في ظهيرة هادئة قبل فترة في مطعم بدبي، جلس أحمد أويتون جاكر، يفكر في فكرة جديدة يضيفها إلى قائمة الطعام. فجأة لمعت في ذهنه فكرة الاستعانة بتشات جي بي تي. وخلال ثوان قدم له وصفة جديدة للحم الضأن المتبل، وعندما جربها تذكر أحمد أنها كانت «مذهلة، حقاً مذهلة» على حد وصفه، كما ذكرت بلومبرغ. وسرعان ما وضعها في قائمة المطعم لتصبح «الأكثر مبيعاً»، ما أشعل فكرة أكثر جرأة وهي «ماذا لو أمكن لو كانت كل وصفات المطعم من ابتكار الذكاء الاصطناعي».
وبالانتقال إلى سبتمبر 2025، أطلقت شركة Gastronaut Hospitality التي يملكها جاكر مطعم Woohoo، وهو مفهوم يعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي، يقع على بعد خطوات قليلة من برج خليفة. المطعم، وتصفه المجموعة بأنه «مستقبل تناول الطعام»، يتصدره «الشيف أيمن»، وهو نموذج لغوي كبير تم تدريبه على آلاف الوصفات وتوليفات النكهات وبيانات الطعام. وتم تطوير «الشيف الآلي» من قبل نموذج ذكاء اصطناعي مخصص يدعى UMAI، الذي طورته شركة Vivid Studios ومقرها الإمارات، وصممت له كصورة رمزية «أفاتار»: لرجل قوقازي في منتصف العمر بنظارات فضية أنيقة وجاذبية خيال علمي غامضة.
أيمن لا يبذل مجهوداً جسدياً في الطهي؛ بل يبتكر، فهو يمكنه تحليل المكونات وتوليد توليفات نكهات غير تقليدية وكتابة وصفات مفصلة يقوم الطهاة البشريون في مطبخ Woohoo باختبارها بعد ذلك. ويمكن أن يستقبل أيمن الزوار بصورته على الشاشة وهو يتحدث بلهجة إماراتية تدل على أن أصوله من دبي. وعندما سئل عن المطعم، أجاب بحماس «سيكون نقطة تحول في مشهد الطهي، وأشعر أنني محظوظ جداً لكوني جزءاً منه».
ولسبب غير معروف فإن نحو 80% من قائمة Woohoo أطباق آسيوية تحظى بشعبية كبيرة، مثل سلطة البط المقرمشة، روبيان الروك تمبورا، مجموعة واسعة من لفائف السوشي، وأسياخ لحم الواجيو المغطاة بصلصة الكبد الدهني (فوا جرا). ولا تتطابق هذه الأطباق مع عينات قدمها فريق المطعم، متفاخراً بالشاورما المطبوعة ثلاثية الأبعاد، واللحوم المزروعة في المختبر. لكنها في الواقع قائمة تتميز بالعديد من الإبداعات التي تندرج تحت فئة الأطباق التجريبية.
على سبيل المثال، طبق «قلب الديناصور»، وهو طبق تارتار معاد تصميمه من لحم بقر الأنجوس المفروم، سمك الفوغو الياباني والأوتورو، يقدم على طبق مطاطي ينبض ببطء، ليجعل الطبق يتحرك حرفياً. التأثير درامي، وإن كان محفوفاً بالمخاطر. أما «البوراتا الجزيئية» (Molecular Burrata) فهي عش جبن كريمي بشكل لا يصدق مزين بكريات صغيرة شبيهة بالكافيار من اليوزو والطماطم. أما «جوزة بلاد ما بين النهرين»، المستوحاة من الثقافة العراقية، فتقدم لمسة عصرية على كرات لحم الضأن المطهوة بالبخار مع صلصة الرمان ورشة من رقائق الفلفل الكوري الحار.
حتى المشروبات، تحمل طابعاً مستقبلياً، حيث يجمع مشروب «رد المسافر»، في إشارة إلى التواصل مع آخرين من خارج كوكب الأرض، بين ماء الطماطم المصفى وعصير الأومي شو، وهو مشروب فاكهة ياباني مسكر، مع فشار مكرمل منكه بالميزكال. أما «الصدى الكوني»، الذي يصفه بارات بأنه «لقمة من الفضاء»، فهو خليط من التوت والرم والكركديه وشراب الليمون الأسود، وتستحضر رائحته المبهمة «الإيثيل فورمات»، وهو مكون كيميائي في درب التبانة. يقول بارات: «إذا نظرنا إلى الوراء، فإن ما كان في السابق خيالا علميا هو الآن حقيقتنا».
أما الحلويات تذهب أبعد من ذلك في استحضار الفضاء الخارجي بالفعل. وتقدم على هيكل يهدف إلى محاكاة نموذج للنظام الشمسي، حيث يخفي كل «كوكب» مفاجأة مختلفة من القائمة: موتشي حلو وحامض، حلوى الموز (بودنغ)، طبق فواكه شبيه بالجواهر، وآيس كريم في قشرة برتقالة. مع وصول الطبق الأخير، يتبادر إلى ذهنك تساؤل: هل الوجبات في Woohoo هي بالفعل لمحة عما يتجه إليه عالم تناول الطعام؟
انتهى مطعم الشيف أيمن من التشغيل التجريبي الهادئ. وسيتم افتتاحه رسمياً غداً 19 نوفمبر. وبالنسبة لـ UMAI، فإن Woohoo مجرد مشروع تجريبي. تخطط شركة التكنولوجيا لترخيص البرنامج لمطاعم أخرى في جميع أنحاء العالم، وإنشاء شخصيات طهاة آليين مخصصة وقوائم طعام خاصة بكل منطقة. ويقول محمد تراكومي، المؤسس المشارك لـ UMAI: «يمكن لهذه الأداة (الذكاء الاصطناعي) مراقبة المخزون، وتحسين قوائم الطعام، وإدارة الموظفين، وتقليل الهدر، وزيادة الأرباح في أي مطعم». ويضيف: «كلما حصلت على المزيد من البيانات، أصبحت أذكى».
وتظهر الدراسات أن المطابخ الأكثر ذكاء يمكنها تقليل الهدر المهمل بنسبة تصل إلى 51% من خلال اعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي التي تتعقب وتحلل الهدر الذي يمكن تجنبه لتقليله. وقد جذبت هذه المبادرة اهتمام اللاعبين الرئيسيين في اقتصاد الأغذية والمشروبات – مثل Unilever و Walmart وMcDonald’s ومورد أدوات الوجبات HelloFresh من بينهم، الذين يجربون الخوارزميات لتبسيط سلاسل التوريد.
تمت برمجة الشيف أيمن لمواصلة التعلم، وتطوير تفضيلاته وأذواقه الخاصة، وحتى أن تكون لديه لحظات يكون فيها متقلب المزاج. وقال تراكومي «لقد أنشأنا شيفا آليا يتمتع بشخصية وصاحب موقف». ويقال إنه استخدم حق النقض (الفيتو) ضد المتقدمين للوظائف الذين اعتبرهم غير مناسبين للمطبخ المستقبلي.
أيمن، الذي بلغت تكلفة تطويره نحو 1.1 مليون دولار نحو (4 ملايين درهم)، يثبت بالفعل فائدته خارج عمليات المطبخ. لقد أصبح وجه علامة Woohoo التجارية، حيث يقوم ببطولة بودكاست يتواصل فيها مع قادة الصناعة. حتى مظهره المشابه لمبرمجي التكنولوجيا تم تصميمه بواسطة الذكاء الاصطناعي أيضا، باستخدام تحليلات لمتوسط شخصية الطهاة المؤثرين لصياغة مظهر مصمم ليحظى بجاذبية عالمية واسعة، وفقا لتراكومي.
ورغم أن أيمن يتحدث وكأنه شيف متصل بالشبكة، إلا أن السؤال لا يزال مطروحا: هل يمكن لآلة مدربة على البيانات والأنماط أن تكرر الحدس الذي يتمتع به الشيف البشري المخضرم؟ وهل سيدفع رواد المطعم مبلغا إضافيا مقابل طعام صمم بواسطة الأكواد؟ هناك احتمال كبير أن يكون نموذج تناول الطعام المعتمد على البيانات مجرد لمحة من الاتجاه الحتمي للضيافة، حيث يصبح فيه الكفاءة والخوارزميات هي القاعدة.
إلا أن جاكر أصر أنه أن الذكاء الاصطناعي لن يطغى أبدا على قائمة الطعام. وقال «لا نريد أن يسيطر على الطعام». ولضمان التوازن، استعان بالشيف ريف عثمان، وهو خبير مخضرم، للإشراف على تنفيذ مفاهيم الذكاء الاصطناعي. وقال عثمان «أنا فقط أقوم بضبطها قليلا لتناسب نكهاتنا».
