قبل أشهر قليلة أطلقت دائرة الأراضي والأملاك في دبي مبادرة «ريس للابتكار العقاري» بهدف وضع دبي على الخارطة العالمية في مجال تكنولوجيا العقار والذكاء الاصطناعي العقاري، دعماً لأجندة دبي الاقتصادية «D33»، وكان مصطلح «الترميز العقاري» Real estate tokenization أحد البنود الرئيسية لهذه المبادرة، ويعبر عن أبرز اتجاهات سوق التكنولوجيا العقارية الدولية.
وفي خطوة لافتة، شهدت دبي مطلع مارس الماضي إطلاق مشروع «بروبشوب» ليكون أول منصة للترميز العقاري في دبي تعيد تعريف الاستثمار في العقارات الفاخرة قيد الإنشاء، وفي خطوة مماثلة أعلنت شركة «ماغ العقارية» في يوليو الماضي عن اتفاقية مع شركة «مانترا» تهدف إلى ترميز أصول مشاريع عقارية لشركة ماج بقيمة إجمالية تصل إلى 500 مليون دولار.
في الحقيقية لم يكن أبداً غريباً على «دبي» المركز المالي والاقتصادي الأبرز في المنطقة، إطلاق مثل هذه المشاريع التكنولوجية والاستثمارية الثورية، فالمدينة التي تعتبر من أهم مراكز الابتكار والرقمنة عالمياً لا تزال تدهش العالم بمشاريعها العقارية الاستثنائية أيضاً، والتي تجاوز الطلب عليها حاجز الـ 400 مليار درهم العام الماضي، وتتجه خلال العام 2024 إلى تحطيم هذا الرقم القياسي.
ولكن لا تزال هذه التكنولوجيا الثورية في المجال العقاري تثير الكثير من التساؤلات لدى الجمهور، حيث يصفها جون باتريك مولين، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «مانترا» في حديثه مع «البيان» بالقول «لم يصل ترميز العقارات بعد إلى مستوى التبني الواسع على الصعيد العالمي».
ما هو الترميز العقاري
البيان توجهت بالسؤال التالي إلى أداة الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» ما هو الترميز العقاري؟ وكانت الإجابة: إنها عملية تحويل حقوق الملكية في العقارات إلى وحدات رقمية صغيرة، أو رموز، باستخدام تقنية البلوك تشين، تمثل هذه الرموز أسهماً أو أجزاء من العقار، مما يسمح للناس بالاستثمار في العقارات دون الحاجة إلى شراء الأصل بالكامل، تسهل عملية التحويل هذه على المستثمرين شراء وبيع أسهم العقارات على المنصات الرقمية، مما يحسن السيولة وإمكانية الوصول.
وتابع «تشات جي بي تي»: على سبيل المثال، بدلاً من الحاجة إلى الملايين لشراء شقة فاخرة، يمكن للمستثمر شراء جزء منها عن طريق شراء رمز يمثل جزءاً من العقار، وهذا يفتح الاستثمار العقاري لجمهور أوسع، بمن في ذلك المستثمرون الصغار، مع توفير إمكانية تحقيق قدر أكبر من الشفافية والكفاءة من خلال البلوك تشين.
وبشرح مبسط، تهدف هذه التكنولوجيا إلى القيام بعملية ترميز للأصول المادية في الواقع وهنا العقارات، عبر تقسيم العقار المستهدف إلى أجزاء صغيرة أو مربعات، ثم يسمح للمستثمرين بشراء وبيع هذه الرموز وكذلك الحصول على عوائد سنوية، النقطة الأهم في هذه التقنية هو البلوك تشين، والذي من المتوقع أن يسمح بمزيد من الديمقراطية في القطاع العقاري، إذ سيتمكن صغار المستثمرين من دخول هذا القطاع الذي كان حكراً على أصحاب الملاءة المالية أو ببساطة يحتاج إلى مستوى تمويل ليس بالقليل.
والنقطة الثانية الأهم هي سهولة تداول هذه الأجزاء «tokens» بالبيع والشراء، ولا سيما بأن القطاع العقاري يعتبر من الأصول صعبة التسييل مقارنة بالأصول الأخرى، الأمر الآخر أن جمهور المستثمرين لن يكون محلياً فقط وإنما عالمياً.
العقارات المجزأة
تواصلت «البيان» مع جون باتريك مولين رجل الأعمال المقيم في هونغ كونع، والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «مانترا» وهي شبكة بلوك تشين من الطبقة الأولى تركّز على ترميز أصول العالم الحقيقي، لمساعدتنا في الحصول على أجوبة أعمق فيما يتعلق بالترميز العقاري ولا سيما بأنه الطرف الثاني الرئيسي بالاتفاقية الموقع مع «ماج العقارية» لترميز أصول عقارية بقيمة 500 مليون دولار.
يعرف مولين ترميز العقارات قائلاً: «الترميز العقاري هو فرع من فروع «ترميز الأصول» asset tokenization والتي تتعامل مع صناعة العقارات، فهي تتيح فتح فئة الأصول العقارية، مثل الشقق الفاخرة والمنازل الفخمة، أمام جميع فئات المستثمرين، ليتم ترميزها بسلاسة على البلوك تشين، بما يمكن المستثمرين الاستثمار في العقارات المجزأة والوصول إلى الأصول العقارية المرمّزة بعمق سيولة أكبر على البلوك تشين».
مشروع واعد من دبي
وفي الحديث عن التعاون مع شركة «ماغ»، قال مولين «الشراكة الاستراتيجية بين مانترا وماج تهدف إلى ترميز العقارات الفاخرة في دبي، حيث ستقوم مانترا بترميز الأصول على عدة مراحل، وستكون البداية بمشروع «كتورا ريزيرف»، وهو مشروع سكني أنشأته شركة «ماج» في منطقة ميدان بدبي».
وأضاف مولين «سيتيح ذلك للمستثمرين الوصول إلى سوق العقارات في المنطقة من خلال الأصول المرمّزة والحصول على عوائد سنوية مستقرة بالعملات الرقمية الثابتة (stablecoin) بالإضافة إلى عملات «$OM»، هذا التعاون سيسهم في ديمقراطية الوصول إلى سوق العقارات، ويوفر فرص استثمارية أكبر في منطقة الشرق الأوسط».
الترخيص والرقابة
ويبقى السؤال الأهم هو مدى الموثوقية والأمان في هذه النوع الجديد من الاستثمار ومن هي الجهات المسؤولة عن الترخيص والرقابة؟ يشرح مولين هذا الأمر قائلاً: تنظم دائرة الأراضي والأملاك المعاملات العقارية، بما في ذلك الترخيص للوسطاء والمطورين والجهات الأخرى المشاركة في الأنشطة العقارية، وستلعب دوراً مهماً في ضمان أن يتم ترميز عناوين العقارات، مما يسمح بتجزئة حقوق ملكية العقارات.
وتابع مولين «بالإضافة إلى دائرة الأراضي والأملاك، يلزم الحصول على ترخيص من هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA) لإصدار وبيع الأصول المرمّزة للمشترين في دبي، باختصار، لترميز الأصول في دبي:
1. تتولى دائرة الأراضي والأملاك التعامل مع اللوائح والتشريعات المتعلقة بالعقارات.
2. وتتولى هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA) تنظيم الأصول الافتراضية وإصدار التراخيص للأنشطة مثل بيع أو تداول «التوكنات» tokens.
مخاطر وضمانات
ولكن هل توجد أي مخاطر قد يتعرض لها المستثمرون الصغار؟ يجيب مولين: تعتبر الأصول العقارية المرمّزة، مثل تلك التي ستقوم «مانترا» و«ماج» بتطويرها معاً، فرصة للحصول على عوائد آمنة للمستثمرين الصغار، مع وجود حزمة تأمين مصممة لتقليل تعرضهم للمخاطر، على سبيل المثال، سيتضمن المشروع الأول الذي سيُقدم في إطار هذا التعاون حماية قوية للمستثمرين، بما في ذلك ضمانات أمنية على قصر تبلغ قيمته 75 مليون دولار، بالإضافة إلى تقديم ضمان ائتماني للشركات من طرف «ماج».
وأفاد مولين أن «مانترا» و«ماج» تعملان حالياً عن كثب لجلب أول مشروع لترميز العقارات إلى السوق، وعلى الرغم من أنه لا يمكن تحديد تاريخ معين يتم فيه تقديم المشروع للمستثمرين المحتملين، إلا أن الشركاء قد قاموا بقدر كبير من العمل والتخطيط، ونتوقع أن تتاح الفرصة خلال هذا الربع من عام 2024.
شركات عالمية طموحة
في فبراير من العام الجاري أعلنت «دي دي إكس جلوبال» الشركة الاستشارية لترميز الأصول؛ عن مشروعها المبتكر في دبي «لؤلؤة الصحراء» الأول من نوعه، والقائم على تكنولوجيا الترميز عبر منصة «البلوك تشين»، مشيرة إلى أن القيمة السوقية للقطاع تقدر بـ 16 تريليون دولار بحلول عام 2030.
وإطلاق المشاريع المتعلقة بترميز العقارات لا يقتصر على دبي فحسب، فهناك العديد من المشاريع الطموحة حول العالم مثل شركة «RealT» الأمريكية، والتي تتيح الاستثمار في العقارات الأمريكية من أي مكان في العالم وبسعر دخول 1000 دولار، وشركة «Keys» الفرنسية وشعارها «استثمر في عقار فرنسي مقابل 1 يورو»، وشركة «Equito» الإسبانية تتيح الاستثمار بحد أدنى 100 يورو، وشركة «Tokeny Solutions» من لوكسبورغ المتخصصة في ترميز كافة أنواع الأصول.
مستوى التبني
ورغم هذه المشاريع يصف مولين هذه التكنولوجيا بالقول «لم يصل ترميز العقارات بعد إلى مستوى التبني الواسع على الصعيد العالمي»، مضيفاً «على الرغم من تزايد الاهتمام بهذا الأسلوب الجديد للوصول إلى المنتجات المالية التقليدية، والجهود المبذولة لمعالجة التحديات مثل عدم اليقين التنظيمي وتثقيف المستثمرين والقيود التكنولوجية لتسريع تبني العقارات المرمّزة، لقد برزت دبي كقائد عالمي في ترميز العقارات، مما يعزز مكانتها كعاصمة رائدة في مجال العملات المشفرة».
الترميز الكامل
وبالنسبة للمستقبل، يتوقع مولين أن تكون فئة الأصول العقارية قد تم توكنتها (الترميز) بالكامل وتوجد بشكل أصيل على سلسلة لامركزية مخصصة (L1)، مما يمكّن المؤسسات والمطورين من الوصول إلى تطبيقات مالية مدعومة بالأصول الحقيقية مع سيولة أعمق، وعلى الرغم من أن مانترا لا تصدر معلومات أو توقعات مالية حول حجم السوق أو معدل النمو، إلا أننا نلاحظ التقييمات الإيجابية التي صدرت مؤخراً عن بلاك روك، ماكنزي، BCG والمراقبين الآخرين للسوق، ونتفق على أن الإمكانات السوقية هائلة.

