشغل لمحطات الحاويات في العالم وأكبر تاجر تجزئة لمستحضرات التجميل في العالم. كما أطلقت عليه مجلة «آسيا ويك» لقب «أقوى رجل في آسيا» في عام 2001 عندما استحوذت شركاته على نسبة 15% من القيمة السوقية لأسهم بورصة هونغ كونغ، كما عرف في حينها بلقب «سوبرمان». ويعد من أكثر فاعلي الخير عطاءً في آسيا؛ حيث تبرع بأكثر من 1.41 مليار دولار للمؤسسات الخيرية والأعمال الإنسانية.
