من قلب المحيط.. ناسا تكشف كنزاً خفياً يروي قصة 20 ألف عام

كشف مرصد الأرض التابع لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" عن صورة جديدة مذهلة لجزر "درملين" (Drumlin) في ميناء بوسطن، ما سلط الضوء على أحد أسرار الأرض الجيولوجية الخفية، وأتاح نافذة نادرة على تاريخ الأرض الجليدي قبل أكثر من 20 ألف عام.

وتُشكل هذه التلال الممدودة، التي نشأت خلال فترة "العصر الجليدي لويسكونسن"، نموذجا فريدا لتأثير الأنهار الجليدية في تشكيل التضاريس. فقد تراكمت الرواسب من طين وصخور ورمال بفعل حركة الجليد، لتأخذ شكل التلال المميزة المعروفة باسم "درملين".

وتوجد تكوينات مشابهة في مناطق محدودة حول العالم، مثل خليج "كلو باي" في إيرلندا وأجزاء من كندا، إلا أن تميز جزر ميناء بوسطن يكمن في كونها نصف مغمورة تحت سطح البحر، ما يجعلها الظاهرة الوحيدة في أمريكا الشمالية التي يمكن دراستها بهذا الشكل تحت الماء، وفقا لـ dailygalaxy.

ويؤكد عالم الجيولوجيا جاسبر نايت من جامعة ويتووترسراند في جنوب إفريقيا أن هذه التكوينات توضح طبيعة الأنهار الجليدية الديناميكية، مشيرا إلى أن "الافتراضات السابقة عن تقدم أو تراجع الجليد ببطء وثبات لم تعد صالحة".

وأضاف أن حركة الأنهار الجليدية وانحسارها شكّلت التضاريس بطرق غير متوقعة، ما يجعل دراسة هذه الجزر فرصة فريدة لفهم تاريخ الأرض.

ويشير العلماء إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر عقب انحسار الأنهار الجليدية ساهم في غمر أجزاء من هذه التلال، محوّلا إياها إلى جزر قائمة. كما أتاح هذا الوضع البيئي غير المعتاد فرصة فريدة لمراقبة تأثير تغيّر المناخ على التضاريس والسواحل. ومع استمرار ارتفاع مستوى البحر بفعل الاحتباس الحراري، يتوقع أن تتعرض هذه الجزر لمزيد من التآكل، مما سيغيّر ملامحها الطبيعية تدريجيا.

إلى جانب أهميتها الجيولوجية، تشكل جزر "درملين" جزءا من "حديقة جزر ميناء بوسطن الوطنية والولائية"، وتضم معالم تاريخية بارزة مثل منارة "بوسطن لايت"، أقدم منارة عاملة في الولايات المتحدة، وحصن "وارن" الذي استخدم خلال الحرب الأهلية الأمريكية. كما تحتوي الجزر على نظم بيئية متنوعة تشمل المستنقعات المالحة وأحواض المد والغابات الصلبة، موفرة موائل أساسية للحياة البحرية والطيور والبرمائيات، ما يجعلها ذات أهمية بيئية كبيرة إلى جانب قيمتها التاريخية.

ويستفيد العلماء من هذه الجزر كمختبر طبيعي لدراسة تأثيرات تغيّر المناخ، بما في ذلك مراقبة ارتفاع مستوى البحر وكيفية تأثيره على النظم البيئية الهشة. وتُعد هذه الجزر نموذجا مصغرا للتغيرات البيئية الكبرى التي تحدث على السواحل حول العالم، ما يجعلها موقعا فريدا يجمع بين التاريخ الجيولوجي والبحث العلمي والحفاظ على البيئة.