تضع سياسات التعريفات الجمركية التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أسواق النفط أمام مرحلة جديدة من الضغوط والتقلبات، مع الانعكاسات المحتملة لهذه الإجراءات الحمائية على سلاسل التوريد والتجارة عبر الحدود، خصوصاً مع شركاء أساسيين مثل كندا والمكسيك.
ورغم أن التعريفات الجمركية تحمل في ظاهرها تأثيراً صعودياً على أسعار النفط، فإن التصعيد التجاري يثير مخاوف أعمق بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، ما قد يؤدي إلى تراجع الطلب على الخام.
ومع تصاعد احتمالات اندلاع حرب تجارية أكثر حدة، تتزايد حالة عدم اليقين المحيطة بتوقعات الأسعار.
ويوم الاثنين، قال الرئيس الأمريكي إن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على كندا والمكسيك «سيمضي قدماً» الأسبوع المقبل كما هو مخطط له، وذلك بعدما كان قد تم إرجاء تطبيق الرسوم لفترة مؤقتة.
في تصريحات خاصة لـ«البيان»، يقول بوب ماكنالي، رئيس مجموعة Rapidan Energy، إنه «إذا فرضت الولايات المتحدة الأمريكية تعريفات واسعة النطاق، ثم استجابت دول أخرى بالمثل (فرض تعريفات مماثلة)، فمن الممكن أن تندلع حرب تجارية عالمية».
ومن شأن هذه الحرب أن تبطئ النمو الاقتصادي (العالمي)، ومعه الطلب على النفط، وسيكون هذا السيناريو هبوطياً بالنسبة لأسعار النفط.
وبينما تضع مجموعة التدابير الجمركية الأمريكية أسعار النفط تحت ضغط سيناريوهات متباينة، فإنه بموازاة ذلك تراقب الأسواق عن كثب تطورات الأوضاع الجيوسياسية، لا سيما فيما يتعلق بالمفاوضات الخاصة بإنهاء الحرب في أوكرانيا؛ ذلك أنه في حال التوصل لاتفاق سلام شامل، فمن شأن ذلك أن يكون له تأثيرات ممتدة على النشاط الاقتصادي، ومن ثم الطلب على النفط.
في هذا السياق، يقول ماكنالي: «من غير المؤكد أن يؤدي اتفاق سلام إلى رفع العقوبات النفطية (فورياً)، وإذا حدث ذلك، فإن التأثير الرئيسي سيكون صعودياً بالنسبة لخام الأورال (المزيج الرئيسي للنفط الروسي، يصنف كنفط متوسط الحموضة) مقابل خام برنت، وبما أنه لم يتم تعطيل الكثير من النفط الروسي، فإن التأثيرات على أسعار النفط الخام الثابتة ستكون ضعيفة».
خريطة النفط
من جهته، يشير آندي ليبو رئيس شركة Lipow Oil الأمريكية، في تصريحات خاصة لـ«البيان» إلى أن سياسة التعريفات الجمركية التي يقترحها الرئيس ترامب سيكون لها التأثير الأكبر في سوق النفط الخام في أمريكا الشمالية؛ نظراً للترابط بين أسواق الطاقة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
وخلال الأشهر الـ11 الأولى من العام 2024، قامت الولايات المتحدة بمعالجة 16.2 مليون برميل يومياً من النفط الخام، واستوردت ما يقرب من 6.6 ملايين برميل يومياً من النفط الخام 61% جاءت من كندا، و7% من واردات النفط الخام من المكسيك.
ومن بين 4.1 ملايين برميل يومياً من الواردات الكندية، تم تسليم ما يقرب من 3 ملايين برميل يومياً عبر خط أنابيب عبر الحدود الأمريكية الكندية. ويشير ليبو إلى أن المنتجين الكنديين يحتاجون إلى مصافي التكرير الأمريكية كعملاء وتحتاج مصافي التكرير الأمريكية إلى منتجي النفط الكنديين كموردين.
يضيف ليبو: إذا كان فرض التعريفات الجمركية على المكسيك وكندا فقط، فإن المنتجين الكنديين سيحولون أكبر قدر ممكن من النفط بعيداً عن الولايات المتحدة إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية. وبما أن كل النفط الخام المكسيكي يتم تسليمه بواسطة ناقلات النفط، فسوف يكون من السهل عليهم تحويل نفطهم بعيداً عن سوق الولايات المتحدة أيضاً.
ومع ذلك، إذا قررت الولايات المتحدة فرض تعريفة بنسبة 10% على جميع واردات الطاقة، يتوقع رئيس شركة Lipow Oil ارتفاع سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى مستوى التكافؤ مع الواردات، وهو ما يزيد بدوره من سعر البنزين ووقود الديزل الذي سيدفعه المستهلك في الولايات المتحدة.
ومن غير المرجح أن تؤثر التعريفة الجمركية في جميع الواردات على سعر خام برنت، لأنه لا يوجد تغيير قصير الأجل في صورة العرض والطلب في العالم، على حد وصفه. ومنذ تنصيب ترامب في 20 يناير، تواجه أسعار النفط ضغوطاً واسعة، أسفرت عن تراجعات بأكثر من 6%، وهو ما يتماشى مع رؤية الرئيس الأمريكي، الذي يطالب أيضاً المنتجين بزيادة الإنتاج، كما يرفع شعار «الحفر» متخذاً مواقف مناوئة لسلفه جو بايدن منذ اليوم الأول فيما يتعلق بتصاريح التنقيب والحفر في الولايات المتحدة.
إمدادات روسية
على الجانب الآخر، فإنه من المرجح أن يتسبب أي اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا في انخفاض أسعار النفط، بحسب ليبو، الذي يشدد على أن خفض التوترات يقلل من أي مخاطر جيوسياسية يتم أخذها في الاعتبار في السعر، لافتاً إلى أن الأمر الأكثر أهمية هو أن السوق تتوقع تخفيف العقوبات المفروضة على صناعة النفط الروسية، ما يسمح لروسيا بتوسيع قاعدة عملائها.
وفي حين وجدت روسيا بالفعل سبل التحايل على العقوبات، فإن رفعها يجعل من الأسهل بالنسبة لها بيع نفطها وزيادة إنتاجها في نهاية المطاف، وخاصة التنافس مع منتجي النفط في الشرق الأوسط.
خفض أسعار الطاقة
في السياق، يقول كبير محللي الأبحاث في شركة MST Financial، سول كافونيك، لـ«البيان» إن سياسات التعريفات الجمركية تثير المخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي نمو الطلب على النفط، موضحاً أن الرئيس ترامب يستخدم تهديداته بالتعريفات الجمركية للضغط على بعض الدول لإنتاج المزيد من النفط، كجزء من أجندته لخفض أسعار الطاقة.
ويشير إلى أنه بينما تم (تأجيل) التعريفات الجمركية المحددة على واردات النفط من كندا والمكسيك، لكنها أثارت احتمال زيادة الاضطرابات في تدفقات التجارة والخدمات اللوجستية، مشدداً على أن مفاوضات ترامب التجارية تفيد منتجي الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، حيث يتطلع العديد من الأطراف المقابلة التجارية إلى شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي لموازنة العجز التجاري كجزء من المفاوضات، في حين الاستثناء هو الصين التي فرضت تعريفات جمركية على الغاز الطبيعي المسال الأمريكي كجزء من الحروب التجارية المتصاعدة.
أما بخصوص التأثير المحتمل لأي اتفاق سلام في أوكرانيا على أسواق النفط العالمية، فيقول: «استمر تدفق النفط الروسي بأقل قدر من الاضطراب منذ العام 2022، بغض النظر عن نظام العقوبات النفطية الضعيف نسبياً الذي تم وضعه»، مشيراً إلى أن إنهاء الحرب، إذا حدث، لن يؤدي إلى زيادة ملموسة في صادرات النفط الروسية، حيث لم تنخفض كثيراً، في حين قد تصبح تدفقات الغاز الطبيعي أكثر كفاءة، وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض علاوة المخاطر.
وقد يؤدي حل الحرب في أوكرانيا إلى تأثير أكبر بكثير في أسواق الغاز، حيث توقف تدفق معظم الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا منذ عام 2022. وقد يؤدي تدفق إمدادات الغاز الروسي العائدة إلى قمع أسعار الغاز وبما يقود إلى تحول متواضع من النفط إلى الغاز، ما قد يخفف الطلب على النفط بشكل أكبر، بحسب كافونيك.
