الأمريكيون تحت وطأة «رسوم ترامب الجمركية»

تتراكم المخاوف في الأفق الأمريكي؛ في وقت تتداخل فيه هواجس التضخم مع القلق من تباطؤ النمو، ما يخلق حالة من الترقب والشكوك بين الأُسر والشركات على حد سواء، ولا سيما في ظل المخاوف المرتبطة بتداعيات «حرب الرسوم الجمركية» التي يُلوح بها الرئيس دونالد ترامب.

وفي ظل المخاوف المرتبطة بانعكاسات تلك الرسوم، والارتفاع النسبي في تكاليف المعيشة، تتزايد التساؤلات عن قدرة الأسواق على الصمود أمام الضغوط المتصاعدة، فيما يترقب الجميع خطوات الاحتياط الفيدرالي المقبلة.

وفي الوقت الذي يتبنى فيه المستهلكون نظرة سلبية في شأن الآفاق الاقتصادية، تُظهر تقديرات المستهلكين الأمريكيين في فبراير تشاؤماً في شأن التوقعات الاقتصادية، وهو ما أبرزه مؤشر ثقة المستهلك الأسبوع الماضي، والذي انخفض إلى 98.3 نقطة في فبراير، مقارنة بتوقعات داو جونز عند 102.3 نقطة، وبما يمثل المستوى الأدنى من شهر يونيو من سنة 2024، والانخفاض الشهري الأكبر منذ أغسطس من سنة 2021.

جاء ذلك التراجع في ضوء حالة عدم اليقين التي تشهدها الأسواق مع تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على شركاء الولايات المتحدة، ومن ذلك كندا والمكسيك، وهي الرسوم التي يخشى الأمريكيون من انعكاساتها على الوضع الداخلي، وبما يقود لعودة النسق المرتفع للتضخم، وبما يحبط مساعي الاحتياط الأمريكي لخفض الفائدة. وقفزت توقعات المستهلكين بالنسبة للتضخم على مدى الـ12 شهراً إلى 6 % وذلك مقارنة بـ5.2 % في شهر يناير، مبتعدة بعيداً عن هدف الفيدرالي عند 2 %.

اقتصاد قوي

الأستاذ في جامعة فلوريدا، رئيس جمعية الإدارة المالية، جاي ر.ريتر، يقول لـ«البيان» إن الولايات المتحدة تواصل تسجيل عجز كبير في الموازنة الحكومية، يتم تمويله عبر الاستثمارات الأجنبية ومدخرات السكان الأمريكيين.. فيما لا يبدو أن هناك رغبة قوية من بعض السياسيين أو الناخبين في خفض الإنفاق الحكومي أو زيادة الضرائب، ولكن عاجلاً أم آجلاً، سيصبح من الضرورة تقليص هذا العجز.

وتعمل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي على تقليص الإنفاق الحكومي بنحو 500 مليار دولار، وذلك بإدارة كفاءة الحكومة التي يقودها الملياردير إيلون ماسك، والتي تُواجه عقبات مختلفة، قضائية وتنظيمية، ووسط حالة من الجدل.

ويضيف: أما بالنسبة لأسواق المال، فلا تزال أسعار الأسهم - وفقاً لمكرر الربح - أعلى في الولايات المتحدة مقارنة بباقي دول العالم.. هذا التقييم المرتفع يبرز استمرار النمو القوي في ربح السهم مقارنة بالدول الأخرى. وعلى الرغم مما يتقاضاه كبار المديرين التنفيذيين في الشركات الأمريكية من أجور ضخمة، فإن ذلك مرتبط بتركيزهم على تعظيم ثروة المساهمين.

وتاريخياً، يتحدث ريتر عن أن التراجع الذي شهدته الأسهم الأمريكية في الفترة الممتدة من مارس من سنة 2000، بعد انفجار فقاعة الإنترنت، لم يؤثر كثيراً في الاقتصاد الأمريكي، لأن ارتفاع أسعار الأسهم آنذاك كان بمنزلة «مكاسب ورقية» لقطاع محدود من السكان.

في المقابل، كان لانخفاض أسعار المنازل من سنة 2009 - 2010 تأثير أعمق في الطبقة الوسطى، فاستخدم العديد من مالكي المنازل الارتفاع الذي شهدته أسعار العقارات من سنة 2003 - 2007 لزيادة إنفاقهم، وحينما تراجعت تلك الأسعار، لجؤوا إلى خفض إنفاقهم.. بينما حالياً - وفق ريتر - يبدو أن الاقتصاد الأمريكي أكثر توازناً مقارنة بسنتي 2000 و2007، ولكن الأخطار لا تزال قائمة.

ويقول إن التراجع في التجارة الدولية نتيجة زيادة التعريفات الجمركية، قد يلحق ضرراً واسع النطاق بالاقتصاد العالمي، ومن ذلك الولايات المتحدة. وفي ظل تحسن ثروات الأفراد، قد ترتفع أسعار الأسهم والسندات، ما يعزز كلّاً من الإنفاق الاستهلاكي (بما يدعم أرباح الشركات) والادخار (بما يعزز أسعار الأصول المالية).

وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو الأمر «مريحاً» للمستهلك الذي يشعر بمزيد من القلق. وقبل أيام، كشف استطلاع جامعة ميشيغان لثقة المستهلكين عن انخفاض شهري أكبر من المتوقع بنحو 10 % في فبراير، وبلغت توقعات التضخم على مدى خمس سنوات بين المستجيبين أعلى مستوياتها منذ سنة 1995.

قلق حقيقي

الأستاذ في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، عضو مجلس العلاقات الخارجية، جوناثاند أرونسون، يقول لـ«البيان» إن قلق المستهلكين الأمريكيين حقيقي؛ ولا سيما مع ارتفاع الأسعار، ويضيف: «تؤدي مستويات التضخم المرتفعة (فوق المعدل المستهدف 2 %) إلى تأجيل أي تخفيضات مستقبلية في أسعار الفائدة من قبل الاحتياط الأمريكي.. وكذلك إذا استمرت التعريفات الجمركية فترة طويلة، فقد تواصل الأسعار صعودها، ما قد يثير مخاوف الأسواق.

ويشار إلى أن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو المقياس المفضل للتضخم لدى الاحتياط الأمريكي، في يناير، جاء متسقاً مع التوقعات. ويبقى السؤال الأبرز في تقدير أرونسون هو: هل كان التراجع الحاد في أسواق الأسهم أخيراً - والذي عبر بشكل واضح عن مخاوف المستثمرين والمستهلكين في شأن الاقتصاد - حدثاً عابراً فحسب، أم أنه ينذر بتعديل هبوطي كبير؟

في فبراير، تراجع مؤشر «ناسداك» بنحو 4 % تقريباً، ليُنهي تعاملات الشهر عند مستوى 18,847.28 نقطة، كما تراجع مؤشر «ستاندر آند بورز» 500 بنسبة 1.4 % في الشهر، مُنهياً التعاملات عند مستوى 5,954.50 نقطة. وكذلك مؤشر «داو جونز الصناعي» سجل خسائر شهرية بنسبة 1.6 %، مُنهياً تعاملات فبراير عند مستوى 43,840.91 نقطة.