في اكتشاف علمي مذهل، كشف فريق من العلماء بقيادة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، بالتعاون مع باحثين من الصين وسويسرا والولايات المتحدة، عن صخرة أرضية قديمة جدًا يعود تاريخها لأكثر من 4.5 مليارات سنة. هذه الصخرة تعتبر أقدم من أي صخور معروفة على سطح القمر، وتفتح نافذة نادرة لفهم تكوين الأرض المبكر والنظام الشمسي في بداياته.
تشير الدراسة المنشورة في مجلة Nature Geoscience إلى أن بدايات الأرض المضطربة لم تمحِ تكوينها الأصلي بالكامل. بعض شظايا المواد الأولى للكوكب بقيت محفوظة في أعماق الوشاح الأرضي، ما يمثل أول دليل مباشر على بقاء أجزاء من الأرض منذ نشأتها، قبل التصادم الهائل الذي يُعتقد أنه أنشأ القمر.
تصادم غير كل شيء
وفقًا للنماذج العلمية الحالية، تشكلت الأرض من قرص دوّار من الغاز والغبار حول الشمس، حيث اندمجت الجسيمات تدريجيًا لتكوّن النيازك وفي النهاية الكواكب الشابة. في هذه البيئة الفوضوية، كان من المرجح أن تكون الأرض المبكرة عالمًا منصهرًا مغطى بالحمم البركانية.
بعد حوالي 100 مليون سنة من تكوينها، اصطدم بها جسم بحجم المريخ فيما يسميه العلماء التأثير العملاق. هذا الاصطدام العنيف لم يخلق القمر فحسب، بل أذاب وخلط أيضًا الكثير من المواد الداخلية للأرض، مما جعل العلماء يعتقدون سابقًا أن المكونات الأصلية قد فقدت إلى الأبد.
اختلاف كبير في النظائر المدفون في الصخور
في الدراسة الجديدة، حلل الباحثون عينات من الصخور القديمة في غرينلاند وكندا والرواسب البركانية في هاواي، وهي مواقع معروفة بإيواء بعض أقدم المواد الجيولوجية على الأرض. ركز الفريق على قياس نسب ثلاثة نظائر للبوتاسيوم: البوتاسيوم-39، البوتاسيوم-40، والبوتاسيوم-41.
باستخدام مطياف الكتلة عالي الدقة، اكتشف العلماء اختلاف كبير في البوتاسيوم-40، وهو نظير مشع نادر جدًا في المواد السطحية للأرض. لم يظهر هذا الاختلاف من قبل في العينات الجيولوجية الحديثة، ما يشير إلى أن هذه الصخور ربما نجت من الاختلاط الداخلي المكثف الناتج عن التأثير العملاق.
قالت نيكول ني، عالمة الكواكب في MIT والمؤلفة الرئيسية للدراسة: “ربما يكون هذا أول دليل مباشر على أننا حافظنا على مواد الأرض الأولية.”
وأضافت أن العثور على اختلاف كبير في النظائر يعود حتى قبل التأثير العملاق كان مفاجئًا بالنظر إلى التاريخ الجيولوجي الطويل والنشط للكوكب.
مقارنة بالنيازك
درس فريق ني النيازك من جميع أنحاء النظام الشمسي ووجد أن العينات المختلفة تحمل توقيعات نظائر البوتاسيوم المتميزة، ما يعكس البيئات المتنوعة التي تشكلت فيها. لكن الاختلاف الكبير الذي تم اكتشافه على الأرض لم يتوافق مع أي نيزك معروف، ما يشير إلى أن المواد الأصلية التي شكلت الأرض المبكرة قد لا تكون ممثلة في مجموعات النيازك الحالية.
ماذا كانت الأرض قبل أن تصبح الأرض؟
يضيف هذا الاكتشاف طبقة جديدة لفهم التاريخ المبكر للأرض. فقد أظهرت المحاكاة والنمذجة كيف تغيرت مستويات البوتاسيوم-40 بسبب التأثيرات والحمل الحراري للوشاح والعمليات الجيولوجية الأخرى على مدى مليارات السنين. النتائج المستمرة تشير إلى أن بعض مواد الأرض العميقة بقيت دون مساس تقريبًا منذ تكوين الكوكب.
وفقًا لنيكول ني، كان العلماء يعتمدون تقليديًا على مقارنة تكوين الأرض بعينات النيازك لتحديد مكونات الأرض المبكرة، لكن الدراسة الحالية تظهر أن هذا الجرد غير مكتمل، وأن جزءًا كبيرًا من المواد التي شكلت عالمنا لا يزال مجهولًا.
الأهمية العلمية
يمثل هذا الاكتشاف أداة جيوكيميائية قوية لتتبع أصول الأرض، ويوفر فرصة نادرة لفهم بنية الأرض المبكرة والعمليات التي أعادتها إلى شكلها الحالي بعد الاصطدام العملاق. كما يتيح مقارنة مباشرة بين الأرض والقمر ويؤكد أن بعض المكونات الأصلية للأرض نجت من الاختلاط العميق عبر مليارات السنين.
