حين يصبح الموظف متاحاً دائماً… الإجازة في مهب "العمل"

تشير اتجاهات حديثة في سوق العمل إلى تزايد لافت في عدد الموظفين ذوي الياقات البيضاء الذين يختارون العمل لساعات محدودة خلال أيام عطلتهم الأسبوعية، في ظاهرة تعكس تحولات أعمق في مفاهيم التوازن بين العمل والحياة المهنية.

موظفو الياقات البيضاء هم فئة من العاملين يُطلق عليها هذا الوصف بسبب طبيعة عملها المكتبية أو الذهنية أكثر من كونها يدوية أو بدنية، وهو مصطلح شائع في علم الاجتماع والاقتصاد وسوق العمل.

ووفق تحليل حديث أشار إليه تقرير لـ"بيزنس إنسايدر"، فإن نحو 5% من العاملين باتوا يعملون في أيام إجازتهم، مع تسجيل ارتفاع بنسبة 9% في هذا الرقم بين عامي 2023 و2024.

ورغم أن العمل في عطلة نهاية الأسبوع يُنظر إليه تقليديا على أنه انتهاك لحدود الراحة الشخصية، فإن الموظفين الذين يتبنون هذا النهج يقدمون تفسيرا مختلفا، فبحسب شهادات جمعها التقرير، لا يرى هؤلاء في ساعات العمل الإضافية عبئا مفروضا، بل خيارا طوعيا يمنحهم مرونة أكبر خلال أيام الأسبوع، ويساعدهم على تخفيف الضغط اليومي أو تنظيم جداولهم بشكل أكثر كفاءة.

ويؤكد عدد من العاملين الذين شملهم التقرير أنهم يلجأون إلى العمل في الإجازة بدافع حبهم لوظائفهم، أو لرغبتهم في بدء الأسبوع الجديد وهم أكثر استعدادا، لا سيما في الوظائف التي تتطلب مواكبة مستمرة للأحداث أو الالتزام بمواعيد نهائية صارمة، ويرى بعضهم أن تخصيص ساعات محدودة يوم الأحد، على سبيل المثال، قد يجعل أيام العمل التالية أقل توترا وأكثر قابلية للإدارة.

إلا أن هذا التوجه لا يخلو من مخاطر، إذ يحذر التقرير من أن نجاح هذه "المقامرة المهنية" يبقى مشروطا بقدرة الموظف على وضع حدود واضحة خلال الأسبوع، فثقافة العمل في بعض المؤسسات، خاصة في الولايات المتحدة، قد تميل إلى استغلال هذا الاستعداد، ما يحوّل المرونة المؤقتة إلى عبء دائم، ويفتح الباب أمام زيادة غير معلنة في حجم العمل.

ويحذّر خبراء من أن هذا المسار قد يقود في نهاية المطاف إلى الإرهاق الوظيفي، وهو سيناريو يتكرر كثيرا حين يصبح الموظف متاحا على الدوام.

وبينما يستمر الجدل حول جدوى العمل في أيام الإجازة، يبدو أن المسألة لم تعد مرتبطة فقط بالإنتاجية، بل بقدرة الأفراد على تحقيق توازن دقيق بين الطموح المهني والحفاظ على صحتهم ووقتهم الشخصي.