تتفوق المادة الأغلى على وجه الأرض على كل ما عداها من ألماس وذهب وفضة، إذ يبلغ الجرام الواحد منها 140 مليون دولار، ويأتي تربعها على عرش الكوكب بسبب العملية المعقدة والمكلفة التي تنطوي عليها عملية إنتاجها وأهميتها الاستراتيجية لأنها ستغير وجه التكنولوجيا وتجعل الخيال العالمي واقعاً ملموساً.
العجيبة الجزيئية
هذا المادة الساحرة هي الفوليرينات وفي قلبها القائم على ذرات النيتروجين، توجد بنية من 60 ذرة كربون مرتبة في قفص كروي، يُغلف هذا التكوين، المعروف باسم " كرة الباكي "، ذرة نيتروجين، مما ينتج عنه جزيء ذو خصائص فيزيائية وإلكترونية استثنائية.
إن خصائص هذه المادة المميزة، وخاصةً طول عمر دورانها الإلكتروني، تجعلها قيّمة للغاية في التطبيقات العلمية المتطورة، قد يبدو هذا المركب وكأنه من روايات الخيال العلمي، إلا أنه يُستخدم لتحقيق إنجازات عملية في مجال الساعات الذرية.
ترتبط التكلفة العالية لهذه المادة بالعملية المعقدة اللازمة للحصول على ولو كمية ضئيلة منها، كان علماء شركة ديزاينر كربون ماتيريالز، وهي شركة ناشئة، أول من نجح في تصنيع هذه المادة، حيث بيعت أول جرعة منها، 200 ملغ، مقابل 110 ملايين جنيه إسترليني (167 مليون دولار آنذاك) في عام 2015. ونظراً للعمل المكثف المبذول في إنتاجها، وصفتها جامعة أكسفورد بأنها "أغلى مادة على وجه الأرض ".
إحداث ثورة في الساعات الذرية على الأرض
من أبرز التطبيقات الواعدة للفوليرينات الهيدرالية القائمة على ذرات النيتروجين تطوير ساعات ذرية مصغّرة، هذه الساعات، التي تُعدّ أدقّ أجهزة قياس الوقت على الإطلاق، كانت عبارة عن آلات ضخمة بحجم الغرفة. لكن بفضل هذه المادة الجديدة، أصبح العلماء قادرين على بناء نسخ أصغر وأكثر دقة من الساعات الذرية، يمكن وضعها في الهواتف الذكية، هذه الساعات الذرية الصغيرة قد تُحدث تغييراً جذرياً في طريقة استخدامنا لأنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) ، مما يجعلها أكثر دقةً من أي وقت مضى.
يتصور الدكتور كيرياكوس بورفيراكيس، عالم المواد النانوية الذي يعمل على هذه الفوليرينات منذ عام 2001، عالمًا تُحدث فيه هذه الساعات الصغيرة ثورةً في تكنولوجيا الهواتف المحمولة.
ففي عام 2015 صرح لصحيفة التلغراف قائلاً "تخيل ساعة ذرية مصغّرة يمكنك حملها في هاتفك الذكي، هذه هي الثورة القادمة في عالم الهواتف المحمولة".
وتمتد التطبيقات المحتملة لهذه التقنية إلى ما هو أبعد من الأجهزة الشخصية، ومن أبرزها تأثيرها على صناعة المركبات ذاتية القيادة، فأنظمة الملاحة الحالية، بما فيها نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، لا تزال قيد التطوير، مع ذلك، مع قدرة الساعات الذرية على قياس الوقت والموقع بدقة تصل إلى مليمتر واحد، قد نشهد طفرة في كيفية تنقل المركبات ذاتية القيادة على الطرق. وكما يوضح لوسيوس كاري، مدير صندوق أكسفورد للتكنولوجيا SEIS: "سيُمكّن هذا الفوليرين الداخلي السطوح من العمل على شريحة يمكن وضعها في هاتفك المحمول، ستكون هناك تطبيقات عديدة لهذه التقنية، ولكن أبرزها هو التحكم في المركبات ذاتية القيادة".
مع هذه التطورات الرائدة في الأفق، من الواضح أن الفوليرينات الداخلية القائمة على ذرات النيتروجين هي أكثر من مجرد مسحوق باهظ الثمن - إنها مفتاح لفتح عصر جديد في التكنولوجيا وفق ديلي جالاكسي.
