فاطمة الشامسي.. مسافرة تطل على العالم من نافذة السينما

بدأت مسيرتها المهنية في مجال التحليل الجيوسياسي، قبل أن تختطفها السينما إلى عوالم الدهشة والإبداع، فوظفت خبرتها في قراءة الواقع بتشابكاته المتداخلة، لينعكس ذلك على موهبتها في الإخراج، وكتابة السيناريو بالعربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية. منحها السفر المستمر أفقاً متسعاً، فرأت العالم بألوان الطيف، وعبَّرت عن مفاهيم الإنسانية والانفتاح الثقافي. تشبَّعت بالتقاليد الأصيلة، فانحازت إلى المجتمع الإماراتي، وأبدعت في تصوير ملامحه المشرقة.

إنها الكاتبة والمخرجة الإماراتية الشابة فاطمة عبد العزيز الشامسي، التي حاورتها «البيان»، وارتحلت معها في دنيا «الفن السابع»، بمناسبة إطلاق فيلمها الروائي القصير «وعد»، الذي شاركت به في الدورة الثانية عشرة من مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب 2025.

ثقافات متعددة

تحكي فاطمة الشامسي أنها وُلدت ونشأت في الخارج، وأن السينما كانت بالنسبة إليها وسيلة لاكتشاف المجتمعات والثقافات عن قرب، ليس من خلال اللغة فحسب، بل من خلال الفن أيضاً، الذي يُظهر روح الدعابة، والحب، والألم، وكيفية تعامل الناس معه، مشيرةً إلى أنها ترى السينما جسراً يعبر الحدود، ويمنحها حرية الاستكشاف، فبعد انغماسها في ثقافات متعددة، أصبحت ترى بوضوح الإنسانية المشتركة التي تربط الجميع.

وعن تأثر موهبتها السينمائية إيجابياً بعملها سابقاً محللةً جيوسياسية، تقول: «علمتني وظيفتي مدى أهمية البحث وبناء الفرضيات، وقراءة العلاقات بين الدول والأفراد، ما ساعدني على تطوير فهمي لقوة سرد الرواية. فهمت كيف تُصنع القرارات الصغيرة، لكي تصبح تحوّلات كبيرة، وهذا الوعي ساعدني كثيراً على كتابة عوالم دقيقة، وصناعة صراع له رهانات حقيقية، مهما كان، صغيراً أم كبيراً».

وتضيف: «يقال إن السياسة مسرح، وأنا أؤمن بأن هذا المجال مليء بالدروس: كيف تُوجَّه العواطف، وكيف تتشكَّل الاتجاهات، وكيف تبقى مشكلاتنا الإنسانية واحدة مهما اختلفت البيئات، لهذا أرى أن الناس ينجذبون بقوة إلى الخيال العلمي والفانتازيا، فهي تناقش قضايا واقعية تحت غطاء العوالم السحرية، وتمنح المشاهد فرصة لرؤية انعكاس عالمه، ولكن بمسافة مريحة من الخيال».

عالم سريع

وترى فاطمة الشامسي أن الفرق بين الفيلم الطويل والقصير، هو أن الأول يتحدث عن الشخصية، في حين يتمحور الثاني حول الحدث، وأن هذا التفريق مثير للاهتمام، خصوصاً في زمن أصبحت فيه فترات التركيز قصيرة جداً، مؤكدةً أن الأفلام القصيرة تمتلك في هذا العالم السريع فرصة حقيقية للنجاح، إذا استطاعت أن تلتقط شيئاً صادقاً ومباشراً.

وتبيّن أن المتلقي اليوم أصبح مشتت الذهن، ويهوى المقاطع القصيرة، ولذا، بات من الصعب جداً الاستحواذ على انتباهه، وهنا تبرز أهمية الأفلام القصيرة، التي غدت سلاحاً ذا حدين، وتتميز بقيمة إبداعية هائلة، ولكنها أيضاً قد تفشل في إيصال الفكرة إلى الجمهور، مشيرةً إلى أن الأفلام القصيرة تجبر المبدع على عرض جوهر الفكرة، الذي يتشكَّل من شخصية واضحة، وصراع، ونهاية مؤثرة، بعيداً عن الحشو.

وتقول: «أعتبر هذا أحد التحديات، فيجب اختيار العناصر الملائمة من إيقاع وإنتاج وصوت، ما يجعل المخاطرة أقلّ كلفة، ويسمح بابتكار جريء، وقد يتحول الفيلم القصير إلى فيلم طويل، إذا أعجب الجمهور وشركات الإنتاج»، لافتةً إلى أن التحدي الأكبر، يكمن في الوصول إلى الجمهور، فالأفلام القصيرة لا تزال تُعرض في نطاق ضيّق، وغالباً ما تقتصر على المهرجانات السينمائية.

وتضيف: «نادراً ما تُجمع الأفلام القصيرة في مختارات أو تُعرض على المنصات أو في دور السينما، وإذا تمكَّنا من سد هذه الفجوة بين الفيلم القصير والجمهور، فسنُحدث فرقاً حقيقياً. وعلى مستوى صنَّاع السينما، فإن للأفلام القصيرة قيمة تدريبية كبيرة، فهي تجبر المخرج على أن يكون أكثر جرأة ودقة، وأن يختصر فكرته في مساحة زمنية محدودة، وهذا التحدي يدفعه إلى صقل أدواته، والتركيز على ما هو جوهري: القصة، والإيقاع، والمشاعر».

سفر دائم

وتؤكد فاطمة الشامسي، التي تقيم بين أبوظبي ونيويورك، مدى استفادتها من السفر الدائم، وأن السينما كانت نافذتها للتعرف إلى الثقافات المختلفة، وفهم الكيفية التي يفكر بها الناس، ويحبّون ويعبّرون عن أنفسهم، مردفةً: «نشأت في نيويورك، وأكملت دراستي هناك في مدينة نابضة بالحياة، وكان شعار بيتنا الدائم: (نحن جميعاً سفراء لوطننا)، وهذا التوازن بين روح نيويورك والتقاليد الإماراتية، أثّر كثيراً في كتاباتي وأفلامي».

وتشير إلى أنها تميل إلى الأسلوب الطبيعي والعفوي في السينما النيويوركية، حيث تدور الأحداث في الشوارع وبين الناس، أكثر من ميلها إلى الأسلوب الهوليوودي المصقول، الذي يُصوَّر في استوديوهات مغلقة، مبينةً أنها تحاول المزج بين ذلك الحسّ الواقعي، وبين القيم الثقافية والإسلامية الإماراتية، سواء في الموضوعات التي تتناولها، أو المشاعر التي تعبّر عنها.

إيقاع

وعن رؤيتها تجاه اللغات التي تجيد الكتابة بها، توضح فاطمة الشامسي أنها تتعامل مع اللغة بوصفها أداةً لا قيداً، بحيث تعكس مكان الحدث وخلفيات الشخصيات والإيقاع السمعي للحوار، مشيرةً إلى أن الشخصيات حين تكون عربية وهمومها محلية، تمنحها العربية بفصحاها ولهجاتها، وحين تتحرّك القصة في فضاء عابر للثقافات، أو تستلزم إنتاجاً دولياً، تفضّل كتابتها بالإنجليزية، لإتاحة شراكات أوسع، وإمكانات أداء متعددة.

وتشرح الأساس الذي من خلاله تحدد اختيار اللغة التي تبدع بها، وتعبّر عن خيالها الفني، قائلةً: «باختصار: القصة تختار لغتها، وأنا أستجيب لما يحفظ صدقها، ففي فيلمي «وعد» استخدمت اللغتين، لأن هذا واقع نعيشه في مجتمعنا، حيث أصبح العديد من العوائل الإماراتية يتحدث باللغتين العربية والإنجليزية».

صورة مغايرة

وتكشف فاطمة الشامسي عن جوانب من كواليس فيلمها الأخير «وعد»، الذي وُلد من واقع المجتمعات العربية، والتجارب التي تمرُّ بها معظم الفتيات، لافتةً إلى أنها أرادت أن تسلط الضوء على المرحلة الحساسة بين الطفولة والمراهقة، ولذا اعتمدت مع فريق عملها أسلوباً واقعياً في التصوير، بعدسة دافئة، تعبّر عن حبّ الأب لابنته، وعزز هذا الإيحاء الفني، مشاركة ممثلين محترفين، وآخرين جدد، حفاظاً على العفوية والصدق.

وتقول: «حرصت على تقديم صورة مغايرة لما هو منتشر في الإعلام الغربي عن الرجل العربي أو المسلم الغاضب. ففي العالم العربي، وخاصة الإمارات، تبدو علاقة الأب بابنته مفعمة بالعطف والحنان، وهي صورة نادراً ما نراها في الإعلام الأجنبي، برغم أنها جزء أصيل من واقعنا».

وعن مدى إيمانها بقدرة السينما على التغيير، ترى فاطمة أن الفن مرآة للواقع، ترينا أنفسنا، ووسيلة لإيصال رسالة تجعل جميع المشاهدين يأخذون بضع دقائق لمراجعة أنفسهم، وتحديد موقفهم من القصة التي يشاهدونها، مضيفةً: «ربما لا يغيّر الفن السلوك المجتمعي في لحظة، لكنه يفتح باب الحوار، ومن هنا يولد التغيير».