تميزت الاحتجاجات في العام الحالي بتحول رمزي كبير، من آسيا إلى أمريكا اللاتينية، حيث طوت الحركات الشبابية الجديدة في عالم الاحتجاج السياسي مرحلة الإلهام التقليدية التي كانت ترفع صور وشعارات ثورية من القرن العشرين، فلم يعد نموذج البطل لدى هذا الجيل الاحتجاجي (الجيل زد) شخصيات ثورية من البشر، مثل تشي غيفارا، بل بدأت شخصيات كرتونية من الأنيمي مصدر إلهام للجيل "زد" في الاحتجاجات في تحول غير مسبوق بعلم الاجتماع السياسي.
برزت لافتة غير تقليدية تتوسط الحشود الشبابية في عدد من الدول: راية "قبعة قش" شبيهة بشعار القراصنة مأخوذ من عالم الأنيمي الياباني. لم يعد الأنيمي مجرد مادة للترفيه أو وسيلة للهروب من الواقع، بل تحوّل إلى لغة رمزية جامعة تعبّر عن جيلٍ جديد يبحث عن أدواته الخاصة للتعبير والمقاومة. ومن بين هذا الإنتاج الغزير، يبرز "ون بيس"، بسرديته عن طاقم من المغامرين الشباب الذين يتحدّون حكومات غير عادلة.
لقد وجد جيل زد في شخصية "مونكي دي. لوفي" ورايته السوداء ذات الجمجمة الضاحكة وقبعة القش رمزاً أقرب إلى وجدانهم من أي شعار سياسي تقليدي. فهي تُجسّد، بالنسبة لهم، تمرد الضعيف على القوي، وإصرار المهمّشين على انتزاع العدالة رغم اختلال موازين القوة. إن هذا التداخل بين الخيال والواقع السياسي المعاصر يكشف أن عالم الاحتجاج السياسي يتشكل من جديد، وله لغة وأدوات في التعبير لم يسبق أن اختبرها السياسيون التقليديون.
"مونكي دي. لوفي" هو قرصان ذو جسد مطاطي يقاتل الحكومات غير العادلة بينما يجوب مع طاقمه غير المتجانس المحيطات. في الأشهر الأخيرة، اتخذ محتجون شباب في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة علمه القرصاني رمزاً للاحتجاج.
لوفي هو بطل سلسلة المانغا والأنمي اليابانية الطويلة «ون بيس»، التي تتابع مغامراته في سعيه وراء كنز أسطوري. اليوم، يمكن رؤية علمه المميز يرفرف بين الأعلام الوطنية ولافتات «فلسطين حرة» والرايات في موجة من الاحتجاجات الأخيرة، من إندونيسيا ونيبال إلى فرنسا والمملكة المتحدة.
العلم يظهر فيه جمجمة باسمة وعظمتان متقاطعتان مع لمسة فريدة: الجمجمة ترتدي قبعة قش مزينة بشريط أحمر. وقد أصبح علم لوفي أحدث رمز من رموز الثقافة الشعبية التي تُلهم المحتجين حول العالم، مهما كانت قضيتهم.
انتشاره المتزايد يعكس الثقل الثقافي لإنتاج اليابان الضخم من المانغا والأنمي بين الأجيال الشابة، إذ يُقرأ على الهواتف ويُبث على الإنترنت، ويحظى بشعبية هائلة في كل أنحاء العالم.
قال مات أولت، مؤلف كتاب «الاختراع الخالص» عن الثقافة اليابانية الحديثة وجاذبيتها العالمية: «من الطبيعي أن الحركات الاحتجاجية التي يقودها الشباب ستدمج صور الأنمي». وأضاف لصحيفة "وول ستريت جورنال": «الأنمي لغة عالمية للشباب في كل مكان»، حيث غالباً ما يضم أبطالاً شباباً يكافحون ضد شخصيات سلطوية.
في نيبال، رفع علم قراصنة «القبعة القشية» على البوابات المزخرفة لمبانٍ حكومية مشتعلة وسط العاصمة كاتماندو، التي هزّتها هذا الصيف احتجاجات ضد المحسوبية والفساد الرسمي.
في إندونيسيا، أصبح علم لوفي بارزاً إلى درجة أن المسؤولين حذّروا من أن رفعه في يوم الاستقلال في 17 أغسطس الماضي قد يؤدي إلى السجن، وذلك بعد أن تصدّر الاحتجاجات الدامية ضد بدلات سكن شهرية قيمتها 3000 دولار خُصصت للنواب. لكن الاحتجاجات كانت أقوى، وسحبت الحكومة هذه المخصصات لاحقاً.
في 21 سبتمبر، خلال «مسيرة التريليون بيسو» وفي تجمعات أقيمت في مختلف أنحاء الفلبين، رُفع العلم الشهير ذو الجمجمة والعظمتين المتقاطعتين من مسلسل الأنمي كرمز يرفرف بفخر بين أيدي المحتجين أثناء مسيراتهم للتنديد بالفساد الحكومي الواسع. وأثناء سير المتظاهرين، كان الباعة يبيعون قبعات القش في إشارة إلى بطل الأنمي الرئيسي، مونكي دي. لوفي.
قال شاب مشارك في الاحتجاج لصحيفة مانيلا بوليتن: «نحن نشعر أننا نرتبط به، لأنه يواصل القتال من أجل ما هو صواب من أجل الناس حتى لو كان ضعيفاً أمام السلطة. لقد رأينا أنه حتى لو كانوا مجرد مجموعة صغيرة، فإنهم قادرون على توحيد الآخرين من أجل هدف واحد».
مسيرات مؤيدة لفلسطين
كما ظهر العلم في المملكة المتحدة خلال مسيرات مؤيدة لفلسطين وأيضاً في احتجاج ضد الزيارة الرسمية الأخيرة للرئيس دونالد ترامب. وفي فرنسا، حمله محتجون غاضبون من تخفيضات في الإنفاق العام وتعطّل عمل الحكومة.
كان انتشار الرمز أبطأ في الولايات المتحدة، لكنه شوهد في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي من احتجاجات في لوس أنجلوس ضد حملة ترامب على الهجرة. كما ظهر خلال احتجاج في متجر آبل بمدينة نيويورك، حيث انتقد المتظاهرون الشركة بسبب استخدامها مناجم الكوبالت في أفريقيا.
في سعيه للعثور على كنز «ون بيس» الأسطوري وأن يصبح ملك القراصنة، يتوقف لوفي وطاقمه بشكل متكرر في أماكن يكافح أهلها ضد ما يُصوَّر على أنه حاكم مستبد. وتطاردهم حكومة عالمية مصممة على القضاء عليهم.
مقاومة بهوية عالمية
باعت سلسلة «ون بيس» مئات الملايين من النسخ حول العالم منذ أن ظهر لوفي لأول مرة قبل أكثر من ربع قرن، فيما عُرض من المسلسل التلفزيوني أكثر من ألف حلقة. وأوضح رولاند كيلتس، أستاذ زائر في جامعة واسيدا في طوكيو ومؤلف كتاب «جابان أميركا» عن شعبية الثقافة اليابانية في الولايات المتحدة، أن شخصيات مثل لوفي وطاقمه توصف بأنها موكوكوسيكي، أي بلا هوية عرقية محددة، مما يجعلها قريبة من قلوب القراء والمشاهدين في كل أنحاء العالم. وأضاف أن سرعة انتشار الترجمات عبر الإنترنت وخدمات البث ساعدت في ذلك: «لوفي المطاطي المرسوم يصبح فوراً لوفي الخاص بك، أينما كنت وأياً كانت لغتك».



