أدريا العظمى.. القارة المفقودة تظهر بعد 140 مليون سنة!

في اكتشاف مذهل قد يغيّر طريقة فهمنا لتاريخ الأرض، أعلن فريق من علماء الجيولوجيا عن العثور على بقايا قارة مفقودة بحجم غرينلاند مدفونة في أعماق جنوب أوروبا. القارة، التي أطلق عليها اسم أدريا العظمى، كانت جزءاً من قارة قديمة انفصلت عن شمال إفريقيا قبل حوالي 220 مليون سنة، ثم انجرفت ببطء نحو الشمال واصطدمت بأوراسيا. ومع هذا الاصطدام، انزلقت معظم كتلتها إلى أعماق الأرض، بينما بقيت أجزاء منها مطوية ومرفوعة لتشكل جبالاً ومناظر طبيعية ما زلنا نراها حتى اليوم.

الدراسة، التي نشرت تفاصيلها في المجلة العلمية Gondwana Research، اعتمدت على أكثر من 10 سنوات من الأبحاث والتحليلات التي قادها البروفيسور دووي فان هينسبرغن من جامعة أوترخت في هولندا. الفريق العلمي فحص أكثر من 2,300 موقع صخري في 30 دولة، وجمع بيانات زلزالية مع برامج متطورة لرسم حركة الصفائح التكتونية منذ ملايين السنين.

ومن أبرز النتائج أن بقايا القارة المفقودة لا تزال موجودة على عمق هائل تحت الأرض. فقد عثر العلماء على أجزاء منها على بعد 1,500 كيلومتر تحت اليونان، يمكن رؤيتها في صور حديثة لوشاح الأرض. هذا الاكتشاف يثبت أن أدريا العظمى ليست مجرد أسطورة مثل أطلانتس، بل حقيقة علمية تركت بصماتها واضحة في تضاريس أوروبا.

اليوم، يمكن للزوار أن يشاهدوا آثار هذه القارة القديمة فوق سطح الأرض في أماكن مثل سهل بو في إيطاليا، ومدينة البندقية، وتورينو، إضافة إلى إقليم إستريا في كرواتيا. هذه المواقع ليست مجرد بقايا جيولوجية، بل أماكن حية يمكن السير فيها ولمسها مباشرة.

لكن أهمية الاكتشاف لا تتوقف عند إعادة كتابة التاريخ الجيولوجي. فالفوالق القديمة الناتجة عن غرق القارة ما تزال نشطة وتسبب الزلازل في مناطق تمتد من إيطاليا إلى تركيا وإيران. كما أن دراسة الصفائح القديمة تساعد في فهم أماكن وجود المعادن الثمينة مثل النحاس والزنك والعناصر النادرة، والتي تتشكل عادة عند حدود الصفائح. هذا يعني أن البحث في تاريخ الأرض قد يساعد أيضاً في استكشاف موارد المستقبل.

ويعتقد العلماء أن أدريا العظمى كانت أشبه بسلسلة جزر منخفضة، يشبهها البعض بالقارة الحديثة زيلانديا الموجودة قرب نيوزيلندا، والتي تغمرها المياه حالياً. وتشير التقديرات إلى أن نحو 7% فقط من مساحة أدريا العظمى كان فوق سطح البحر في أوجها.

هذا الاكتشاف، المنشور في Gondwana Research، لا يهم العلماء فقط، بل يمس حياتنا بشكل مباشر. ففي زمن يشهد تحديات مثل التغير المناخي وندرة الموارد، يساعدنا فهم تاريخ الأرض على إدراك المخاطر التي نواجهها والفرص التي يمكن أن نستفيد منها.

إن قصة القارة المفقودة تذكرنا أن كوكبنا ليس ثابتاً، بل يتغير باستمرار، وأن أسراره المدفونة في الأعماق قد تحمل مفاتيح المستقبل.