تشهد أسواق الأسهم العالمية مرحلة دقيقة قبل نهاية الربع الأول من العام، مع تصاعد التوترات التجارية جراء نهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر سياسة الرسوم الجمركية.. وبينما تراكم المؤشرات الأمريكية خسائرها أخيراً تحت وطأة هذه القرارات، يترقب المستثمرون ما إذا كانت الأسهم غير الأمريكية، لا سيما الأوروبية منها، ستنجح في استقطاب رؤوس الأموال الهاربة من «وول ستريت»، بحثاً عن ملاذات بديلة.
ورغم أن الاقتصادات الأوروبية ليست في منأى من التداعيات الأوسع نطاقاً للرسوم، لا سيما بعد فرض ترامب رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم، والتدابير الأوروبية المضادة، إلا أن أسواق الأسهم يبدو أنها تواصل جذب اهتمام المستثمرين، بفضل أدائها المتفوق منذ بداية العام، مدعومة بخطط زيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية.
وفي وقت تكابد فيه «وول ستريت» ضغوطاً متصاعدة بفعل عدم اليقين السياسي والاقتصادي، تفوقت الأسهم الأوروبية على نظيراتها الأمريكية بشكل لافت، فقد ارتفع المؤشر ستوكس 600 الأوروبي بأكثر من 6% منذ بداية العام، بعدما أنهى تعاملات عام 2024 عند مستويات 507 نقاط، بينما يدور حالياً في نطاق 540 نقطة.
بينما تراجع مؤشر «ستاندر آند بورز 500» بأكثر من 5% منذ بداية السنة، وسط خسائر متتالية أخيراً، مع تصاعد المخاوف وحالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد النمو الاقتصادي الأمريكي، تبعاً للتأثيرات المحتملة للتعريفات الجمركية.
فترة صعبة
في حديثه مع «البيان»، يقول كبير محللي الأسواق في IG، كريس بوشامب، إنه «بعد عامين من المكاسب القوية، تواجه الأسهم الأمريكية فترةً صعبة، ذلك بعد أن بلغ عدم اليقين السياسي مستوى غير مسبوق منذ سنوات عديدة، وسيؤدي ذلك إلى استمرار تقليص استثمارات العديد من المستثمرين في الأسهم الأمريكية. وقد يؤدي هذا إلى استمرار الانخفاض في المؤشرات الرئيسة».
لكنه على الجانب الآخر، وفي ما يتعلق بمدى استفادة الأسهم الأوروبية من موجة العزوف المحتملة للمستثمرين من «وول ستريت»، يشير إلى أنه «من المتوقع أن يُسهم توجه أوروبا نحو زيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية، في دعم المنطقة على المدى البعيد.. لكن على المدى القصير، من غير المرجح أن تكون أسواق الأسهم في أوروبا بمنأى عن أي موجة بيع مستمرة في وول ستريت».
والشهر الماضي، وفي ضوء تصاعد تهديدات الرسوم الجمركية من جانب ترامب، سجلت المؤشرات الأمريكية الرئيسة تراجعات جماعية، حيث انخفض «إس آند بي 500» بنسبة 1.4% في فبراير، كما سجل «داو جونز» خسائر شهرية بنسبة 1.6%. فيما سجلت الأسهم الأوروبية تفوقاً، بارتفاع المؤشر العام بنسبة 3.3% خلال الشهر.
أوروبا والحرب التجارية
ووسط الجدل الدائر حول الرسوم الجمركية التي يفرضها ترامب، تخيم حالة من عدم اليقين على الأسواق العالمية، ما يفسر تباين التوقعات بشأن أداء أسواق الأسهم غير الأمريكية في الفترة المقبلة. فبينما تلوح فرصة استفادتها من تدفق الاستثمارات الهاربة من الأسهم الأمريكية، تواجه في الوقت ذاته خطر التأثر بالتداعيات السلبية لتلك الرسوم على الاقتصادات الأخرى.
يفاقم حالة عدم اليقين هذه الغموض المحيط بالمدة التي قد تستغرقها انعكاسات الرسوم الجمركية، ما يزيد من ضبابية المشهد الاقتصادي، ويعقد التوقعات بشأن حركة الاستثمارات وأسواق الأسهم. ويقول في هذا السياق مدير مركز كوروم للدراسات، طارق الرفاعي لـ «البيان»، إن «الحرب التجارية قد تستغرق وقتاً أطول مما كان متوقعاً سابقاً».
كما يشير إلى أن تلك الحرب «تمتد إلى دول مناطق أخرى، مثل دول الاتحاد الأوروبي»، ما قد يكون له آثار سلبية كبيرة.
وفي غضون ساعات من دخولها حيز التنفيذ، رد الاتحاد الأوروبي بتدابير مضادة على الرسوم الجمركية الأمريكية بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم، تدخل حيز التنفيذ في أبريل. وبحسب المفوضية الأوروبية، فإن إجراءاتها ستؤثر في ما يصل إلى 26 مليار يورو من السلع الأمريكية.
ويشير الرفاعي إلى أن ترامب قد برر منطقه في فرض الرسوم، عندما أكد أمام الكونغرس أن هذه الرسوم الجمركية، جاءت كرد فعل على الرسوم التي فرضتها بعض الدول على الولايات المتحدة منذ فترات طويلة. وأكد ترامب أنه يريد فرض رسوم جمركية مماثلة لتلك التي تفرضها الدول الأخرى على المنتجات الأمريكية.
والتشابك بين الحروب التجارية والتحولات الاقتصادية الكبرى يضع الأسواق، الأوروبية منها على وجه الخصوص، أمام اختبار مزدوج، فمن جهة تواجه خطر الرسوم الجمركية، ومن جهة أخرى تترقب انعكاسات ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة على الاستثمارات والقطاعات الحيوية.
تغيّر البيئة الاقتصادية
على الجانب الآخر، يقول مدير الاستثمار في شركة AJ Bell، روس مولد، لـ «البيان»، إن ارتفاع عوائد السندات الحكومية الألمانية واليابانية، وبدرجة أقل البريطانية، يشير خلال الأشهر الماضية إلى أن البيئة الاقتصادية قد تكون بصدد التغيير.. فمن المحتمل أن يكون الضباب الذي خلفته الأزمة المالية العالمية الكبرى - المتمثل في النمو المنخفض والتضخم المنخفض وأسعار الفائدة المنخفضة - قد بدأ في الانقشاع، ليحل محله وضع جديد، يتسم بتضخم أعلى، ونمو اسمي أقوى، وأسعار فائدة مرتفعة، لا سيما مع سعي الدول لتحقيق النمو، لتتمكن من إدارة ديونها، وتعزيز قدراتها الدفاعية، وضمان إمدادات أكثر أماناً للمواد الخام والسلع الأساسية.
وقد يعني ذلك، في تقدير مولد، أن القطاعات التي حققت أداءً جيداً منذ عام 2009 - مثل أسهم النمو المستدام في التكنولوجيا والتقنيات الحيوية - قد لا تؤدي بنفس القوة الآن.
ويشير إلى أن هذا المناخ الجديد، سيفضل القطاعات الرئيسة والصناعات، والأصول الحقيقية مثل السلع الأساسية. وبالرغم من أن الأسواق البريطانية والأوروبية لا تتمتع بنفس الثقل التكنولوجي الذي يميز السوق الأمريكية، إلا أنها غنية بأسهم الصناعات والاستثمارات الرأسمالية، مثل أسهم الدفاع، بالإضافة إلى القطاعات الدورية، بينما يوفر مؤشر فوتسي 100 تعرضاً كبيراً لأسهم شركات التعدين والنفط، لذا، سنرى كيف ستتطور الأمور.
تداولات يومية
قفزت الأسهم الأوروبية، أمس، بعدما وافقت أوكرانيا على اقتراح أمريكي بوقف إطلاق النار 30 يوماً مع روسيا، في حين حققت شركة زيلاند فارما الدنماركية مكاسب، بعد اتفاق تعاون مع شركة روش السويسرية. وارتفع المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.84 في المئة في التداولات.
وخسر المؤشر القياسي 1.7 في المئة في الجلسة السابقة، بعد أن رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على منتجات الصلب والألمنيوم الكندية.
كما ارتفع مؤشر داكس الألماني 1.5%، وفايننشال تايمز البريطاني 0.55%، وكاك الفرنسي 1.21%، وفوتسي الإيطالي 1.28%. وسجلت أغلبية القطاعات في المؤشر مكاسب في التعاملات المبكرة، بقيادة مؤشر البنوك الأوروبية، الذي ارتفع 1.1 في المئة.
وقفز سهم زيلاند فارما 34 في المئة، بعد استحواذ شركة الأدوية السويسرية روش على حقوق علاج للسمنة من شركة التكنولوجيا الحيوية الدنماركية، في صفقة تعاون بلغت قيمتها 5.3 مليارات دولار. وارتفع سهم روش أربعة في المئة.
وخالف المؤشر الأوروبي الذي يركز على شركات التجزئة الاتجاه لينخفض 2.8 في المئة.
وهوى سهم شركة بوما الألمانية للملابس الرياضية 22 في المئة، إلى أدنى مستوى له في ثماني سنوات، بعد أن قدمت الشركة توقعات مخيبة للآمال، بشأن مبيعات الربع الأول.
وانخفض سهم شركة بورشه 4.5 في المئة، بعدما قالت شركة السيارات الفارهة، إن أرباح عام 2025 ستتأثر بإعادة الهيكلة الشاملة، فضلاً عن التوتر التجاري، واشتداد المنافسة في الصين.