تتقدم دبي بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانتها كونها إحدى أبرز عواصم الموضة العالمية، لتنافس مدناً تاريخية مثل ميلانو وباريس. فبفضل استثمارات ضخمة في البنية التحتية التجارية، وانتشار لافت للعلامات العالمية، أصبحت الإمارة وجهة أولى للتسوق والموضة في المنطقة.
وتشير أحدث البيانات إلى أن نحو 90% من علامات الأزياء غير الفاخرة و88% من علامات الأزياء والإكسسوارات الفاخرة توجد في الإمارات، وهي نسب تُصنّف من بين الأعلى عالمياً. ومع خطط توسعية ترفع المساحات التجارية داخل الدولة بنسبة 20% بحلول عام 2030، يترسخ دور دبي لاعباً رئيسياً في صياغة مستقبل الموضة.
وتستقطب دبي أكثر من 17 مليون سائح سنوياً، إضافة إلى شريحة واسعة من السكان ذوي الدخل العالي، ما يجعلها سوقاً مثالياً لعلامات الرفاهية، كما سجل «دبي مول»، أكبر مركز تجاري في العالم، رقماً قياسياً جديداً في عدد الزوار خلال عام 2024، حيث استقبل حوالي 111 مليون زائر، بنمو 5.7%، متفوقاً بذلك على الأرقام القياسية التي حققها في العام 2023.
جاذبية دبي
وقال أندريا بيروبون، شريك في مجموعة «بوسطن» الاستشارية – الشرق الأوسط لـ«البيان»، إن الاستثمارات الضخمة في قطاع الموضة بدبي، ممثلاً في عدد العلامات التجارية العالمية التي افتتحت مقرات أو معارض رئيسية، تجعلها منافساً واقعياً لمدن مثل ميلانو وباريس.
وأضاف: تعزز الاستثمارات في البنية التحتية وحضور العلامات التجارية الراسخ من جاذبية ومكانة دبي مركزاً عالمياً للأزياء، ومن المتوقع أن تنمو المساحات التجارية داخل الإمارات بنسبة 20% بحلول 2030، في وقت يبلغ فيه معدل المساحة المؤجرة القابلة للتجزئة للفرد الواحد في دبي 1.2 متر مربع، وهو أعلى بكثير مقارنة ببقية مدن دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد استوعبت العلامات التجارية العالمية هذا الحجم وأدركت مدى أهميته؛ إذ توجد في الإمارات 90% من علامات الأزياء غير الفاخرة و88% من علامات الأزياء والإكسسوارات الفاخرة، وهي من أعلى نسب الانتشار عالمياً. وتابع: تترسخ مكانة دبي الرائدة واجهة رئيسية، لتزيد القدرة التنافسية العالمية لمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي، كما يكتسب قطاع السلع الفاخرة أهمية خاصة، إذ يعد من أبرز الأسواق العالمية في دول مجلس التعاون الخليجي، والإمارات على وجه الخصوص.
سوق أزياء رائد
ومع ذلك، يقول بيروبون إن أبحاثاً مشتركة بين «بوسطن كونسلتينج جروب» و«ألتاغاما» تُظهر أن المستهلكين الأثرياء في دول مجلس التعاون غالباً ما يشعرون بأن مستوى الخدمة الذي يحصلون عليه أقل مقارنة بعواصم الموضة العالمية مثل باريس أو ميلانو، بسبب التنوع المحدود في الخيارات وضعف التخصيص في خدمات تجربة العملاء، وهو ما يخلق فرصة بالغة الأهمية لدبي في دمج بنيتها التحتية الاستثنائية في قطاع التجزئة مع أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء. وتعد حالات الاستخدام مثل التفاعل الفائق التخصيص، وإدارة علاقات العملاء الذكية، وبرامج الولاء المُصممة خصوصاً، عناصر أساسية متزايدة الأهمية لتقديم مستوى الخدمة الفردية الذي يتوقعه مستهلكو السلع الفاخرة.
وعن حجم سوق الأزياء في الإمارات، وخصوصاً دبي، من حيث الإنفاق الاستهلاكي والإيرادات السنوية، وكيف يتوقع أن يكون مسار نموه مستقبلاً؛ قال أندريا: تبلغ قيمة سوق الملابس والأحذية والملابس الرياضية في الإمارات حالياً نحو 17 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 22 مليار دولار بحلول 2028 بمعدل نمو سنوي قوي يبلغ 6%. وتستحوذ الملابس على نحو 70% من إجمالي الإنفاق، في حين تشكل الأحذية والملابس الرياضية النسبة المتبقية.
وأضاف: يستند هذا النمو إلى مكانة دبي كونها سوق أزياء رائداً ووجهة تعد الأبرز في قطاع الأزياء بمنطقة مجلس التعاون الخليجي، حيث تجمع بين بنية تحتية تجارية عالمية المستوى، ومعدلات إنفاق مرتفعة للفرد، وحركة سياحة دولية نشطة. وقد استقبل «دبي مول» وحده أكثر من 111 مليون زائر في عام 2024، ليصبح من بين أكثر الوجهات التجارية زيارة على مستوى العالم. ومن المتوقع أن يظل قطاع السياحة محركاً رئيسياً للنمو، إذ تستهدف الإمارات جذب 40 مليون زائر سنوياً بحلول 2030، بما يعزز مكانة دبي وجهة عالمية جاذبة للعلامات التجارية والمتسوقين على حد سواء.
التحول بالذكاء الاصطناعي
ورداً على سؤال حول تقنيات الذكاء الاصطناعي وهل يمكن أن تسهم في رفع كفاءة قطاع الأزياء في دبي وأن تحقق زيادة في الإنتاجية مقارنة بالطرق التقليدية، قال أندريا بيروبون: يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل قطاع الأزياء وعالم الموضة بطرق ملموسة قابلة للقياس، حيث يمكن للتطبيقات المتطورة، مثل أنظمة تخطيط سلاسل التوريد وإدارة المخزون، أن تقلل من حالات نفاد مخزون المنتجات بنسبة تصل إلى 20% وتحد من حالات الفائض في المخزون بنسبة 15 %. كما أن أدوات جدولة العمالة تحقق وفورات في تكاليف القوى العاملة تصل إلى 10%.
وأضاف: في الوقت نفسه، ساعدت محركات التسعير المعتمدة على الذكاء الاصطناعي علامات تجارية مثل «ليفايز» على رفع متوسط أسعار البيع بنحو 10% من دون التأثير في حجم الطلب. وعلى الصعيد العالمي، أرست شركات رائدة مثل «زارا» معايير جديدة عبر أداة تخطيط شاملة تعمل بالذكاء الاصطناعي؛ حيث تدمج التنبؤ بالطلب وتوزيع المخزون وتخصيص المتاجر وتنفيذ الطلبات عبر القنوات المختلفة، ما أدى إلى تقليص حالات نفاد المخزون بنسبة 20% ورفع الكفاءة التشغيلية، لكن في الوقت نفسه من المهم أن نلحظ أن توسيع نطاق هذه التطبيقات ما زال يشكل تحدياً رئيسياً، رغم أن شركات عدة تقوم بإجراء تجارب على حالات استخدام الذكاء الاصطناعي، إذ تُظهر الأبحاث التي أجرتها «بوسطن كونسلتينج جروب» أن أقل من 30% من شركات الأزياء والسلع الفاخرة عالمياً قادرة على تحقيق قيمة ملموسة من الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.
ولا تكمن الأسباب في التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في وجود إشكالات سابقة تتمثل في كيفية إدارة البنية التحتية لتقنية المعلومات وإدارة البيانات وضعف عملية التكامل بينهما، إلى جانب ضعف الاستثمار في رأس المال البشري وإدارة التغيير.
وأوضح: يعتمد نجاح التحول بالذكاء الاصطناعي بنسبة 70% على العنصر البشري والعمليات، و20% على التكنولوجيا، و10% فقط على الخوارزميات، أما الشركات التي تنجح في تجاوز هذه العوائق فإنها تحقق نمواً في الإيرادات بمعدل 1.5 مرة أكثر، وعوائد للمساهمين أعلى بمعدل 1.8 مرة مقارنة بنظرائها.
منصة مثالية
وعن التجارب الغامرة، مثل الواقع المعزز والمتاجر الذكية، ومدى قدرتها على تعزيز تجربة العميل، قال أندريا بيروبون: يشهد قطاع الأزياء حقبة جديدة من التجارب الغامرة التي تمزج بين العالمين الواقعي والرقمي. فما زالت الابتكارات داخل المتاجر مثل المرايا الذكية وخاصية التجربة بالواقع المعزز (AR Try-on) في مراحلها الأولى، لكنها أثبتت بالفعل قدرتها على زيادة مدة بقاء المتسوقين وتعزيز ارتباطهم بالعلامة التجارية.
وتابع: على المستوى العالمي، من المتوقع أن يبلغ حجم سوق تقنيات الواقع المعزز والافتراضي في قطاع التجزئة نحو 18 مليار دولار بحلول 2028. أما عبر الإنترنت، فقد أصبحت الفوائد أكثر وضوحاً، إذ نجحت منصات مثل «زالاندو» في استخدام الذكاء الاصطناعي لتخصيص الصفحات الرئيسية، وتوصيات المنتجات، والإعلانات؛ ما أسهم في رفع معدلات التحويل بنسبة تراوح بين 10% و15% على نطاق واسع. وفي دبي، حيث تعد المراكز التجارية وجهات وأسلوب حياة متكاملاً، يُتوقع لهذه التقنيات أن تعيد صياغة تجربة التسوق لتصبح أكثر ثراءً وتفاعلية.
واختتم أندريا بيروبون حديثه قائلاً: بفضل سوق تبلغ قيمته 17 مليار دولار ووجهات تسوق عالمية المستوى مثل «دبي مول» والدور المتنامي للتقنيات الغامرة والذكاء الاصطناعي، لا تكتفي دبي بمواكبة عواصم الأزياء العالمية، بل ترسخ مكانتها الرائدة بوابة إقليمية ومعرضاً عالمياً. وبالنسبة إلى العلامات التجارية، تقدم المدينة مزيجاً فريداً يجمع بين الحضور الفوري والمنصة المثالية لاستكشاف مستقبل صناعة الأزياء وتجربته من قرب.
تنمية المواهب الإبداعية
من جانبها، أكدت خديجة البستكي، النائب الأول لرئيس مجموعة تيكوم – حي دبي للتصميم، أن دبي تواصل الاضطلاع بدور ريادي في نمو قطاع الأزياء على المستوى العالمي، عبر التحفيز على الابتكار وتنمية المواهب الإبداعية وتوفير بيئة الأعمال والبنية التحتية المتطورة التي تُمكّن المبدعين والمبتكرين من مختلف أنحاء العالم.
وقالت: تواصل دبي تعزيز مكانتها عاصمة عالمية للموضة ووجهة مفضلة لكبريات الشركات العالمية وأبرز المواهب في مجالات الإبداع والتصميم والأزياء. ونحرص في حي دبي للتصميم على مواصلة دورنا المحوري في الارتقاء بقطاعي التصميم والأزياء من خلال توفير بيئة أعمال متكاملة وجاذبة لصناع التصميم والموضة، مدعومة بالمقوّمات والمنصات المبتكرة كافة، مثل: أسبوع دبي للتصميم، وأسبوع دبي للموضة، ومعرض «ديزاين نكست» وحاضنة الأعمال in5 للتصميم، بما يسهم ترسيخ مكانة دبي مركزاً عالمياً للاقتصاد الإبداعي.
منظومة فريدة
بدوره، قال هيثم حجار، المدير التنفيذي للمراكز التجارية الإقليمية في «الفطيم العقارية»، إن دبي تؤكد يوماً بعد يوم مكانتها كونها واحدة من أبرز العواصم العالمية في عالم الموضة، بفضل منظومتها الفريدة التي تمزج بين التجارة والإبداع، وتعيد تعريف مفهوم تجربة التسوق.
وأضاف: تعد دبي من المدن القليلة في العالم التي تنجح في الجمع بين منظومة تجارة تجزئة متكاملة وقطاع سياحي مزدهر وشريحة سكانية شابة مواكبة للموضة تتمتع بقوة شرائية عالية، موضحاً أن هذا المزيج الاستثنائي، إلى جانب البنية التحتية المتطورة ونمط الحياة العصري، يجعل من دبي وجهة رائدة قادرة على منافسة عواصم الأزياء الكبرى مثل باريس وميلانو.
فهي لا تكتفي بعرض الموضة بل تقدم تجربة متكاملة تتجاوز المنصات التقليدية، حيث يمكن للزوار التسوق من أشهر العلامات العالمية، واكتشاف مصممين صاعدين، والاستمتاع بتجارب ضيافة وترفيه عالمية المستوى ضمن وجهة واحدة. ورأى حجار أن ما يميز دبي فعلاً هو دورها المتنامي كونها محركاً للإبداع وبيئة حاضنة للمواهب، إذ لا تقتصر جهودها على الجانب التجاري، بل تمتد لتشمل الاستثمار في بناء منظومة مبتكرة تدعم المصممين والمبدعين.