السياحة العربية كنوز دفينة وفرص مبددة تنتظر استغلالها

تتبدد ثروات السياحة العربية فوق مناجم من الكنوز التاريخية والثقافية، لتسقط في فخ «إفلاس» إداري وهيكلي يحرم المنطقة من حصتها العادلة في اقتصاد عالمي عابر للحدود. فبينما بلغت مساهمة القطاع السياحي عالمياً نحو 11 تريليون دولار عام 2024، لا تزال الحصة العربية تراوح بين 6 % و10 % خارج نطاق السياحة الدينية، وفق تقديرات مؤسسات دولية متخصصة، لتبقى كنوز المنطقة معلقة بين الإمكانات الهائلة والقيود المؤسسية.

ويصبح الإخفاق العربي أكثر وضوحاً عند مقارنة دول مثل فرنسا التي تستقبل وحدها نحو 102 مليون سائح سنوياً، وهو ما يوازي «الوزن السياحي» لـ22 دولة عربية مجتمعة بكل كنوزها وتاريخها خارج نطاق السياحة الدينية، وفي الوقت الذي ننشغل -نحن العرب- في عدّ «الفرص الضائعة»، كانت دول مثل تركيا واليونان وفيتنام وتايلاند وجورجيا تحول مواردها السياحية المحدودة إلى «مناجم ذهب».

يمتد التباين في الأرقام إلى واقع أكثر تعقيداً يتعلق بضعف القدرة على تعظيم العائد من السائح الواحد. الأمر الذي يظهر بوضوح عند مقارنة دول عربية مثل مصر والمغرب وتونس بنظيراتها في حوض المتوسط كإسبانيا واليونان وتركيا، حيث يصل في المغرب إلى نحو 625 دولاراً وتونس 241 دولاراً، مقابل 1550 دولاراً في إسبانيا، و1300 دولار في اليونان، و1000 دولار في تركيا، ما يعكس نجاح هذه الدول في تحويل حجم السياحة إلى قيمة اقتصادية حقيقية عبر تنويع المنتجات ورفع جودة الخدمات.

وتشير تقارير دولية عدة متخصصة إلى أن بعض الدول العربية، مثل سوريا واليمن والسودان والعراق، شهدت في السنوات الأخيرة تراجعاً حاداً في قطاع السياحة نتيجة النزاعات المستمرة وعدم الاستقرار السياسي والأمني، الأمر الذي تسبب في إغلاق فنادق ومرافق سياحية عدة، وانخفاض أعداد الزوار بشكل كبير، ما تسبب في خسائر اقتصادية جسيمة انعكست على الدخل القومي وفرص العمل في القطاع.

الفارق الكبير بين الإمكانات السياحية العربية والنتائج على أرض الواقع يثير التساؤل: لماذا لم يتمكن العالم العربي من تحويل هذه الثروات إلى عائدات ملموسة؟ هذا السؤال كان الدافع الرئيسي وراء هذا التحقيق الذي كان خلاصة مقابلات مع خبراء ومسؤولين، وتحليل بيانات لمنظمات دولية ومحلية، ورصد مباشر لآراء الزوار.

كنوز سياحية

ويرى مختصون أن استثمار الكنوز السياحية العربية لا يزال رهين معوقات بنيوية وأخرى مؤسسية. فعلى المستوى البنيوي، يبرز الخلل في هشاشة التخطيط الاستراتيجي وتواضع البنية التحتية الداعمة للسياحة، من شبكات النقل والخدمات اللوجستية إلى المرافق الفندقية والتجارب السياحية المضافة، إلى جانب محدودية الاستثمارات النوعية القادرة على رفع متوسط الإنفاق وإطالة مدة الإقامة، أما على المستوى المؤسسي، فتتجلى الإشكالية في التشتت التنظيمي وضعف الحوكمة، حيث تتقاسم جهات متعددة مسؤوليات متداخلة دون إطار تنسيقي فعّال، ما ينعكس ارتباكاً في سياسات الترويج، وتباطؤاً في تطوير التأشيرات السياحية، وغياباً لرؤية إقليمية موحدة. وبحسب المختصين، يمثل غياب البيانات الموحدة عن واقع السياحة العربية إحدى أهم نقاط الضعف في القطاع.

فالمعضلة لا تكمن فقط في التفاوت الكبير في الأرقام بين الدول، بل في افتقار بعضها الأدوات الإحصائية من الأساس، أو في تأخير نشره، وهو الأمر الذي يجعل صناعة القرار السياحي رهينة للتخمين لا الحقائق، ويحرم المستثمرين من القدرة على تقييم الأداء والتنبؤ بالاتجاهات، ما يحوّل الإمكانات السياحية الضخمة إلى فرص مهدرة.

وأكد خبراء ومسؤولون في منظمات سياحية دولية وعربية أن تجاوز الفجوة السياحية في العالم العربي يمكن أن يتحقق من خلال اعتماد استراتيجيات ترتكز على مأسسة القطاع واستغلال القدرات التسويقية، مشيرين إلى أن أي تطوير جذري يستلزم تنمية البنية التحتية وتكثيف الاستثمار في رأس المال البشري بالتوازي مع إطلاق حملات ترويجية مبتكرة تبرز التفوق الثقافي والتاريخي للمنطقة.

وشدد الخبراء على أن تحويل الإرث التاريخي والثقافي والطبيعي إلى رافد اقتصادي مستدام يظل رهيناً بإرادة سياسية قوية تفتح الباب لشراكات متوازنة بين القطاع الخاص والمجتمعات المحلية.

فجوات في البنية التحتية

وقال جيمس وورتلي، نائب الرئيس للاتصالات في المجلس العالمي للسفر والسياحة «WTTC»، إن الأداء العربي بعد الجائحة كان من بين الأقوى عالمياً، لكن الفجوات في البنية التحتية، وضعف الربط، وغياب الخطط طويلة الأمد، شكلت عوامل عوقت بعض الدول من مجاراة وجهات عالمية أخرى نجحت في الاستفادة بشكل أكبر من إمكاناتها السياحية. وأكد أن معالجة هذه التحديات ستمكّن الدول العربية من إطلاق كامل طاقاتها وتحقيق مستويات نمو استثنائية خلال السنوات المقبلة.

وأضاف وورتلي أن الأمن غالباً ما يُذكر باعتباره التحدي الأول للارتقاء بالقطاع السياحي، لكنه في العادة يقتصر على الوجهات المتأثرة مباشرة بالصراعات، كما حدث خلال أزمة إسرائيل وإيران الأخيرة، التي انعكست تداعياتها على المنطقة بأكملها، في حين أن بقية الصورة تختلف من بلد إلى آخر. وأوضح أن قطاع السياحة أصبح اليوم ركناً رئيسياً في الاقتصادات العربية، حيث أسهم خلال العام الماضي بنحو 8 % من الناتج المحلي في شمال أفريقيا و10 % في الشرق الأوسط وهناك آفاق كبيرة للنمو.

وأشار إلى أن دولاً مثل المغرب ومصر والسعودية والإمارات سجلت أرقاماً جيدة في أعداد الزوار بفضل البنية التحتية والسياسات المشجعة. وأكد أن مشروع «التأشيرة الخليجية الموحدة» يمثل نقطة تحول استراتيجية، من شأنها أن تضع منطقة الخليج في مصاف أبرز الوجهات السياحية على مستوى العالم.

وعن الخطوات الاستراتيجية المطلوبة لتعزيز تنافسية السياحة العربية، قال إن هذه الخطوات تكمن في توسيع شبكات الربط خارج المراكز الرئيسية، والاستثمار في تأهيل الكوادر البشرية، مع إعطاء الأولوية للاستدامة وحماية التراث الثقافي والموارد الطبيعية لضمان استمرار النمو على المدى الطويل.

وتوقف وورتلي عند تجربة الإمارات باعتبارها مثالاً بارزاً على ما يمكن تحقيقه، موضحاً أن القطاع السياحي في الإمارات أضاف أكثر من 257 مليار درهم إلى الاقتصاد الإماراتي في 2024، أي بزيادة تقارب الربع مقارنة بما قبل الجائحة.

وأشار إلى أن نحو 80 % من هذه العوائد جاءت من السياحة الدولية، التي استقطبتها المعالم السياحية المتنوعة في الدولة عبر مزيج من المعالم الحديثة والثقافية والطبيعية، إضافة إلى الفعاليات العالمية، مدعومة باستثمارات ضخمة في البنية التحتية مع توفر ربط جوي قوي وسياسات تأشيرات منفتحة.

إنجازات إماراتية

وقالت شيخة ناصر النويس، الأمين العام المنتخب لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة، إن الإمارات نجحت في استقطاب نحو 30 مليون سائح خلال العام الماضي وحققت إنجازات عدة في مختلف مؤشرات القطاع السياحي، مشيرة إلى أن الإنجازات التي حققتها الدولة تعد نموذجاً تسعى دول عدة للتعلم منه.

وشددت النويس على أهمية تعزيز التبادل المعرفي في القطاع السياحي بين الدول التي نجحت في تنمية هذا القطاع مثل الإمارات، والدول الأخرى التي لا تزال في خطواتها الأولى نحو تطوير السياحة، مشيرة إلى أن الإمارات قامت بتعزيز استثماراتها في البنية التحتية والفنادق والارتقاء بجودة الخدمات، ما يجعل تجربتها مرجعاً يُحتذى. وقالت إن من أهم العناصر التي تميز الإمارات في القطاع السياحي توفُّر عنصر الأمن والأمان، وهو عامل غائب في كثير من البلدان الأخرى، ما يعزز ثقة الزائرين ويشجع على زيادة الحركة السياحية.

وأكدت أن دولاً عربية عدة تمتلك ثروات ومقومات سياحية فريدة، إلا أن التحدي يكمن في كيفية استثمار هذه الموارد وتحويلها إلى رافد اقتصادي مستدام. وأوضحت أن التفوق الإماراتي في هذا المجال لم يكن وليد الصدفة، بل جاء ثمرة للرؤية الاستشرافية الثاقبة للقيادة الإماراتية التي وضعت استراتيجيات متكاملة جعلت من الدولة وجهة سياحية عالمية.

وأشارت إلى ضرورة إيصال التجربة الإماراتية للدول الأخرى التي تمتلك المقومات الأساسية، لتساعدها على تطوير قطاعها السياحي بشكل مستدام. وقالت إن قطاع السياحة والسفر العالمي أسهم بقيمة بلغت 10.9 تريليونات دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال 2024، وهو ما يمثل 10 % من الاقتصاد العالمي وأنه من المتوقع أن تواصل هذه المساهمة ارتفاعها لتصل إلى 11.7 تريليون دولار في 2025، بنسبة زيادة قدرها 6.7 % مقارنة بعام 2024، و13 % مقارنة بعام 2019.

مرحلة فارقة

وقال الخبير السياحي، الدكتور حسام هزاع من مصر، إن السياحة العربية تقف اليوم أمام مرحلة فارقة تتطلب تفكيراً حديثاً، وحلولاً أسرع، وتعاوناً أوسع بين جميع الجهات المعنية، مشيراً إلى أن الوطن العربي يمتلك من الإمكانات ما يجعله من أقوى المقاصد السياحية عالمياً، سواء الطبيعة الخلابة أو التراث العريق أو التجارب السياحية الاستثنائية، وأن التحديات ليست في نقص المقومات، بل في كيفية إدارتها وتطويرها.

وفي تشخيصه أبرز المعوقات، حدد الدكتور حسام هزاع ضعف الربط الجوي عقبة رئيسية تحول دون نمو السياحة البينية العربية؛ مشيراً إلى أن المفارقة تكمن في قصر المسافات الجغرافية التي لا تترجمها سهولة في التنقل. وأوضح أن محدودية الرحلات المباشرة وارتفاع تكاليف السفر تجعل المقصد العربي في موقف تنافسي صعب أمام الوجهات الأوروبية والآسيوية التي توفر وصولاً أسهل بأسعار أكثر جاذبية، مؤكداً أن النهوض بالقطاع يتطلب بالضرورة توسيع شبكة الخطوط الجوية واعتماد سياسات سعرية تحفيزية.

وقال إن ثاني التحديات يتمثل في الفجوة الرقمية في التسويق السياحي، مؤكداً أن الاعتماد على الأساليب التقليدية لم يعد يجدي نفعاً في عصر السرعة، ولا سيما أن قرار السائح المعاصر قد يتشكل في لحظات عبر مقطع فيديو لا يتجاوز 15 ثانية على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يفرض على الوجهات العربية التحول الجذري نحو صناعة المحتوى الرقمي المبتكر، مشدداً على أن الحضور الرقمي الذكي أصبح اليوم ضرورة استراتيجية للبقاء في دائرة المنافسة العالمية وليس مجرد خيار تكميلي.

وأضاف أن التحدي الثالث يتعلق بغياب التنسيق السياحي العربي الذي حال دون الاستفادة من «التكامل الموسمي» للمنطقة. وأشار إلى أن الحل يكمن في كسر قوالب الترويج التقليدية عبر إطلاق مشروع «الرحلة المتكاملة»، حتى لا ينافس بعض الدول العربية بعضاً، بل يكمل بعضها بعضاً، ولا سيما أن تحويل المنافسة البينية إلى تكامل إقليمي سيجعل من الوطن العربي مقصداً سياحياً ممتداً على مدار العام، بدلاً من الارتهان لمواسم محددة لكل دولة على حدة.

وقال إن رابع هذه التحديات يكمن في تداعيات الأزمات العالمية على حركة السياحة، حيث تؤدي موجات ارتفاع الأسعار عالمياً وتقلبات أسعار الصرف، إلى جانب التوترات السياسية، إلى إرباك قرارات السفر لدى السائحين، مؤكداً في هذا السياق ضرورة تبني خطط مرنة وقابلة للتكيف مع المتغيرات، مع طرح عروض مبتكرة تضمن الحفاظ على الجاذبية السياحية واستدامة الطلب.

أما خامس التحديات يتعلق بنقص التدريب والمهارات في بعض الوجهات، لافتاً إلى أن انطباع السائح يتشكل من أول شخص يتعامل معه في الوجهة سواء موظف استقبال أو مرشد سياحي أو حتى سائق تاكسي، لذلك هناك حاجة واضحة لرفع مهارات العاملين في القطاع، وتطوير قدراتهم اللغوية وخبراتهم في التعامل مع السياح.

تحديات كبيرة

وقال الدكتور بسام عبدالصمد، المختص بالقطاع السياحي من المغرب، إن الواقع السياحي في العالم العربي يواجه تحديات كبيرة، ويعاني تأخراً ملحوظاً رغم امتلاكه إمكانات طبيعية وثقافية وتاريخية استثنائية، مشيراً إلى أن المنطقة العربية تزخر بتراث حضاري يمتد لآلاف السنين، من أهرامات مصر إلى المدن الأثرية في الأردن وسواحل المغرب وسلطنة عُمان، إلى جانب مناظر طبيعية متنوعة تشمل الصحارى والجبال والشواطئ الخلابة، إلا أن هذه المقومات لم تتحول بعد إلى صناعة سياحية متكاملة ومستدامة إلا في بعض الدول مثل الإمارات.

وأكد أن أحد أبرز أسباب الإخفاق السياحي العربي يكمن في غياب التخطيط الاستراتيجي الشامل، فكثير من الدول العربية لا يمتلك رؤية بعيدة المدى لتطوير القطاع، وهو ما يجعل المنتج السياحي العربي أقل قدرة على المنافسة عالمياً. وأضاف أن ضعف البنية التحتية يشكل عائقاً إضافياً؛ من محدودية شبكات النقل الداخلي إلى نقص الفنادق والمرافق الفاخرة المتكاملة، إلى ضعف الربط الجوي، وهو ما يقلل من قدرة المنطقة على جذب السائح الدولي الباحث عن الراحة والخدمات عالية المستوى.

كما أشار إلى أن الإجراءات البيروقراطية المعقدة، وصعوبة الحصول على التأشيرات، وقلة التسهيلات الرقمية في الحجز والدفع، تلعب دوراً في تثبيط حركة السياح، إضافة إلى أن بعض الدول تتأثر بصورة سلبية نتيجة الصراعات الإقليمية وعدم الاستقرار الأمني، وهو عامل غائب في دول عدة منافِسة قد تمتلك موارد أقل، لكنها توفر بيئة آمنة وسهلة الوصول.

وبخصوص الحلول، شدد على ضرورة تبني استراتيجية سياحية متكاملة تشمل تطوير البنية التحتية وتعزيز المرافق الفندقية الحديثة، وتحسين تجربة السائح من خلال تقديم خدمات راقية ومبتكرة، إلى جانب تبسيط إجراءات السفر وتسهيل الحصول على التأشيرات، مع التركيز على التسويق الرقمي وإنشاء علامة سياحية قوية ومنافسة على المستوى العالمي.

كما أكد أهمية الاستثمار في تدريب الكوادر السياحية وتأهيلها لتقديم خدمة عالمية، وتشجيع الشراكات مع القطاع الخاص والمستثمرين الدوليين لضمان تحويل الإمكانات الهائلة إلى واقع ملموس وجاذب للسياح من مختلف أنحاء العالم.

وأضاف أن نجاح بعض الدول رغم إمكاناتها المحدودة يثبت أن التخطيط الذكي، والاستثمار المستدام، والترويج الفعال، يمكن أن يحوّل السياحة إلى صناعة مربحة، مشيراً إلى أن الفرصة أمام الدول العربية لا تزال متاحة لكنها تتطلب إرادة سياسية وخططاً تنفيذية واضحة لتقليص الفجوة وتحقيق نمو سياحي مستدام.

تطوير السياحة العربية

وفيما يتعلق بالسبل الأكثر فاعلية لتطوير السياحة المصرية والعربية عموماً وتعزيز مساهمتها في الاقتصاد المحلي، قال الخبير السياحي محمد كارم إن تحديث البنية التحتية والتشريعية السياحية يعد العامل الأهم لدعم نهضة القطاع، مشيراً إلى أن وجود بنية تحتية قوية هو الأساس لجذب مزيد من السياح وتطوير التجربة السياحية بالكامل.

وأوضح أن الارتقاء بالبنية التحتية يشمل تطوير المطارات ورفع قدراتها التشغيلية، إلى جانب تحسين وسائل النقل الداخلية وربط المدن السياحية بعضها ببعض بطريقة أكثر كفاءة، مشيراً إلى أن تشجيع الاستثمار في الفنادق والمنتجعات السياحية يمثل عنصراً جوهرياً لرفع القدرة الاستيعابية للسياحة، ما يدعم إقامة السائح ويزيد من متوسط الإنفاق السياحي.

وشدد في السياق ذاته على أهمية تسهيل الإجراءات والخدمات المقدمة للسياح، إذ تسهم هذه الخطوات في جعل رحلة السائح أكثر سلاسة. وأكد أهمية برامج التأشيرات الإلكترونية المختلفة، سواء عند الوصول، وأيضاً المتاحة داخل المطارات، إلى جانب ضرورة إزالة أي تعقيدات إجرائية وتبسيط تراخيص المستثمرين السياحيين.

وقال إن التنوع في المنتجات السياحية المقدمة لمختلف الأسواق، مثل: السياحة الثقافية، والسياحة العلاجية والاستشفائية، وسياحة المغامرات، وسياحة المؤتمرات والتسوق وغيرها، ينعكس بشكل مباشر على تعزيز الاقتصاد ورفع متوسط إنفاق السائحين.

وأضاف أن التسويق الذكي والموجّه بات اليوم أحد أعمدة الجذب السياحي، مشيراً إلى أن تعزيز الحضور العالمي للوجهات السياحية يتطلب توسيع الشراكات مع منصات السفر الدولية وشركات الترويج المتخصصة، إلى جانب استضافة صناع المحتوى المؤثرين، لما لهم من دور فاعل في تقديم صورة معاصرة وجذابة للمقاصد السياحية، وأكد في الوقت ذاته أهمية ترسيخ هوية سياحية واضحة ومميزة لكل مدينة.

أزمة إدارة

وتكشف المعطيات أن أزمة السياحة العربية ليست أزمة موارد، بل أزمة إدارة ورؤية وتنفيذ. فالفجوة القائمة بين ما تمتلكه المنطقة من كنوز طبيعية وتاريخية، وما تحققه من عوائد اقتصادية، تعكس خللاً بنيوياً ومؤسسياً أكثر مما تعكس نقصاً في المقومات. وبينما أثبتت تجارب إقليمية، وفي مقدمتها الإمارات، أن السياحة قادرة على التحول إلى رافعة اقتصادية متكاملة متى ما توفرت الإرادة السياسية والتخطيط طويل الأمد، لا تزال وجهات عربية عدة تدور في حلقة الترويج التقليدي والعوائد المحدودة.

التحول الحقيقي يتطلب الانتقال من منطق «استقبال السائح» إلى منطق «صناعة التجربة»، ومن التركيز على الأعداد إلى تعظيم القيمة، عبر بنية تحتية حديثة، وربط جوي فعال، ورقمنة شاملة للبيانات، واستثمار جاد في رأس المال البشري.

تجارب رائدة

نجحت بعض التجارب السياحية العربية وإن كانت محدودة في كسر الصورة النمطية وتحويل المقومات الطبيعية والثقافية إلى صناعة متكاملة ذات عائد مستدام. فقد استطاعت دول مثل الإمارات ومصر والمغرب أن تنتقل بالسياحة من كونها مورداً موسمياً إلى رافعة اقتصادية حقيقية.

بينما تمثل التجربة المصرية نموذجاً لمرحلة التعافي السريع، تعكس الإمارات نموذج التحول الكامل للسياحة إلى صناعة اقتصادية متكاملة، حلت الإمارات ضمن أعلى سبع وجهات عالمية في الإنفاق الدولي للسياح، كما تصدرت المراكز الأولى عالمياً في عدد من المؤشرات التنافسية المرتبطة بقطاع الطيران والسفر، وعلى رأسها مؤشر جودة البنية التحتية للنقل الجوي.

وتعكس الأرقام الصادرة عن المجلس العالمي للسفر والسياحة حجم التحول الذي حققته الإمارات في هذا القطاع، إذ بلغت مساهمة السياحة والسفر في الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2024 نحو 257.3 مليار درهم، ما يعادل 13 % من الاقتصاد الوطني، مع نمو نسبته 3.2 % مقارنة بعام 2023، وارتفاع لافت بلغ 26 % مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة في 2019، وهي من أعلى النسب إقليمياً وعالمياً.

وبلغ حجم الاستثمارات السياحية التي جذبتها الامارات 28.8 مليار درهم خلال 2023، وزادت إلى 32.2 مليار درهم خلال 2024. وتكتمل صورة النجاح الإماراتي في سياق عالمي يشهد نمواً متواصلاً لقطاع السياحة، لكن ما يميز التجربة الإماراتية هو قدرتها على التفوق في سوق شديد التنافسية، وتحويل السياحة إلى رافعة اقتصادية، ومجتمعية، وبيئية في آن واحد.

مكانة عالمية

وأكد عصام كاظم، المدير التنفيذي لمؤسسة دبي للتسويق السياحي والتجاري، أن المكانة التي وصلت إليها دبي اليوم كونها مركزاً عالمياً رائداً للسياحة والأعمال هي نتاج الرؤية الطموحة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله.

وأوضح أن الاستراتيجيات التي تنتهجها الإمارة تتسم بالمرونة العالية في التعامل مع التوجهات والمتغيرات الدولية، مع التركيز بشكل أساسي على تحقيق مستهدفات أجندة دبي الاقتصادية D33، الرامية لتعزيز مكانة الإمارة كونها أفضل وجهة عالمية للعيش والعمل والزيارة.

وأشار إلى أن نجاح النموذج السياحي في دبي يستند إلى مجموعة من المحفزات الجوهرية، وفي مقدمتها الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص، والنهج المتنوع في الترويج الدولي، بالإضافة إلى الحملات التسويقية المستمرة التي تبرز التنوع الفريد للوجهة. كما لفت إلى أهمية الربط بين تطوير البنية التحتية والتوسع العمراني المستمر، مؤكداً أن الالتزام بأعلى معايير الأمن والسلامة وتقديم الخدمات المتميزة يكرس مكانة دبي حاضنة عالمية للاستثمار والتعاون والابتكار.

وفي سياق متصل، استعرض المدير التنفيذي لمؤسسة دبي للتسويق السياحي والتجاري المنظومة المتكاملة التي تجمع مختلف الشركاء في قطاعات الطيران والمطارات والفنادق والمعالم السياحية، لضمان توفير تجربة زائر تتسم بالانسيابية والتميز.

تقدم مصري ملموس

على الرغم من الإمكانات السياحية والشاطئية الكبيرة التي تمتلكها مصر، والتي كان من الممكن أن تحقق لها مكاسب أكبر، سجل القطاع السياحي المصري تقدماً ملموساً خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2024، استقبلت البلاد نحو 15.7 مليون سائح دولي، وهو الرقم الأعلى في تاريخها، ليسهم القطاع بنحو 8.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، ويحقق عوائد سنوية من النقد الأجنبي تتراوح بين 14 و15 مليار دولار، كما يوفر حوالي 2.5 مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. ومع هذا التعافي القوي، تشير البيانات إلى أن القيمة المضافة لكل سائح ما زالت دون إمكاناتها الكاملة، ما يحد من تعظيم الإنتاجية ويضعف القدرة على الاستدامة طويلة الأمد.

وقال باسم حلقة، نقيب السياحيين في مصر، إن القطاع السياحي في مصر حقق خلال السنوات الأخيرة قفزات غير مسبوقة؛ سواء على مستوى أعداد السائحين، وأيضاً حجم التطوير في المناطق السياحية والأثرية، إلى جانب المدن السياحية الجديدة التي انضمت إلى الخريطة السياحية المصرية.

وأوضح أن أعداد السائحين ارتفعت خلال عام 2025 بنسبة 22 % مقارنة بالعام الماضي، ليصل العدد إلى ما يقارب 18 مليون سائح، وهو ما يعكس قوة القطاع وقدرته على النمو المتواصل، مضيفاً أن هذا الارتفاع جاء مدفوعاً بعوامل عدة في مقدمتها المتحف المصري الكبير الذي بات يستقبل يومياً أكثر من 20 ألف زائر، بالإضافة إلى تشغيل مطار سفنكس الدولي الذي يستقبل أعداداً كبيرة من رحلات الطيران الخاص يومياً.

وشدد على أن الدولة المصرية تولي اهتماماً كبيراً بقطاع السياحة، باعتباره من قاطرات التنمية الاقتصادية الرئيسية، ومصدراً مهماً لتعزيز الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي. وأشار إلى وجود تنسيق مستمر بين وزارات الاستثمار والسياحة والإسكان، لتعزيز فرص الاستثمار السياحي، وصياغة خريطة استثمارية جاذبة، خصوصاً في قطاع الفنادق بهدف زيادة الطاقة الفندقية ومضاعفة عدد الغرف، دعماً للمستهدف الوطني الرامي إلى الوصول بعدد السياح إلى 30 مليون سائح خلال السنوات الثلاث المقبلة.