«منحة دبي الثقافية» رافعة حيوية للصناعات الإبداعية

هالة بدري
هالة بدري

رؤى متسعة الآفاق، وجهود لا تكفّ عن الإبداع، تواصل بها دبي رسم مستقبل الأجيال الناشئة، وتفتح من خلالها بوابات واسعة على الأمل، لتضع في طريق الشباب فرصاً لتحويل مواهبهم إلى مشروعات طموحة، تماشياً مع الأسس والمناهج المدروسة لمفهوم الاقتصاد الإبداعي. وها هي هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة» تحقق الكثير من الإنجازات في هذا المجال عبر برنامجها المتميز «منحة دبي الثقافية»، وتتبنى أحلام المبدعين الصاعدين الذين باتوا يحصدون ثمار ذلك الدعم اللامحدود.

قفزة نوعية

وأكدت هالة بدري، مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي، في تصريح لـ«البيان»، أن برنامج «منحة دبي الثقافية» يمثل قفزة نوعية تعكس جهود الهيئة والتزامها بتطوير قطاع الثقافة والفنون، ودعم اقتصاد دبي الإبداعي، من خلال توفير منح بقيمة 180 مليون درهم توزع على مدار 10 سنوات.

وقالت: «يمتاز البرنامج بتقديمه فرصاً استثنائية لأصحاب المواهب المحلية، تشجعهم على الإبداع ومواصلة الابتكار في المجالات الثقافية والفنية، وتسهم في تعزيز حضورهم على خريطة الثقافة العالمية.

وتسعى «دبي للثقافة» من خلاله إلى توفير منصات متفردة قادرة على دعم وتمكين المبدعين في مجالات الفنون البصرية والتشكيلية والرقمية، والتصميم، والآداب، والتراث والمتاحف، والفن في الأماكن العامة، والفنون الأدائية، والألعاب، والتطوير المهني، وفنون الطهي، وغيرها، وتحفيزهم على تقديم أفكار وتجارب استثنائية، تعبر عن تفرد رؤاهم وإنتاجاتهم، وتمكنهم من تأسيس مشروعاتهم في دبي، والاستفادة من بيئتها الملهمة وبنيتها التحتية وإمكانياتها الواسعة».

وأشارت إلى أن المرحلة الأولى من البرنامج تضمنت تقديم 18 منحة في العام الأول، مؤكدة أن البرنامج أسهم منذ إطلاقه في دعم 110 مبدعين في مختلف المجالات، ما يعكس أهمية دوره في استدامة القطاع الإبداعي في الإمارة، وترسيخ مكانتها حاضنة للطاقات والكفاءات المميزة.

ولفتت بدري إلى أن برنامج «منحة دبي الثقافية»، الذي يندرج تحت مظلة استراتيجية جودة الحياة في دبي، يتماشى مع دور الهيئة ومسؤولياتها الهادفة إلى دعم المجتمعات الإبداعية في الإمارة، والاستثمار في أصحاب المواهب الناشئة، وتحفيز روح الابتكار لديهم، وتشجيعهم على المشاركة في دعم قوة الصناعات الثقافية والإبداعية في دبي.

وأضافت: «يسهم البرنامج من خلال منحه المختلفة في ربط أصحاب المواهب الإماراتية والمقيمة على أرض الدولة بالمهرجانات الأدبية والفنية الدولية، والاحتفاء بتجاربهم وإبداعاتهم، وتمكينهم من التفاعل مع التجارب العالمية والاستفادة منها، كما يحفزهم على تبني الحلول المبتكرة، واستكشاف أدوات الذكاء الاصطناعي واستثمارها في تنمية مشروعاتهم ونشر أعمالهم على نطاق واسع».

تجربة مختلفة

وتحدثت الفنانة علياء غباش عن تجربتها بالمشاركة في برنامج «لكول فان كليف أند آربلز» عبر «منحة دبي الثقافية» مشيرة إلى أنها شكَّلت بالنسبة إليها تجربة مختلفة كلياً؛ إذ إن لديها خلفية في تصميم المنتجات، ولم يكن قد سبق لها خوض مجال تصميم المجوهرات، وأوضحت أن مشاركتها كانت بمثابة فرصة لاكتشاف جانب جديد من التصميم لم تتعامل معه من قبل.

وقالت علياء: «تعلمت الكثير عن الحِرف والتقنيات المرتبطة بالمجوهرات، ووسّع هذا طريقتي في التفكير الإبداعي، وفتح أمامي آفاقاً جديدة يمكن أن تنعكس على عملي بصفتي مصممة، سواء في المنتجات أو في مشروعات أكثر ارتباطاً بالهوية والثقافة».

وتابعت: «الأهم أنها ساعدتني في تطوير رؤيتي بصفتي مصممة منتجات، والخروج بمفهوم أفتخر بأنه وُلد من هذه التجربة، وأسهم في تشكيل أسلوبي وهويتي الإبداعية، وأرى أن البرنامج كان له أثر واضح في دعم جيل جديد من المبدعين؛ لأنه فتح أمامنا فرصاً للتعلم واكتساب خبرات عالمية»، منوهةً بأن مثل هذه المبادرات تجعل من دبي مركزاً نابضاً بالثقافة والإبداع، وتمنح الشباب الثقة ليقدموا أفكارهم بصورة عملية ومعاصرة تعكس الهوية الإماراتية.

مسار حياة

وأوضحت هدى الغفلي، الموهوبة في فن الطهي، وإحدى الحاصلات على «منحة دبي الثقافية»، أن المنجز الحقيقي بالنسبة إليها هو أنها تمكنت من تحويل شعور صغير بدأ أيام الدراسة في الغربة إلى مسار حياة، مشيرةً إلى أن الطبخ كان وسيلتها في تلك الفترة للتخفيف من الحنين والتعبير عن هويتها، لتدرك في النهاية أنه رسالة وأكبر من مجرد هواية.

وقالت هدى، التي تعمل حالياً طاهية محترفة في «طيران الإمارات»: «اليوم أصبح المطبخ الإماراتي مشروعنا الثقافي الذي نكرّس له شغفنا ووقتنا، ونسعى إلى تقديمه للعالم بروح صادقة تجمع بين أصالته وتجاربنا في عرضه بصورة عصرية. وما نعتز به حقاً هو أننا لم نكتفِ بتقديم المطبخ كأطباق، بل نحمله كثقافة متكاملة إلى العالم؛ فالمطبخ في جوهره انعكاس للهوية، ومرآة للتاريخ، وروح للمجتمع».

وأضافت: «لقد منحتنا منحة دبي الثقافية الثقة والاعتراف الرسمي بأن شغفنا يستحق أن يتحول إلى مشروع ثقافي متكامل. كانت نقطة تحوّل فارقة في رحلتنا؛ لأنها لم تمنحنا الدعم فحسب، بل ساعدتنا على تحويل الفكرة إلى رؤية واضحة ومسار مهني نعيشه بجدية وحب»، مؤكدةً أنها أصبحت، بفضل «منحة دبي الثقافية»، أكثر قدرة على استثمار طاقاتها، ومواصلة العمل على تحقيق حلمها في أن تقدّم المطبخ الإماراتي كهوية ثقافية متكاملة، ورسالة تؤمن بها وتفخر بتمثيلها.

ولفتت إلى أن برنامج «منحة دبي الثقافية» قدَّم للأجيال الجديدة فرصة ثمينة ليحوّلوا أحلامهم إلى منجزات حقيقية، فقيمته ليست في الدعم المادي فقط، بل في الثقة التي يمنحها للمبدعين، وفي كونه رسالة بأن دبي تحتضن طاقات شبابها وتراهن على قدراتهم، منوهةً بأن هذا الدعم انعكس بوضوح على المشهد الثقافي في المدينة، فجعله أكثر تنوعاً، وفتح للشباب الباب ليصنعوا أثراً.

ثقة واستمرارية

وأيَّدت ميثة الغفلي، الحاصلة أيضاً على «منحة دبي الثقافية»، رأي شقيقتها هدى التي تشاركها الموهبة ذاتها؛ إذ أكدت أن المنجز الحقيقي بالنسبة إليها يتمثل في أن شغفها البسيط بالطبخ لم يبقَ مجرد هواية، بل تحوّل إلى طريق مهني تعيشه اليوم بكل حب، موضحةً أنه من خلال المنحة أتيحت لها فرصة المشاركة في فعاليات عرّفت الناس بالمطبخ الإماراتي بروح جديدة، وأن هذا الأمر منحها شعوراً بالفخر، ودفعها إلى الاستمرار بثقة أكبر.

وقالت ميثة، التي تعمل حالياً طاهية محترفة في مركز دبي التجاري: «المنحة كانت لحظة فارقة في حياتي؛ جعلتني أؤمن أن ما أحمله من شغف يمكن أن يكون رسالة حقيقية. لم تكن دعماً مادياً فقط، بل كانت اعترافاً بأن طاقتي تستحق أن تُستثمر، وهذا ما جعلني أواصل تطوير نفسي، وأمضي بثبات في طريقي».

وأشارت إلى أن البرنامج أعطى أبناء جيلها مساحة للتعبير، ومنحهم الثقة، واصفة البرنامج بأنه «أكثر من مجرد منحة، بل هو رسالة بأن دبي تؤمن بشبابها وتدفعهم إلى الإبداع»، وهذا ما جعل المشهد الثقافي اليوم أكثر تنوعاً وحيوية.