بيير أوميديار.. قصة حب غيرت التجارة الإلكترونية

في عالم الإنترنت مترامي الأطراف، حيث تتسابق الأفكار والابتكارات لتحقيق النجاح، يبرز اسم بيير أوميديار، كمثال للعبقرية والمثابرة.

ويعرف بيير أوميديار بكونه المؤسس لموقع eBay الإلكتروني الشهير للبيع والمزايدات عبر الإنترنت، الذي بفضله غيّر أساليب التجارة للأبد.

وُلد بيير مراد أوميديار في العاصمة الفرنسية باريس عام 1967، لأسرة إيرانية، هاجرت إلى الولايات المتحدة وهو في السادسة من عمره. واستقرت العائلة في ولاية ماريلاند، حيث عمل والده جراحاً في جامعة «جونز هوبكنز».

وأظهر بيير شغفاً مبكراً بالتكنولوجيا، ففي سن الـ 14، برمج تطبيقاً لفهرسة كتب مكتبة مدرسته، لتبدأ رحلة عقلٍ لم يتوقف عن الابتكار.

بعد تخرجه في علوم الحاسب في جامعة «تافتس» عام 1988، عمل بيير في شركات ناشئة.

لكن نقطة التحول جاءت عام 1995، حين أراد مساعدة خطيبته «باميلا كير» - وهي مهووسة بجمع العملات النادرة - على التواصل مع هواة مثلها.

أنشأ موقعاً صغيراً اسمه «AuctionWeb»، من غرفة نومه الصغيرة، لتبدأ أول صفقة، وكانت عبارة عن «مؤشر ليزر معطوب بيع بـ 14 دولاراً!».

سأله المشتري: «هل أنت مجنون؟ لقد ظننت الموقع احتيالياً!». فأدرك بيير أن نجاح المنصة يعتمد على «الثقة»، فابتكر نظام «تقييم البائع»، الذي غيّر مفهوم التجارة الإلكترونية للأبد.

تحول الموقع الصغير إلى عملاق باسم «eBay»، اختصاراً لاسمه الأول «Echo Bay».

واعتمد على نموذج فريد، عمولات رمزية، تتراوح بين (ربع دولار ودولارين للصفقة)، توصيل البائع بالمشتري مباشرةً، وتمكين الأفراد من بيع أي شيء. وبحلول 1998، بلغت قيمة الشركة 85 مليون دولار عند الاكتتاب العام، ووصلت إيراداتها عام 2003، إلى 2.1 مليار دولار، مع 95 مليون مستخدم حول العالم.

عبقرية مالية

أدرك أوميديار حاجة المستخدمين لوسيلة دفع آمنة، فاستحوذ على شركة «باي بال» عام 2002.

وحين انفصلت عنها عام 2015، احتفظ بـ 6 % من أسهمها، لتصبح أحد أنجح استثماراته التي تضاعفت قيمتها عشرات المرات.

مع زوجته باميلا، حوّل بيير ثروته - المقدرة بنحو «8.7 مليارات دولار» - إلى قوة دافعة للإصلاح الاجتماعي، حيث أنشأ «شبكة أوميديار» في عام (2004)، باستثمار 1.5 مليار دولار لمكافحة الفقر والعبودية عبر 15 دولة.

الصحافة

وأسس أوميديار «فرست لوك ميديا» (2013)، لدعم الصحافة الاستقصائية، وأطلق موقع «ذا إنترسبت»، الذي كشف فظائع حروب أمريكا.

وأظهر أوميديار، من خلال «ذا إنترسبت»، أول منشورات «فرست لوك ميديا»، وكيف يمكن للإعلام أن يُسهم في تعزيز الديمقراطية وحماية الحريات الأساسية؟.

ويأتي هذا الابتكار دليلاً على رؤية أوميديار البعيدة النظر، حيث يرى أن الإعلام لا يقتصر على نقل الأخبار، بل هو أداة للتغيير الإيجابي والتأثير الاجتماعي.

التعليم

وموّل مشاريع تعليمية في هاواي، حيث يقيم، داعياً إلى «اقتصاد يُعزز كرامة الإنسان، قبل تعظيم الأرباح».

ويعيش بيير حياةً بعيدة عن الأضواء، في منزل متواضع بهاواي، رافضاً صفات «العملاق التكنولوجي». يكرس وقته لثلاثة أولاد، ويمارس الزراعة العضوية.

حصل على وسام الاستحقاق الفرنسي (2012)، تقديراً لروحه الإنسانية، لكن فلسفته تختصرها مقولته: «الابتكار الحقيقي لا يبدأ بكمبيوتر، بل بإنسان يسأل: كيف أحل هذه المشكلة؟».

خلاصة مسيرة

بيير أوميديار ليس مجرد مؤسس «إي باي»، بل هو: «مخترع» أول نموذج لاقتصاد المشاركة، و«ثائر» حوّل ثروته إلى سلاح ضد الظلم، و«حالم» صدّق أن غرفة نوم صغيرة، قد تغير العالم.

واليوم، تُدرّس مسيرته في أعرق الجامعات، كدليل على أن «أعظم الإمبراطوريات تُبنى من فكرة بسيطة... وإنسانية».