الصين تسبق أمريكا فى السيطرة على الطاقة النظيفة

تُظهر البيانات الجديدة أن النظام العالمي للطاقة النظيفة يدخل مرحلة حاسمة، إذ حققت الصين إنجازًا غير مسبوق في تركيب الطاقة الريحية والطاقة الشمسية خلال سنة واحدة فقط، يفوق إجمالي الطاقة المتجددة التي تعمل في الولايات المتحدة حاليًا. هذه الإحصائية المذهلة تلخص بشكل كامل التقدم السريع الذي حققته الصين في مجال الطاقة المتجددة، بينما تتراجع أمريكا بشكل كبير في هذا السباق الحاسم.

وفقًا لما أظهره تقرير منظمة " منظمة غلوبال انيرجي مونيتور "، كانت أمريكا بالفعل متخلفة عن الصين قبل هذا الإنجاز، ولكن قرار الرئيس السابق "دونالد ترامب" بإقرار قانون الإنفاق الذي قلص الدعم للطاقة النظيفة، أدى إلى تعزيز مكانة الصين كمُنافس رئيسي في هذا المجال، وأكدت تحليلات خبراء الطاقة أن هذا القانون سيجعل الولايات المتحدة تقف عاجزة أمام الصين في ميدان الطاقة النظيفة، وتصبح أكثر عرضة للخسارة في سباق السيطرة على التكنولوجيا والموارد المستقبلية.

وفي التفاصيل، فإن قانون الإنفاق الذي وقعه "ترامب" في بداية الشهر الجاري ، يحد بشكل كبير من الاعتمادات الضريبية المخصصة لمشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما سيرفع أسعار الكهرباء ويقلل من جاذبيتها الاقتصادية، إذ ستُستبدل المصادر الأرخص، كالرياح والطاقة الشمسية، بمصادر أكثر تكلفة مثل الغاز الطبيعي. وهذا يضع الصناعة في موقف حرج، خاصة وأن التمويل الذي يدعم الابتكار في تقنيات البطاريات والتكنولوجيا الأكثر كفاءة يُسحب تدريجيًا، مما يعوق جهود التقدم نحو طاقة أكثر استدامة.

وفي المقابل، تواصل "الصين" بناء قدرات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، حيث يتم حاليًا إنشاء "510 جيجاوات" من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على مستوى المرافق، وهو رقم يضاف إلى الـ "1400 جيجاوات" الموجودة بالفعل على الشبكة، وهو ما يمثل خمسة أضعاف القدرات الحالية في "الولايات المتحدة".

ويؤكد "لي شوو"، مدير مركز المناخ في "الصين" في "معهد سياسات آسيا"، أن "اللعبة قد انتهت بالفعل وأصبحت قوة أمريكا متزايدة  في هذا المجال ، إلا أن حجمها لا يقارن بما حققته "الصين"، إذ تولد مصادر الطاقة النظيفة في "أمريكا" حوالي "85%" من الكهرباء الجديدة التي دخلت الشبكة خلال السنوات الأخيرة، ومع ذلك، فإن مستقبلها مهدد بسبب السياسات الحالية التي توقف مشاريع البناء الجديدة.

حاليًا، يوجد في "الولايات المتحدة" حوالي "275 جيجاوات" من طاقة الرياح والطاقة الشمسية تعمل، مع وجود مشاريع مخططة لإضافة "150 جيجاوات" أخرى حتى عام "2031"، لكن هذه المشاريع مهددة بسبب قانون "ترامب", الذي يسرع إلغاء الدعم المالي، مما يهدد بتقليل القدرة على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، خاصة مع الاعتماد المتزايد على الغاز الطبيعي كمصدر بديل.

وفي الصين، يتزايد اعتماد البلاد على الطاقة المتجددة بشكل ملحوظ، حيث كانت الصين مسؤولة عن أكثر من نصف مشاريع الطاقة الشمسية الجديدة في عام "2024"، وأضافت ثلاثة أضعاف ما أُضيف في الولايات المتحدة.

ووفقًا لما ورد في التقرير  فإن جزءًا من هذا الاندفاع يأتي من رغبة المطورين الصينيين في استغلال الإعانات الحكومية التي انتهت في يونيو، مما دفعهم إلى الإسراع في بناء المشاريع.

أما في بكين، فإن الانتقال نحو الطاقة النظيفة بات  واضح جدًا، حيث يُصعب العثور على سيارات تعمل بالغاز في الشوارع، مع تزايد استخدام السيارات الكهربائية بشكل كبير، حتى أن جميع سائقي "أوبر" هناك يقودون سيارات كهربائية.

 ويشير التقرير إلى أن تكلفة تشغيل السيارة الكهربائية أقل بكثير من السيارة التي تعمل بالبنزين، وأن هناك اعتقادًا قويًا بأن "الصين" قد بلغت ذروتها في استهلاك النفط، مع تزايد استخدام السيارات الكهربائية وتراجع الاعتماد على الفحم.

لكن هناك قلق حول قدرة قطاع الكهرباء في "الصين" على استبدال الفحم بشكل كامل، حيث يظل دعم القطاع بالفحم قويًا، رغم أن الطاقة المتجددة بدأت تقتضي حصة أكبر من مزيج الطاقة الكلي.

وإذا استمرت هذه الاتجاهات، فإن "الصين" قد تتمكن من تقليل التلوث الناتج عن غازات الاحتباس الحراري دون الاعتماد بشكل كبير على الفحم.

أما في الولايات المتحدة، فإن ارتفاع تكاليف الكهرباء قد يعيق النمو الاقتصادي، ويمنع الشركات من البناء والتوسع، خاصة مع تأخر مشاريع محطات الغاز الطبيعي بسبب القيود الحالية، مما يهدد بتراجع القدرة التنافسية للصناعة الأمريكية، ويؤثر على مراكز البيانات والمنشآت الصناعية الكبرى،ويبدو أن السباق نحو مستقبل أكثر استدامة قد حُسم لصالح "الصين"، ما قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في موازين القوة الاقتصادية والتكنولوجية على مستوى العالم.