"أزمة الذهب الأصفر".. الكرواسون والشوكولاتة يدفعان الثمن

تعتمد كعكات الشوكولاتة والكرواسون الشهيرة على الزبدة كمكون أساسي ولكنه أصبح نادراً بشكل متزايد، ما يجعل المخابز تكافح من أجل توفيرها، وتتحمل تكلفة كبيرة في إيجاد بدائل مناسبة.

فالمخابز الشهيرة في فرنسا مثل مخابز ماميش الباريسية لم تعد قادرة على توفير كمية ثابتة من زبدة التوراج الفرنسية، وهي نوع من الزبدة المسطحة المستخدمة في صنع المعجنات، والمصادر البديلة تأتي بتكلفة أعلى ما يرفع أسعار الكرواسون والشيكولاتة وفقاً لوكالة "بلومبيرغ".

تقترب أسعار الزبدة في معظم أنحاء العالم من مستويات قياسية، ويعود ذلك إلى تفاعل معقد بين عدة عوامل، منها التحديات التي يواجهها مزارعو الألبان من فرنسا إلى نيوزيلندا، والتغيرات في شهية المستهلكين الآسيويين التي تُحفّز الطلب العالمي، والقرارات التجارية التي يتخذها مُصنّعو الحليب دفاعاً عن أرباحهم، وهو ما يزيد الضغوط على تكلفة الأطعمة المفضلة لدى المستهلكين.

يأتي حوالي 70% من الزبدة المُصدّرة عالمياً من مكانين: أوروبا ونيوزيلندا، في عام 2025 سجلت المخزونات لديهما انخفاضاً تاريخياً، وقد أدّى هذا النقص في المعروض إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة.

جذور الأزمة

يمكن إرجاع جذور هذه الأزمة إلى عام 2022، عندما بلغ سعر الحليب في أوروبا ذروته حيث أثر التضخم وتكاليف الوقود بشدة على المزارعين، مما دفع مصنعي الألبان إلى البحث عن أفضل طريقة لتحقيق أقصى قدر من الأرباح.

تُصنع الزبدة بإزالة الكريمة من الحليب الخام وخضّها، بعد اكتمال العملية، يتبقى لدينا الزبدة واللبن الرائب، واللبن الرائب "له بعض الاستخدامات الصناعية، وإن كانت محدودة نسبياً"، وفقًا لمونيكا توثوفا، الخبيرة الاقتصادية في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، ويُستخدم في بعض أغراض الطهي، وفي صنع منتجات ألبان أخرى، وكعلف للماشية.

في المقابل، يقول توثوفا: "عند صنع الجبن، تُعالَج كمية الحليب كاملةً"، حتى المُنتَج الثانوي من صناعة الجبن، والذي يُسمى مصل اللبن، مطلوبٌ بشدة من قِبَل مُصنِّعي الأغذية التجارية لإضفاء النكهة والتغذية، أو من قِبَل مُمارسي الرياضة لزيادة البروتين في أنظمتهم الغذائية.

يُنتج مُصنّعو الألبان في الاتحاد الأوروبي كميات متزايدة من الجبن. ونتيجةً لذلك، انخفض إنتاج الزبدة في الاتحاد الأوروبي بشكلٍ مُطرد، ومن المُتوقع أن يصل هذا الموسم إلى أدنى مستوى له في ثماني سنوات، وفقًا لتقديرات وزارة الزراعة الأمريكية.

تقلص قطعان المزارعين

كما أن إنتاج الحليب نفسه أصبح أكثر صعوبة، ففي أوروبا، تتقلص أحجام قطعان المزارعين بسبب الضغوط المالية، ويواجهون الآن مخاطر متزايدة على أبقارهم بسبب فيروس اللسان الأزرق، وفقًا لخوسيه سايز، محلل سوق الألبان في وكالة إكسبانا لتقارير الأسعار، كما ينتشر مرض الجلد العقدي، الذي قد يحد من إنتاج حليب الأبقار المصابة، في إيطاليا وفرنسا.

وكما فقدت الزبدة شعبيتها لدى مصنعي منتجات الألبان، فإن المستهلكين أصبحوا يفضلونها بشكل أكبر، وخاصة في آسيا.

نمو الاستهلاك العالمي

من المتوقع أن ينمو الاستهلاك العالمي للزبدة بنسبة 2.7% في عام 2025، متجاوزًا الإنتاج، وفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية. في الصين، نما الطلب بنسبة 6% في عام واحد فقط، وارتفع الاستخدام في تايوان بين عامي 2024 و2025 بنسبة 4%، بينما ارتفع في الهند، أكبر مستهلك في العالم، بنسبة 3%.

تحرص سلسلة مخابز "بيكهاوس" الفرنسية في هونغ كونغ على مواكبة تغير أذواق المستهلكين الآسيويين، ويبلغ استهلاكها السنوي من الزبدة حالياً حوالي 180 طناً، بزيادة قدرها 96 طناً عن العام السابق بعد افتتاح متجرين جديدين، بالإضافة إلى 180 طناً أخرى من الكريمة، وفقًا للمؤسس المشارك غريغوار ميشو. وتشتري الشركة منتجاتها فقط من موردين معروفين، حيث تتمتع نيوزيلندا بسمعة ممتازة.

نيوزيلندا ومنتجات الألبان

وفي نيوزيلندا، التي تعد من كبار مصدري منتجات الألبان وتنتج نحو 2.5% من إمدادات الحليب العالمية، لم يعد إنتاج الزبدة بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة، حيث يتقلب حول 500 ألف طن سنويا منذ عام 2020.

كما هو الحال في باريس، أجبرت ندرة المعروض وارتفاع أسعار الزبدة مخبز هونغ كونغ على التعامل مع ثلاثة موردين مختلفين خلال فترة وجيزة - من أستراليا إلى نيوزيلندا ثم بلجيكا. والآن، يتطلعون على الأرجح إلى مورد رابع.

ويتناول المستهلكون الغربيون أيضًا كميات أكبر من الزبدة، والتي كانت محظورة لسنوات عديدة بسبب كونها غير صحية، حيث يتطلعون إلى إزالة الأطعمة فائقة المعالجة من أنظمتهم الغذائية.

قالت سوزي ستانارد، كبيرة محللي منتجات الألبان في مجلس تنمية الزراعة والبستنة في المملكة المتحدة، إن مشتريات الزبدة الخام في المملكة المتحدة قد شهدت نمواً، وأضافت: "المستهلكون القادرون على تحمل التكاليف سيظلون يشترون الزبدة"، لكنهم ليسوا بمنأى عن ضغوط الأسعار.

بديل الزبدة

في مطعم مورشيلا الذي تم افتتاحه حديثًا في منطقة كليركينويل في لندن، تم استبدال الزبدة البنية والخبز اللذين كانا شائعين جداً في مطعمه، بيريلا في نيوينجتون جرين، بزيت الزيتون.

قبل ارتفاع الأسعار الأخير، قال بن ماركس، مدير مطابخ بيريلا: "كان من المفترض أن نضع كمية كبيرة من الزبدة في المقلاة لتحضير قطعة السمك واللحم، أما الآن، فقد أصبح الأمر أكثر ذكاءً".

من غير المتوقع أن ينعم المستهلكون براحة البال قريباً. كما تتأثر أسعار الزبدة بالصراعات العالمية، وانقطاعات سلاسل التوريد، وحروب الرسوم الجمركية التي أضرت بسائر السلع.

وفي ظل "هذه السوق الساخنة للغاية"، أصبحت شركة بيكهاوس في هونج كونج تعطي الأولوية الآن للزبدة من الموردين الأقرب لتجنب فقدان الإمدادات، حسبما قال ميشود.

وقال أورسوني إن ماميش سوف تتحمل التكلفة الأعلى للزبدة للحفاظ على أسعار المواد الغذائية الفرنسية الأساسية في متناول عملائها، لكن ماركس من بيريلا قال إنه "أمر لا مفر منه" أن يواجه رواد المطاعم أسعاراً أعلى.

الحر يضرب الزبدة

كما قد تُفاقم موجة الحر التي شهدتها أوروبا في الأسابيع الأخيرة الوضع. إذ قد يُقلل ارتفاع درجات الحرارة من إنتاج الأبقار الحلوب، ويزيد الطلب على منتجات أخرى تُنافس الزبدة على الكريمة الدهنية المُستخرجة من سطح الحليب.

وقال ستانارد إن قيام مشجعي التنس بتناول الكريمة مع الفراولة أثناء مشاهدتهم لبطولة ويمبلدون، أو قيام العمال بتناول الآيس كريم في ساحات المدينة، "لا يمكن إلا أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الزبدة".