وحافظت دبي على ثقة المستثمرين بفضل منظومتها التشريعية المتقدمة وهيئاتها التنظيمية مثل VARA، التي أشرفت على تداولات أصول افتراضية بلغت قيمتها نحو 2.5 تريليون درهم في 9 أشهر.
فقد بلغت قيمة التداولات التي تمت من خلال الكيانات الخاضعة لتنظيم VARA إلى ما يقرب من 2.5 تريليون درهم (681 مليار دولار) منذ بداية العام حتى أول أكتوبر الماضي.
وأشارت تقديرات تقريرين لـ«Economy Middle East» و«تشيناليسيس» إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تلقت أكثر من 30 مليار دولار من العملات المشفرة في الفترة بين يوليو 2023 ويونيو 2024. ما يصنف الدولة بين أفضل الدول على مستوى العالم في هذا الصدد.
الرقابة والإشراف
بل تتدرج وفقاً لنوع النشاط الذي تمارسه الجهة، وطبيعة قاعدة متعامليها (من الأفراد أو المؤسسات)، ومستوى المخاطر المرتبطة بالمنتجات. ويضمن هذا النهج تحقيق الاتساق في الرقابة والإشراف، مع الحفاظ على قدر من المرونة لاستيعاب الابتكار في مختلف التقنيات والاستخدامات.
كذلك تنفذ السلطة تجارب تجريبية محكمة لاختبار الابتكارات ضمن بيئة آمنة تحاكي الواقع العملي، بما يضمن تحقيق توازن دقيق بين التطور والاحتراز.
الحماية
نتبنى إطاراً متوازناً يجمع بين دعم الابتكار وحماية المستثمرين؛ فبدلاً من فرض حظر شامل، تضع السلطة قواعد تنظيمية مرنة تراعي طبيعة النشاط، وتتيح الابتكار المسؤول في المجالات الناشئة.
مثل الذكاء الاصطناعي والتمويل اللامركزي، مع ضمان نزاهة السوق وحماية المستثمرين من خلال معايير صارمة للامتثال والشفافية، كما نستخدم تقنيات إشراف متقدمة للكشف المبكر عن المخاطر أو الأنشطة المشبوهة، من بينها تحليلات مدعومة بالذكاء الاصطناعي والمراقبة في الوقت الفعلي.
ويسمح هذا النهج الاستباقي القائم على البيانات بحماية المستثمرين وترسيخ الثقة بالسوق من دون تقييد الابتكار، بما يضمن ازدهار المبتكرين الحقيقيين ضمن منظومة آمنة ومنضبطة.
كما توفر السلطة بيئات اختبار تنظيمية، مثل المختبرات التشريعية «صناديق الرمل» والبرامج التجريبية، متيحة للمبتكرين فرصة تجربة تقنيات أو نماذج رمزية جديدة تحت إشراف رقابي مباشر، وتساعد هذه البيئات على فهم التقنيات الناشئة وتطوير القواعد بما يتناسب معها، مع تحقيق توازن بين التجربة والمساءلة.
أما على الصعيد الدولي فقال ماكهيو إن السلطة تدرك أن الأصول الافتراضية والمخاطر المرتبطة بها عابرة للحدود، لذا تتعاون بشكل نشط مع الجهات التنظيمية الأخرى لوضع معايير مشتركة وتفادي تجزئة الأسواق، تعاوناً يسهم في ضمان تقدم الابتكار وحماية المستثمرين معاً في بيئة عالمية منسقة.
الأصول الرقمية
فغياب الضرائب على الدخل أو المكاسب الرأسمالية يجذب استثمارات ضخمة، إلى جانب سهولة التراخيص والدعم المصرفي والتنظيمي، ما يمنح الإمارات ميزة نادرة في الساحة العالمية للعملات الرقمية.
هل تُعتبر أوراقاً مالية، أم سلعاً، أم عملات؟ وتختلف الإجابة عن هذا السؤال من دولة إلى أخرى، ففي الولايات المتحدة تصنف العملات الرقمية أوراقاً مالية، فيما تعتبرها دول أخرى سلعاً أو تخضع للضرائب كأصول عقارية.
هذا الغياب لتوحيد المعايير يخلق ارتباكاً للشركات ويفتح ثغرات قانونية لبعض الجهات، على سبيل المثال قد يقوم غاسل أموال بتحويل أموال حصل عليها بشكل غير قانوني إلى «بيتكوين» عبر منصة تداول غير ملتزمة في دولة تصنف العملات الرقمية سلعاً ولديها لوائح ضعيفة، ثم يستخدم «مخلطاً» Mixers أو Tumblers لدمج العملة المشبوهة مع أموال مشروعة.
ويحول الأموال إلى منصة تمويل لامركزي DeFi في دولة أخرى، ويستبدل بها عملة رقمية خاصة، ثم يسحبها عبر بورصة خارجية ذات إجراءات تعرف على المتعامل ضعيفة، محولاً الأموال إلى نقد في دولة ذات تطبيق ضعيف لقوانين مكافحة غسل الأموال.
كما أن التعامل على «البلوك تشين» اللامركزي يجعل من الصعب تحديد أي قوانين دولة تنطبق على المعاملة أو المنصة التي تعمل عبر مناطق عدة، ما يزيد التعقيد التنظيمي. وقد أفاد تقرير من Chainalysis بأن التحقيقات العابرة للحدود غالباً ما تتعطل بسبب بطء إجراءات المساعدة القانونية المتبادلة.
وأن بعض المنصات الرقمية تتجاوز الطرق التقليدية، ما يصعب تتبع المعاملات وربط عناوين المحفظة بالهويات الحقيقية، خصوصاً عند ضعف أو غياب الالتزام بإجراءات التعرف على المتعامل ومكافحة غسل الأموال.
من أجل حماية المستثمرين
كذلك ينبغي تعزيز الأمن المؤسسي من خلال اعتماد المحافظ الباردة، والمصادقة متعددة التوقيع، وأنظمة كشف التهديدات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
كما يشهد سوق التأمين على العملات الرقمية توسعاً، حيث تقدر قيمته الآن بـ 4.2 مليارات دولار، على الرغم من أن 90% من المستثمرين المؤسسيين لا يزالون يعتبرون مخاطر الطرف المقابل هي الأهم.
هناك أيضاً توحيد اللوائح مثل قانون CLARITY الأمريكي لتعريف الأصول الرقمية، وقانون GENIUS الذي يفرض دعماً كاملاً للـ stablecoin، إضافة إلى تنظيم MiCAR الأوروبي.
تعزيز المرونة
كما يجب التوعية وإنفاذ القانون الاستباقي وتحسين متطلبات التعرف على المتعامل ومكافحة غسل الأموال للحد من التصيد والاحتيال، مع تزويد المستثمرين بالوعي العملي بأساليب حماية المحافظ.
وفي النهاية ومن أجل حماية المستثمرين لا بد من مزيج من التنظيم، والمسؤولية المؤسسية، والابتكار التأميني، والتعاون الدولي لتعزيز المرونة في بيئة الأصول الرقمية المتزايدة.
رؤية ومرونة تشريعية
فالدولة لا تكتفي بنسخ النماذج التنظيمية الناجحة من مراكز عالمية مثل سنغافورة أو سويسرا، بل تبني إطاراً يتماشى مع احتياجاتها الاقتصادية ورغبتها في أن تكون مركزاً مالياً عالمياً متقدماً.
كما أن البيئة الاستثمارية في الإمارات مدعومة ببنية تحتية متطورة، وسياسات جاذبة للمواهب ورؤوس الأموال، فضلاً عن قدرتها على اتخاذ قرارات سريعة تعكس ديناميكية السوق، ما يمنحها ميزة تنافسية واضحة.
لكن التحدي الأكبر أمام الجهات التنظيمية في الإمارات يكمن في الطبيعة العابرة للحدود لسوق الأصول الرقمية، فالمعاملات قد تتم بين أطراف في قارات مختلفة خلال ثوانٍ معدودة، ما يجعل مسألة مراقبة التدفقات المالية وضمان الامتثال لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عملية معقدة.
كذلك، هناك تحدٍ يتعلق بمواءمة القوانين المحلية مع الأطر التنظيمية الدولية من دون أن تفقد الإمارات قدرتها على الابتكار وجاذبيتها بصفتها مركزاً عالمياً. التوازن بين الحماية والمرونة هو العامل الحاسم في المرحلة المقبلة.
تحديات عالمية
وأوضح أن أبرز هذه التحديات تتمثل في اختلاف تعريفات الأصول ومتطلبات الترخيص، بما يسمح أحياناً بانتقال الأنشطة بين الولايات القضائية لتفادي الالتزامات.
إضافة إلى صعوبة تتبع العمليات في بروتوكولات التمويل اللامركزي والخدمات التي تعزز الخصوصية، فضلاً عن التحديات التقنية لتطبيق قاعدة السفر الخاصة بمجموعة العمل المالي FATF على مستوى دولي موحد.
والتي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال. لكن يوجد تقدم ملموس في التعاون الدولي لمكافحة الجرائم المالية المرتبطة بالأصول الرقمية، إلا أنه ما يزال بحاجة إلى مزيد من التنسيق.
وما يميز الدولة هو البنية التنظيمية المتعددة التي تجمع بين إطار اتحادي شامل وهيئات متخصصة مثل هيئة تنظيم الأصول الافتراضية في دبي VARA، وسلطة تنظيم الخدمات المالية في أبوظبي، وهيئة دبي للخدمات المالية، وهذا التنوع يمنح الشركات وضوحاً قانونياً وخيارات مرنة، مع حظر واضح لعملات الخصوصية، وتبني معايير صارمة لمكافحة غسل الأموال.
كما أن إصدار مركز دبي المالي العالمي قانون الأصول الرقمية لعام 2024، الذي حدد الطبيعة القانونية لهذه الأصول وحقوق ملكيتها، يمنح الإمارات ميزة استثنائية.
دان جونسون:
شون ماكهيو:
فيجاي فاليشا:
حسن الريس:
علاء نصر:
الجانب المظلم للعملات الرقمية
كان عليه دفع «ضريبة الخروج على أصوله»، التي شملت أكثر من 131 ألف بيتكوين بلغت قيمتها حينها نحو 114 مليون دولار (بسعر 871 دولاراً للبيتكوين)، لكن الادعاء يقول إنه قدم معلومات مضللة وناقصة قللت من قيمة ممتلكاته الفعلية.
وقد قدر الادعاء الأمريكي الخسائر الضريبية الناجمة عن ذلك بنحو 48 مليون دولار واجبة الدفع لمصلحة الضرائب (IRS) عن الفترة بين عامي 2014 و2017.
وتتضمن لائحة الاتهام الموجهة إلى فير 8 تهم جنائية: 3 تهم احتيال بريدي (قد تصل عقوبتها إلى 20 سنة لكل تهمة)، تهمتي تهرب ضريبي (العقوبة حتى 5 سنوات لكل تهمة) و3 تهم تقديم إقرارات كاذبة (عقوبتها حتى 3 سنوات لكل تهمة).
وكشف التحقيق عن أن الأموال انتقلت عبر 39 محفظة رقمية بطرق معقدة لإخفاء مصدرها، لكن بفضل تعاون وزارة العدل مع شركة «تيثر» ومنصات تداول كبرى مثل «كوين بيس» تم تجميد هذه الأصول.
القضية لم تقتصر على العقاب، بل تهدف أيضاً إلى إعادة الأموال إلى الضحايا، الذين قدر عددهم بالمئات وبلغت خسائرهم ملايين الدولارات.
لكن خلف هذا النجاح المدوي كانت الأرقام تخفي واقعاً مختلفاً، فبين عامي 2017 و2024، استقبلت كوكوين أكثر من 5 مليارات دولار، وأرسلت ما يزيد على 4 مليارات دولار من أموال اعتبرتها السلطات الأمريكية مشبوهة.
ورغم أنها لم تكن مرخصة للعمل في السوق الأمريكية فقد جذبت المنصة نحو 1.5 مليون مستخدم أمريكي نشط. ومن رسوم التداول فقط وفي 27 يناير الماضي وبعد مفاوضات مطولة مع السلطات جاءت التسوية بمجموع بلغ 297 مليون دولار.
ولم يتوقف الأمر عند الغرامات، فقد استبعدت كوكوين من السوق الأمريكي لمدة لا تقل عن عامين، وتخلى مؤسساها، تشون غان وكي تانغ، عن مناصبهما التنفيذية، ودفع كل منهما 2.7 مليون دولار مقابل تأجيل الملاحقة القضائية.
وتمكنت من جمع نحو 460 مليون يورو، قدمت على أنها فرص استثمارية مربحة عبر منصة وهمية مسجلة في هونغ كونغ. وقد بلغ عدد ضحايا هذه الشبكة العابرة للقارات أكثر من 5000 شخص من أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
