حكايات حضارة لا تموت، ومعالم شامخة في دروب التاريخ، وأعلام رحلوا بأجسادهم، لكنَّ كلماتهم ما زالت تتردد أصداؤها، وخطوطهم ما فتئت تشهد على منجزاتهم.
كل ذلك يراه الباحث ضمن رحلته وسط المخطوطات النفيسة التي طويت قصصها في سجل العصور، لتبدأ حياة جديدة في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي.
ثروة هائلة
وكشف الدكتور محمد كامل جاد، المدير العام لمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، لـ«البيان»، أن المركز يحتضن ثروة هائلة من المخطوطات الأصلية التي يقارب عددها 23645 مخطوطاً، تقع في نحو 14323 مجلداً، إضافةً إلى المخطوطات المصوَّرة من شتى البلدان التي يبلغ عددها نحو مليون نسخة مصورة، مشيراً إلى أن هذه الأعداد قابلة للزيادة يومياً نظراً إلى استقبال المركز مخطوطات جديدة بصورة مستمرة.
وقال جاد: «تنتمي المخطوطات المحفوظة في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي إلى عصور متنوعة، ويرجع تاريخ أقدم المصنَّفات العلمية منها إلى القرن الخامس الهجري، ويمتد حتى الخامس عشر تقريباً، وما قبل ذلك رقائق قرآنية من القرن الثاني الهجري»، لافتاً إلى أن اعتناء معالي جمعة الماجد، رئيس المركز، بجمع المخطوطات واقتنائها من أنحاء العالم، لم يكن بهدف إنشاء مكتبة ضخمة والتيسير على الباحثين فحسب، وإنما لحل إشكال معضل يكمن في لمّ شتات مصادر التراث العربي المتناثرة، بحيث يمكن تكوين تصوُّر شامل عنها والتعامل معها تحقيقاً ودراسةً.
وأضاف أن المخطوطات هي الكتب التي أُنتجت خلال مدة الحضارة العربية الإسلامية (من القرن الثالث حتى الرابع عشر الهجري)، وأن العلوم في البداية كانت عند اليونانيين؛ نظراً إلى تقدمهم حضارياً، وأن العرب أسَّسوا لحركة ترجمة قوية سُميت «مدرسة جُنْدَيسابور«، وقامت على جهود أعلام من المترجمين أمثال: حنين بن إسحاق، وابنه إسحاق، وحبيش بن الأعسم، ما أدى إلى نشأة علوم عربية ناتجة عن تفاعل علماء العرب مع التراث المترجَم، مبيناً أنه بناءً على هذا السرد التاريخي؛ فإن تراث الأمة كله مخطوط، سواء العلوم (طب، كيمياء، فلك..) أو المعارف (لغة، فقه، جغرافيا..).
وأوضح أن عدم تطابق نُسَخ المخطوط الواحد نسبةً وزيادةً ونقصاناً وتصحيفاً وتحريفاً استدعى الاتجاه إلى جمع التراث ومقابلة بعضه ببعض ونشره وفق ضوابط علمية متفق عليها؛ بغرض الوصول إلى النص الصحيح الذي كتبه المؤلف، وهو ما عُرف بـ«علم التحقيق» الذي يشكِّل السبيل الوحيد إلى معرفة تاريخ الأمة في كل العلوم والمعارف، مؤكداً أن ما تم تحقيقه ونشره حتى الآن لا تتجاوز نسبته 15% من التراث، ما يعني أن جانباً ضخماً من تراثنا العلمي والفكري والمعرفي ما زال مخطوطاً.
وخلال جولة لـ«البيان» بين الذخائر الثمينة التي يزخر بها مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، اطلعنا على أبرز المخطوطات النفيسة والنادرة المحفوظة في ظروف تمت تهيئتها خصوصاً، ودرجات حرارة مناسبة تقيها من التلف، إضافة إلى العُلب المصنَّعة من مواد طبيعية لحمايتها، التي يرمز كل لون منها إلى العصر الذي ينتمي إليه كل مخطوط، وذلك ضمن نظام متقن يجري تنفيذه بمهارة عالية.
وكان بين تلك المخطوطات التي تبوح بأسرار التاريخ العريق قطعة من القرن الرابع الهجري، تتضمَّن آيات من «سورة الأنبياء» مكتوبة على الرق بخط كوفي قديم مشكول بالحمرة ومنقوط بالسواد، وأخرى ترقى إلى القرن السابع الهجري، واشتملت على آيات من «سورة البلد» بخط أندلسي، ونسخة خزائنية من المصحف الشريف تحوي «سورة الأنعام» كاملة، وترجع إلى عام 910هـ، كتبها الأمير أبو الخير محمد قورقود العثماني بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح، ونسخة من موطأ الإمام مالك، كُتبت على الرق عام 467هـ، وكذلك مخطوط في علم الصيدلة بعنوان «مادة الحياة وحفظ النفس من الآفات»، تأليف محمد بن أبي بكر بن محمد التميمي اليماني، يرجع تاريخ نسخه إلى القرن الرابع عشر الهجري.







