مدرس رفضته 30 شركة.. جاك ما "علي بابا" التجارة الرقمية

يعد جاك ما، مؤسس شركة "علي بابا"، واحد من أبرز رموز ريادة الأعمال في العصر الحديث، ومثل عالمي للنجاح المستمد من الصبر والإصرار. وُلد ما في 10 سبتمبر 1964 بمدينة هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ الصينية، ونشأ في بيئة متواضعة تعج بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية. قصته تُظهر كيف يمكن للإرادة والعزيمة تحويل الفشل المتكرر إلى نجاح استثنائي يغير معالم عالم الأعمال.

نشأ جاك ما في الصين خلال فترة الانفتاح المحدود على العالم الخارجي، حيث كانت موارد التعليم والخبرة العملية محدودة للغاية. منذ صغره، أظهر شغفا استثنائيا بتعلم اللغة الإنجليزية، فكان يقضي ساعات يوميا يتحدث مع السياح الأجانب في الفنادق المحلية، معتمداً على ذكائه وفضوله لتطوير لغته ومعرفته بالعالم خارج الصين.

ولم يكن الطريق إلى التعليم الجامعي سهلاً عليه؛ فقد فشل مرتين في امتحان القبول الجامعي، وهو اختبار حاسم لتحديد مستقبل الطلاب في الصين آنذاك. ورغم الإحباط والفشل، لم يستسلم، بل أصر على المحاولة حتى تم قبوله في جامعة هانغتشو العادية، حيث حصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية عام 1988، ليكون بذلك مثالاً حيًا على أن الإصرار والتصميم يتغلبان على العقبات الأكاديمية والاقتصادية، وفقا لتقرير نشرته "CNN".

الفشل قبل النجاح

قبل أن يصبح جاك ما أحد أغنى رجال العالم، واجه سلسلة من الصعوبات والرفض المتكرر. فرفضته 30 شركة، بما فيها سلسلة مطاعم "KFC"، حيث كان يبحث عن وظيفة مناسبة بعد تخرجه، كما أنه فشل في عدة مشاريع صغيرة قبل أن يكتشف الشغف الحقيقي بريادة الأعمال والابتكار الرقمي.

هذه المرحلة من الفشل لم تكن نهاية الطريق، بل كانت بمثابة دروس قيّمة شكلت شخصيته، فقد تعلم من كل رفض كيف يكون أكثر صبرًا، وأكثر قدرة على التحليل، وأكثر إبداعًا في البحث عن الفرص، الفشل أصبح حافزًا له للابتكار وتطوير أفكار جديدة يمكن أن تغيّر حياته وحياة ملايين الآخرين.

بعد تخرجه، عمل جاك ما مدرساً للغة الإنجليزية في جامعة هانغتشو ديانزي، لكن شغفه بالتكنولوجيا وريادة الأعمال دفعه للبحث عن طرق جديدة لاستغلال الإنترنت في الصين.

في عام 1994، أسس وكالة "هانغتشو هوبي" للترجمة، وكانت هذه أولى خطواته في عالم الأعمال. ومع إدراكه لإمكانات الإنترنت، أنشأ موقعًا إلكترونيًا لوكالة الترجمة، ليصبح بذلك واحدًا من أوائل من قدموا خدمات الإنترنت في الصين، ويمهد الطريق لاحقًا لإنشاء أكبر إمبراطورية رقمية في العالم.

تأسيس "علي بابا" حلم يتحول إلى واقع

في عام 1999، جمع جاك ما 17 من أصدقائه المؤتمنين لتأسيس "مجموعة علي بابا"، وهي منصة تجارة إلكترونية تهدف إلى ربط الشركات الصينية بالأسواق العالمية. في البداية، واجه المشروع صعوبات تمويلية وتحديات لوجستية، بالإضافة إلى الشكوك المحلية والدولية حول جدوى التجارة الإلكترونية في الصين آنذاك. لكن إيمانه برؤيته ورغبته في تقديم حلول مبتكرة جعلت “علي بابا” تنمو بسرعة، حتى أصبحت واحدة من أكبر شركات التجارة الإلكترونية في العالم.

تحت قيادة جاك ما، توسعت "علي بابا" لتشمل خدمات متعددة مثل "تاوباو" للتسوق الإلكتروني و"علي باي"للدفع الإلكتروني. في عام 2014، طرحت الشركة أسهمها للاكتتاب العام في بورصة نيويورك، محققة أكبر اكتتاب عام أولي في التاريخ آنذاك، بقيمة تجاوزت 25 مليار دولار، لتصبح بذلك رمزًا عالميًا للنجاح الرقمي والابتكار التكنولوجي، وفقا لـ "businessinsider".

توسعت الشركة أيضا عالميا عبر استثمارات وشراكات مع شركات كبرى، وأسست مشاريع جديدة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، والخدمات المالية الرقمية، مؤكدة أن الرؤية الاستراتيجية والصبر الطويل المدى يمكن أن يحدثا تحولاً تاريخيًا في قطاع الأعمال.

إيرادات مليارية

وبحسب "بلومبيرغ" حققت مجموعة "علي بابا" عائدات بلغت 996 مليار يوان (138 مليار دولار أمريكي) في السنة المالية المنتهية في مارس 2025.

تُظهر رحلة جاك ما أن الطريق إلى النجاح مليء بالمطبات والعوائق، بل والفشل المتكرر، لكن الإرادة والإصرار يمكن أن يحولا كل عقبة إلى تحدٍ، من رفض عشرات الشركات، والفشل في امتحانات حاسمة، إلى قيادة أكبر إمبراطورية رقمية في العالم، أصبح جاك ما "علي بابا" المجال، ليعد نموذجا حيا لإمكانية تحويل الفشل إلى نجاح باهر، وتجسيدا حيا لفكرة أن العزيمة والإبداع قادران على تغيير مصير الإنسان والعالم من حوله.