في قلب الصحراء المصرية، على طول مياه خليج السويس، تكمن حقيقة جيولوجية صامتة لكنها مثيرة، هذا الممر المائي الذي اعتقد العلماء أنه توقف عن التمدّد منذ ملايين السنين، لا يزال في الواقع يتسع ببطء شديد، بمعدل نصف مليمتر سنويا.
هذه الحركة الخفية، الصامتة، تعيد كتابة فهمنا لكيفية تطور الصدوع الفاشلة والناجحة في العالم، وتضع خليج السويس في قائمة المناطق التكتونية النشطة رغم اعتقادات سابقة بالعكس.
يعود تكوّن خليج السويس إلى نحو 28 مليون سنة، عندما بدأت الصفيحة العربية بالابتعاد عن الصفيحة الإفريقية، في عملية تُعرف بالصدع، وهي نفس الآلية التي تتكون بها المحيطات الجديدة. بحسب الرواية التقليدية، تباطأ هذا الصدع قبل حوالي 5 ملايين سنة، وظل الخليج على حاله دون أن يتحول إلى محيط، لذا اعتبر نموذجا للصدع الفاشل، وفقا لموقع " livescience".
لكن دراسة حديثة نشرت في 3 نوفمبر 2025 في دورية Geophysical Research Letters، قادها العالم ديفيد فيرنانديز-بلانكو من معهد علوم البحار العميقة والهندسة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، تظهر أن الصدع لم يتوقف، بل تباطأ فقط، وما زال يتسع بمعدل نحو 0.5 مليمتر سنويا، وهو معدل مماثل للامتداد الذي تشهده بعض مناطق غرب الولايات المتحدة، حيث يولّد امتداد الصدع سلسلة من الجبال والوديان المعروفة باسم Basin and Range Province.
استند الباحثون في دراستهم إلى تحليل التضاريس ومسارات الأنهار التي تقطع الصخور، إضافةً إلى ارتفاعات الشعاب المرجانية القديمة التي تكونت عند مستوى سطح البحر خلال الفترات الدافئة بين العصور الجليدية، لكنها ارتفعت الآن حتى 18.5 مترا فوق الخليج.
هذه الأدلة تشير إلى أن الحركة التكتونية لم تتوقف، بل انتقلت جزئيا نحو البحر الميت، حيث تتشكل الحدود الجديدة بين الصفيحة العربية والإفريقية.
يؤكد فيرنانديز بلانكو أن هذا الاكتشاف يغيّر الطريقة التي نفكر بها في تطور الصدوع، موضحا أن النموذج التقليدي الثنائي أي نجاح الصدع أو فشله لم يعد كافيا، وأن هناك مسارا وسطا يمكن للصدوع أن تبطئ فيه دون أن تفشل فعليا.
