مع إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، اعتماد «منظومة الذكاء الاصطناعي الوطنية» عضواً استشارياً دائماً في مجلس الوزراء والمجالس الحكومية بدءاً من يناير 2026، تدخل الإمارات مرحلة جديدة من الحوكمة الذكية، حيث تُسند إلى الأنظمة الذكية مهام تحليلية واستشارية لدعم كفاءة السياسات في مختلف القطاعات.
هذا التوجه يضع شركات التكنولوجيا الكبرى العاملة في الدولة أمام فرصة جديدة للمشاركة الفعلية في بناء نموذج عالمي لحكومة المستقبل.
ويشير المحللون إلى أن دمج نظام الذكاء الاصطناعي على مستوى الوزارات والشركات الاتحادية من شأنه أن يُسرّع الحوكمة القائمة على البيانات، ويُقلّل من التأخر البيروقراطي، ويُعزز الترابط بين الإدارات، ويرفع كفاءة السياسات الحكومية المُعتمدة في جميع القطاعات. وأشادت صحيفة «ذا صن» البريطانية بالقرار قائلة: «ستكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ العالم التي يحظى فيها الذكاء الاصطناعي بمكانة بارزة في قمة دولة».
استراتيجية طموحة
ويقول حيدر نظام، رئيس شركة «زوهو» في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا: «في ظل تبنّي الذكاء الاصطناعي، ترسم دولة الإمارات ملامح مستقبل ذكي وريادي على المستويين الإقليمي والعالمي؛ فهي لا تتعامل مع الذكاء الاصطناعي كمجرد أداة تقنية، بل كركيزة استراتيجية شاملة تهدف إلى تحسين جودة الحياة، ورفع كفاءة الخدمات الحكومية، وتعزيز التنافسية الاقتصادية، ودعم الاستدامة.
ولقد برزت دبي كمركز عالمي رائد في مجال الذكاء الاصطناعي، مدفوعة برؤية استراتيجية طموحة وبيئة أعمال داعمة للابتكار والتكنولوجيا. وهذا التقدم لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة التزام حكومي واضح بتعزيز مكانة المدينة كمحور عالمي للتقنيات المتقدمة؛ فقد كانت حكومة دبي القوة المحرّكة لهذا التحول النوعي، من خلال تبنّي سياسات وتشريعات متقدمة تشجع على البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي وتوفّر أرضاً صلبة لنمو هذا القطاع الحيوي».
ويضيف: «تتجاوز المبادرات الحكومية حدود الأطر التنظيمية، لتشمل استثمارات ضخمة في تطوير البنية التحتية الرقمية، وإنشاء مراكز أبحاث متخصصة، إلى جانب تأسيس جامعات ومؤسسات تعليمية رائدة تعنى بتطوير الكفاءات في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية».
ومن خلال رؤية طموحة تقودها قيادة مؤمنة بالعلم والابتكار، أصبحت الإمارات من أولى الدول التي أطلقت وزارة متخصصة بالذكاء الاصطناعي، واستثمرت في البنية التحتية الرقمية، والكوادر البشرية، ومراكز البحث والتطوير، ما يعكس التزاماً واضحاً بتحويل التحديات إلى فرص، وقد أسهم هذا التركيز الاستراتيجي على البحث والتطوير في استقطاب كبرى شركات التكنولوجيا العالمية والمواهب المتخصصة من مختلف أنحاء العالم، ما عزّز من مكانة دبي كمركز متقدم في مجال الذكاء الاصطناعي.
العصر الرقمي
يقول مهند العزه، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات IDCentriq Group: «عوّدتنا دولة الإمارات أن تكون دائماً سباقة في مختلف مجالات التطور والتميز على جميع الأصعدة. وليس من الغريب أن تتجه دولة الإمارات إلى تبني الذكاء الاصطناعي كعضو استشاري دائم في صنع القرار الحكومي، والذي يساعد على إعادة تعريف نموذج الحكومة المتطور في العصر الرقمي.
الذكاء الاصطناعي هنا ليس مجرد أداة تقنية، بل شريك استراتيجي في تحليل البيانات، ورصد الاتجاهات، وصياغة السياسات الاستباقية، ما يؤدي إلى قرارات أكثر دقة وكفاءة وشفافية». ويضيف: «إن الإمارات مرشّحة بقوة لأن تتحوّل إلى نموذج عالمي للحكومة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مستفيدة من بنية تحتية رقمية متطورة، واستراتيجية وطنية واضحة، وبيئة تشريعية مرنة.
ما يميز النهج الإماراتي هو أنه لا يكتفي بالاستخدام، بل يسعى إلى تصميم وتصدير نموذج حوكمة ذكي عالمي الطابع. وهذا ما يجعل من الإمارات اليوم مختبراً عملياً لمستقبل الحوكمة الرقمية، يقود العالم في مجالات مثل المدن الذكية، وحلول الأمن السيبراني، وتكامل الذكاء الاصطناعي في قطاعات التعليم، الصحة، والاقتصاد.
أما جمانة كرم، رئيسة قسم التسويق لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لدى شركة «أيسر» فقالت: «كانت الإمارات من أولى الدول التي رأت أن قطاع التكنولوجيا هو من أهم عوامل التطور والتحضير لعالم المستقبل ابتداءً من القطاع العام إلى القطاع الخاص؛ فقد عينت أول وزير دولة للذكاء الاصطناعي منذ عام 2017، وضمت ملفات الاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد إلى مهامه منذ عام 2020؛ حيث إن قيادة الإمارات تؤمن بأن التكنولوجيا عند استخدامها الصحيح تسهم بتسهيل أعمال المؤسسات وتحسينها وتمكينها، من تحليل وتغيير وابتكار وكل ما هو جديد ومفيد في أقل وقت ممكن للدولة ولسكانها وللمقيمين فيها. ولا يفاجئني هذا القرار، فالإمارات تعمل باستمرار على تحفيز كل ما هو جديد ومفيد في مجالي الاقتصاد المعرفي والرقمي، كما تتمتع بمكانة رائدة بين الدول في هذا المجال.
نموذج عالمي
بينما يقول جوني كرم، المدير العام ونائب الرئيس الإقليمي للأسواق الناشئة الدولية في شركة كوهيزيتي: «تواصل دولة الإمارات ريادتها في دمج الابتكار في منظومة الحوكمة، عبر قرار اعتماد الذكاء الاصطناعي كعضو استشاري رسمي في الجهات الحكومية والذي يعد خطوة سباقة، وتشكل أساساً لبناء منظومة مرنة وآمنة للبيانات على المدى الطويل».
ومن خلال دمج الذكاء الاصطناعي في صميم عملية صنع القرار، تضع الإمارات أسس نظام ذكي ومرن في آنٍ واحد، يعتمد على تحليلات لحظية لاتخاذ قرارات أفضل، وتوقّع أدق للمخاطر، واستباق التهديدات مهما تطورت، وإذا نُفذت هذه المبادرة بالشكل الصحيح، فإنها تؤهل الإمارات لتكون نموذجاً عالمياً للحكومات الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، حكومات تجمع بين الابتكار والثقة والقدرة على التكيف.
في صدارة المشهد
من جانبه يقول مريغانك تريباثي، رئيس قطاع النمو في شركة «بيبول سترونج»: «تتصدّر دولة الإمارات مشهد الذكاء الاصطناعي في المنطقة بفضل رؤية استراتيجية طموحة واستثمارات واسعة في هذا القطاع الحيوي؛ ما جعلها نموذجاً يُحتذى به في التحول الرقمي والتبني الحكومي للتقنيات المستقبلية.
ويعود هذا التميز إلى مجموعة من العوامل المتكاملة، أبرزها إطلاق «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031» وتعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم، إلى جانب توفير بنية تحتية رقمية متطورة تتيح تطبيق الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.
كما اهتمت الدولة اهتماماً خاصاً ببناء القدرات البشرية من خلال إنشاء مؤسسات تعليمية وبحثية متخصصة، مثل«جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي»، وعقد شراكات استراتيجية مع كبرى شركات التكنولوجيا العالمية.
الإمارات هي من رسم السياسات إلى التطبيق العملي، حيث تم دمج الذكاء الاصطناعي في العديد من الخدمات الحكومية والقطاعات الحيوية مثل الصحة، والنقل، والتعليم؛ ما عزّز من جودة الحياة وأسهم في ترسيخ مكانة الدولة كمركز إقليمي وعالمي للابتكار في الذكاء الاصطناعي».
ويضيف: «تسير الإمارات بخطى ثابتة نحو أن تصبح نموذجاً عالمياً رائداً للحكومات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بفضل رؤيتها الاستشرافية واستراتيجياتها الطموحة في هذا المجال؛ فقد كانت من أولى الدول التي تبنت الذكاء الاصطناعي كعنصر محوري في تطوير العمل الحكومي، ليس فقط من خلال إنشاء أول وزارة للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، بل أيضاً عبر إطلاق استراتيجيات وطنية متكاملة تهدف إلى تعزيز الكفاءة وجودة الحياة وتقديم خدمات ذكية استباقية.
كما أن البيئة التشريعية المرنة، والدعم الحكومي اللامحدود للبحث والتطوير، وتوافر الكفاءات الوطنية والدولية، كلها عوامل تسهم في ترسيخ مكانة الإمارات كنموذج يُحتذى به في مجال الحوكمة الذكية.. وإذا استمرّت الإمارات بهذا الزخم، فمن المرجّح أن تتحول إلى معيار عالمي يُستند إليه عند الحديث عن مستقبل الحكومات المدعومة بالتقنيات الذكية والذكاء الاصطناعي.





