في رحاب بيت الشعر، الذي يعد واحة من السكينة وسط أروقة معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والأربعين، يعيش الزائر تجربة إنسانية فريدة تمزج بين الفن والعلاج، بين الإبداع والصفاء، هنا، تتبدل وظيفة الكلمة فتغدو وصفة تنعش الروح، وتستبدل الأدوية بأبيات من الشعر، تتسلل إلى الأعماق لتروي عطش القلب والعقل معاً.
تحت عنوان «صيدلية الشعر»، تقدم الشاعرة والكاتبة البريطانية ديبورا ألما مشروعاً فنياً وعلاجياً غير مألوف، تسعى من خلاله إلى ترميم النفس بالكلمات، وإعادة اكتشاف أثر اللغة حين تتحول إلى بلسم داخلي، فعلى رفوف الصيدلية لا تعرض أقراص دوائية، بل قوارير شفافة تحوي كبسولات ورقية تضم أبياتاً مختارة بعناية باللغتين العربية والإنجليزية، تحمل رسائل عن الحب والسكينة والقدرة على الشفاء الذاتي.
تقول ديبورا ألما: «نؤمن أن الشعـر طاقة شافية تعيد التوازن للوجدان قبل أن تعالج الجسد، ومن هذا الإيمان ولدت فكرة «صيدلية الشعر»، لتكون مساحة يلتقي فيها الجمال بالعافية، والمجاز بالتأمل، فيتحول بيت الشعر إلى ملاذ لمن يبحث عن بصيرة جديدة أو فرح بسيط يعيد للحياة وهجها».
تضم الصيدلية إصدارات ديبورا ألما المعروفة، مثل «شرارة الإبداع»، «دواء الأرض»، «طاقة البهجة»، «مساحة أمان»، «رسائل من القلب»، «رحلة اكتشاف الذات»، و«طور الإنقاذ الذاتي»، إلى جانب مختارات شعرية عالمية وعربية تنسج خيوطها من الحكمة والحنين، ومن بين ما يعرض قول الكاتبة فاطمة المرنيسي: «الطبيعة أفضل صديق للمرأة... إن واجهتكِ هموم، انظري إلى السماء أو ارتمي في حقل، هناك تجدين السلام»، وأبيات نزار قباني التي تفيض عطاء:
«فإذا أهداك غيري غيمةً... أنا أهديك المطر
وإذا أهداك قنديلاً... فإني سأهديك القمر»
ديبورا ألما، المعروفة بلقب «شاعرة الطوارئ»، بدأت رحلتها من عربة إسعاف قديمة كانت تجوب بها الريف البريطاني لتوزع القصائد بدلاً من الأدوية، مقدمة الشعر بوصفه علاجاً للحزن والوحدة. درست الكتابة الإبداعية في جامعتي ووستر وكيلي، وأصدرت أعمالاً مؤثرة منها «عشر قصائد للسعادة» و«الشاعر اليومي – قصائد للعيش بها»، ونالت جائزة «أنا أيضاً» تكريماً لتجربتها في تسخير الأدب لخدمة الشفاء الإنساني.
بهذه الفكرة، تحول «بيت الشعر» في معرض الشارقة الدولي للكتاب إلى فضاء تتلاقى فيه المعرفة بالعافية، والإبداع بالتأمل، فتغدو القراءة فعلاً علاجياً يعيدنا إلى جوهر الإنسان، ويجسد رؤية الشارقة التي تؤمن بأن الأدب هو شكل آخر للحياة، يعيدنا كل مرة إلى أنفسنا أكثر صدقاً وضياءً.


