هذا التنافس المحتدم، الذي تغذيه نماذج مثل شات جي بي تي وجوجل جيمناي، أدى إلى نمو متوقع لسوق الذكاء الاصطناعي التوليدي العالمي بمعدل سنوي مركب يتجاوز 24% بين عامي 2025 و2034، حيث يُتوقع أن تصل قيمة السوق إلى حوالي 177.1 مليار دولار بحلول نهاية الفترة، مما يبرهن على أننا أمام تحول هيكلي عميق في الاقتصاد العالمي (نقلاً عن غلوبال ماركت إنسايتس).
في الربع الثالث من عام 2025 وحده، سجلت إيرادات "إنفيديا" نمواً مذهلاً بنسبة 94% على أساس سنوي، لتصل إلى 35.1 مليار دولار، وكان الجزء الأكبر منها يرجع مباشرة إلى إيرادات مراكز البيانات التي بلغت 30.8 مليار دولار نتيجة مبيعات شرائح الذكاء الاصطناعي مثل سلسلة "هوبر"، مع تطلعات لنمو أكبر بفضل جيل "بلاك ويل" الأحدث (نقلاً عن أناليزيفاي وبلومبيرغ).
هذه الأرقام الضخمة تُظهر كيف أصبح العتاد الصلب (Hardware) المخصص للذكاء الاصطناعي هو "النفط الجديد" الذي تتقاتل الشركات الكبرى على تأمينه.
تُظهر الأرقام المالية لعام 2025 نجاح هذه الاستراتيجية بوضوح؛ ففي الربع الأول من السنة المالية 2025، تجاوزت إيرادات "مايكروسوفت" الإجمالية 70 مليار دولار، وشهدت اشتراكات "كوبايلوت" نمواً صاروخياً بنسبة 175% على أساس سنوي، مما دفع صافي ربح الشركة ليقفز إلى حوالي 25.8 مليار دولار في هذا الربع (نقلاً عن تقرير أرباح مايكروسوفت للربع الأول من السنة المالية 2025).
وقد علّق الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا على هذا التطور بأن الذكاء الاصطناعي هو "لحظة الأجيال" في تاريخ التكنولوجيا.
هذا الواقع دفع شركتي "مايكروسوفت" و"ألفابيت"(Alphabet) إلى الإعلان عن استثمارات رأسمالية تصل إلى 30 مليار دولار لكل منهما تقريباً في عام 2025، لضمان استمرار تفوقهما في البنية التحتية السحابية للذكاء الاصطناعي (نقلاً عن تقارير علاقات المستثمرين في مايكروسوفت وجوجل).
هذا الإنفاق الضخم يعني أن عمالقة التكنولوجيا يحصّنون مكانتهم، مما يضع ضغوطاً هائلة على الشركات الناشئة الأصغر حجماً.
فبينما وصل التمويل الخاص للذكاء الاصطناعي التوليدي إلى 33.9 مليار دولار عالمياً في عام 2024، بزيادة قدرها 18.7% عن العام السابق، فإن غالبية هذا التمويل يذهب نحو الشركات التي تحظى بدعم العمالقة، مما يخلق ما يُعرف بـ "اقتصاد الذكاء الاصطناعي الثنائي" حيث تسيطر حفنة من الشركات على الموارد اللازمة للابتكار المتقدم (نقلاً عن تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي 2025 لجامعة ستانفورد).
ورغم ذلك، لم تضع الأحكام القضائية النهائية حداً للجدل؛ ففي منتصف عام 2025، صدر قرار قضائي في قضايا مماثلة ضد شركات مثل "أنثروبيك" أيد بشكل جزئي مبدأ "الاستخدام العادل" (Fair Use) لتدريب النماذج، بشرط ألا يكون الغرض هو التكرار المباشر للعمل الأصلي أو التدريب على مواد مسروقة، مما منح شركات التكنولوجيا حذراً ولكنه أبقى الباب مفتوحاً أمام الابتكار (كما جاء نصاً في حكم المحكمة الفيدرالية الأمريكية، يونيو 2025).
المهارة الأغلى ثمناً حالياً هي "هندسة الموجهات" (Prompt Engineering)، أي فن توجيه نماذج الذكاء الاصطناعي للحصول على نتائج عالية الجودة. يبرهن هذا المشهد المالي والقانوني بأننا لا نشهد مجرد موجة تقنية عابرة، بل تحولاً جذرياً تتنافس فيه المليارات على تحديد هوية "العقل الجديد" للاقتصاد العالمي.


