لا تكتفي دبي بمواكبة العصر بكل ما فيه من تقدم تكنولوجي، بل تنظر دائماً إلى المستقبل بعين الخبير الواثق بقدرته على مسايرة كل ما هو قادم، والتفوق فيه.. من هنا أخذت «مؤسسة دبي للمستقبل» على عاتقها ملاحقة التسارع التكنولوجي الكبير، واستثمار الفرص الواعدة، التي يقدمها لتنمية القطاعات الاقتصادية والمستقبلية، وتعزيز قدرة الحكومات على مواكبة التحولات، وتوظيفها لخدمة المجتمعات.

وشاركت مؤسسة دبي للمستقبل هذا العام للمرة الأولى في إعداد التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي بعنوان «أفضل 10 تقنيات ناشئة لعام 2025»، بمشاركة أكثر من 300 من الخبراء والعلماء والباحثين والمستقبليين من حول العالم، ويسلط الضوء على أبرز التقنيات والتطبيقات الحديثة، التي ستسهم برسم صورة متكاملة لما سيكون عليه العالم في السنوات والعقود المقبلة.

ويهدف التقرير إلى تعريف قادة الحكومات والشركات وصناع السياسات والمستثمرين ورواد الأعمال والمبتكرين حول العالم بأهم التطورات التكنولوجية والعلمية، التي ستشهد انتشاراً وتوسعاً أكبر، خلال السنوات المقبلة.

وقد ركز فريق الأبحاث بمؤسسة دبي للمستقبل في التقرير على إبراز التأثير المستقبلي لهذه التقنيات على المدى الطويل، واستكشاف التحولات المتوقعة إذا وصلت هذه الابتكارات إلى إمكاناتها الكاملة، ودعم الخبراء وصناع القرار في فهم الإمكانات الواعدة للتقنيات الحديثة، وإلهامهم للتفكير في أفضل سبل توظيف هذه التقنيات وتطبيقها على أرض الواقع.

خلفان بلهول: نربط الابتكار بالاستشراف لبناء مستقبل واعد

الاستشراف الاستراتيجي

يؤكد خلفان بلهول، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «دبي المستقبل» في التقرير، أن المؤسسة تنظر إلى الاستشراف الاستراتيجي كونه أداة أساسية لصناعة القرارات بثقة، في عالم يشهد تغيرات متسارعة، فكل ابتكار بالنسبة لنا يعد إشارة لتحولات أوسع في النظم العالمية، وفرصة لإعادة التفكير في كيفية التصدي للتحديات الكبرى.

ويضيف: «من خلال ربط هذه التقنيات بالاتجاهات العالمية الكبرى نطمح إلى بناء رؤى مستقبلية شاملة، تجمع بين الإمكانات التقنية والتطلعات الإنسانية، فنحن لا نرسم خريطة طريق واحدة، بل نفتح المجال لتخيل سيناريوهات متعددة، تلهم الحكومات والمجتمعات لصياغة مستقبل أفضل للجميع».

إشارات لتحولات كبرى

ما يميز تقرير «أفضل 10 تقنيات ناشئة لعام 2025» هو تركيزه على التقنيات القادرة على إحداث تغييرات نظامية، وليس فقط حلولاً منفردة، فالتقنيات الأكثر تأثيراً تظهر غالباً عند تقاطع تخصصات مختلفة، مثل التقاطع بين الذكاء الاصطناعي والبيولوجيا التركيبية، أو علوم المواد وأنظمة الطاقة، وكل تقنية مدرجة في التقرير تمثل مؤشراً لتحول أوسع، فتثبيت النيتروجين الأخضر يعيد رسم سلاسل التوريد الزراعية، والبطاريات الهيكلية تغير فهمنا لوظائف المواد، والاستشعار البيوكيميائي الذاتي يفتح أفقاً جديداً لمراقبة الصحة، ولكي تنضج هذه الابتكارات لا يكفي التفوق التقني وحده، بل يتطلب الأمر تكاملاً بين القبول الاجتماعي، والجدوى الاقتصادية، والتنظيم، والاستدامة.

دمج البطاريات بالهيكل يزيد مدى السيارات 70 % ويقلص انبعاثات الطيران 15 %

الطاقة الأوسموزية تصل إلى 20 % من احتياج العالم للكهرباء

الإمارات تستثمر 163 مليار دولار للوصول إلى 50 % من الطاقة النظيفة 2050

أدوية GLP-1 تمنح الأمل لـ55 مليون مريض «زهايمر» وسوقها يصل إلى 55.7 مليار دولار 2031

30 % من وقود الشحن من الأمونيا الخضراء بحلول 2050

كائنات دقيقة ذكية تنتج الدواء داخل الجسم وتخفض التكلفة 70 %

مستشعرات حيوية تعمل بالطاقة الذاتية وتغير مفهوم البنية التحتية

سوق النانو إنزيمات للتشخيص والعلاج يتجه لـ58 مليار دولار بحلول 2034

المدن الذكية تتخذ قراراتها بنفسها عبر أنظمة استشعار تعاوني

«توثيق محتوى الذكاء الاصطناعي» التزام قانوني والغرامات تصل إلى 38 مليون دولار

غلاف التقرير

وهنا نستعرض التقنيات الـ 10 في التقرير:

1- بطاريات الهيكلة المركبة

تدمج بين مكونين في منتج واحد، بطارية قابلة لإعادة الشحن، وعنصر هيكلي يحمل الأحمال داخل السيارة أو الطائرة أو المبنى، ومن شأن ذلك خفض التكاليف الصناعية عبر تقليل الحاجة إلى مواد هيكلية منفصلة، وخفض في المواد الخام، في حين يبسط دمج البطارية مع الهيكل خطوط الإنتاج، ويقلل الوزن، كما تحسن كفاءة الوقود والطاقة، فهو يحسن كفاءة الوقود بنسبة 6 - 8%، ويزيد مدى المركبة الكهربائية بنسبة تصل إلى 70%، أما في قطاع الطيران يُتوقع تحسن في كفاءة الوقود بنسبة تصل إلى 15% في الرحلات متوسطة المدى.

وتعِد هذه التقنية بفرص اقتصادية جديدة، مثل إنشاء مصانع متخصصة في إنتاج SBCs تدفع بسوق جديد، يدمج بين صناعة البطاريات والمواد المركبة المتقدمة، ويمكن أن يَظْهر قطاع جديد بالكامل قائم على التصميم الذكي للمركبات والأجهزة والمباني، التي تخزن الطاقة داخل بنيتها نفسها، مع تقليل الاعتماد على بطاريات الليثيوم التقليدية، وهذه التقنية تفتح المجال أمام مواد بديلة محلية الصنع ومركبة، ما يُنوع مصادر التوريد، أما في مجال الاستدامة فإن تقليل الوزن والمواد يعني تقليل الانبعاثات على مدى عمر المنتج، إضافة إلى إمكانية إعادة الاستخدام والتدوير مستقبلاً إذا طورت المواد بشكل ذكي.

2- الطاقة الأوسموزية

تسمح «أنظمة الطاقة الأوسموزية» بتسخير ملوحة المياه لإنتاج الطاقة، وتعتمد على فرق تركيز الأملاح بين مصدرين مائيين (مثل المياه المالحة والعذبة) لإنتاج طاقة كهربائية متجددة، وتُعد من المصادر الثابتة وذات الأثر البيئي المنخفض مقارنة بالطاقة الشمسية أو الرياح، التي تتأثر بالطقس.

وهذه التقنية توفر إمكانات هائلة للإنتاج، حيث يمكن أن تصل القدرة النظرية لإنتاج الطاقة من هذا النظام إلى 5,177 تيراواط/ساعة سنوياً، ما يعادل نحو 20% من احتياج العالم للكهرباء، إضافة إلى تحقيق التكامل مع البنية التحتية الحالية بدمج هذه التقنية مع محطات تحلية المياه، ما يحول نفايات المياه المالحة إلى مصدر للطاقة.

كما تسمح باستخلاص موارد قيّمة مثل الليثيوم والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون في أثناء عملية إنتاج الطاقة.

ومن فوائدها الاستراتيجية إمكانية توفير طاقة محلية لمدن الساحل والمناطق النهرية، ما يُعزز من أمن الطاقة المحلي، ويخفف الاعتماد على مصادر مركزية.

كما يُمكن دمجها مع مصادر أخرى مثل الطاقة الشمسية والرياح، ضمن أنظمة هجينة أكثر مرونة واستدامة.

3- التقنيات النووية المتقدمة

تمثل الجيل القادم من الطاقة النووية لدفع عجلة التقدم، فمع الارتفاع المتسارع في الطلب العالمي على الطاقة – مدفوعاً بانتشار وسائل النقل الكهربائية، والذكاء الاصطناعي، والالتزامات بخفض الكربون – تبرز التقنيات النووية المتقدمة كونها حلاً موثوقاً لتوليد كهرباء نظيفة وآمنة ومستقرة، واقتصادياً فإنها تخفض التكلفة عبر التصغير والتصنيع المعياري، حيث تبنى المفاعلات النووية الصغيرة المعيارية في المصانع وتُنقل للموقع، ما يخفض تكاليف البناء والتشغيل.

وهذه المفاعلات تغني عن التصاميم الضخمة المخصصة، وتقلل مدة الإنشاء من سنوات إلى شهور، كما يمكن استخدامها لتغذية المناطق النائية والمواقع الصناعية دون الحاجة لبنية تحتية معقدة.

وتدعم هذه التقنية أيضاً الصناعات كثيفة الانبعاثات، فالمفاعلات الغازية عالية الحرارة توفر حرارة تصل إلى 950°C، ما يُمكّن من إزالة الكربون في قطاعات، يصعب فيها التخفيض، مثل إنتاج الهيدروجين الأخضر، والصناعات الثقيلة، كما تقدم فرصاً استثمارية ضخمة ومبادرات حكومية، حيث تستثمر الإمارات 163 مليار دولار حتى عام 2050، للوصول إلى 50% طاقة نظيفة.

4- العلاجات البيولوجية المهندسة

كائنات دقيقة مبرمجة لإطلاق العلاج عند الطلب، وتمثل مستقبل الطب من الداخل.

تعتمد هذه التقنية على كائنات دقيقة معدلة وراثياً (مثل البكتيريا أو الخمائر أو الخلايا) تُزرع داخل جسم الإنسان، لتنتج مواد علاجية بشكل ذاتي وموجّه حسب حاجة الجسم، ما يُحدث ثورة في طريقة تلقي العلاج، ويخفض تكاليف التصنيع الدوائي، فالأدوية البيولوجية التقليدية يتم تصنيعها في معامل معقدة وبعمليات تنقية مكلفة تشكل نحو 70% من تكلفة الإنتاج، أما العلاجات الحية فتُنتج داخل الجسم نفسه، ما يلغي الحاجة إلى مراحل التصنيع النهائية، خصوصاً للأدوية مرتفعة السعر مثل علاجات السرطان والسكري.

من جانب آخر تحسن هذه التقنية كفاءة التوزيع والالتزام العلاجي، حيث تقدم العلاجات في شكل كبسولات أو منتجات غذائية حيوية، ما يلغي الحواجز اللوجستية المرتبطة بسلاسل التوريد التقليدية، كما يقلل إنتاج العلاج داخل الجسم من الحاجة إلى جرعات متكررة، ما يحسّن الالتزام العلاجي، ويقلل التكاليف الطبية المرتبطة بسوء الاستخدام أو الانقطاع.

واقتصادياً تخلق أسواقاً جديدة وتحالفات صناعية، فشركات الدواء، والجامعات، حتى إن منتجي البروبيوتيك (مثل شركات الألبان) قد يدخلون هذا المجال، فتنشأ شراكات غير تقليدية وتوسع في السوق، مع خفض تكاليف الإنتاج بنسبة كبيرة، ويمكن تحويل مصانع الدواء المركزية إلى نظم إنتاج لا مركزية، إضافة إلى تحفيز الابتكار العلاجي.

5- علاج الزهايمر والباركنسون

تم تطوير أدوية GLP-1RAs في الأساس لعلاج السكري والسمنة، لكنها تظهر، اليوم، مؤشرات واعدة لعلاج أمراض التنكس العصبي مثل الزهايمر والباركنسون، بفضل خصائصها المضادة للالتهاب، والمحفزة لوظائف الدماغ، والمساعدة على التخلص من البروتينات السامة.

هذه الأدوية سوف تفتح سوقاً ضخماً، حيث يعيش أكثر من 55 مليون شخص حول العالم مع «الزهايمر»، ولذلك من المتوقع أن يصل سوق أدوية GLP-1 إلى 55.7 مليار دولار بحلول عام 2031، كما يُنتظر نجاح هذه الأدوية في إبطاء تقدم المرض، ما يقلل من الحاجة إلى الرعاية المكلفة والطويلة الأمد.

كما تمثل هذه التقنية من جانب آخر تحولاً في نماذج الرعاية الصحية، حيث الانتقال من «إدارة الأعراض» إلى «تعديل مسار المرض»، ما يعني في الوقت نفسه تحولاً اقتصادياً جذرياً في تكلفة الرعاية، وإعادة توزيع الإنفاق الصحي من الرعاية المتقدمة والمكثفة إلى الوقاية والتدخل المبكر، إضافة إلى تقليل العبء عن مقدمي الرعاية – وأغلبيتهم من النساء – ما يحسن الاستقرار الاقتصادي للأسر، ويزيد المشاركة في سوق العمل.

6- الاستشعار البيوكيميائي الذاتي

هي مستشعرات حيوية توفر رؤى لحظية من دون تدخل بشري، عبارة عن أجهزة تحليلية قادرة على رصد التغيرات الكيميائية والحيوية بشكل تلقائي ومتصـل، وتشمل مراقبة المؤشرات الحيوية في جسم الإنسان، مثل الالتهابات أو الهرمونات، ومراقبة جودة التربة والمياه في البيئات الطبيعية، والكشف المبكر عن الملوثات والسموم في الغذاء والبيئة.

هذه التقنية تقوم على وجود مستشعرات تعتمد على الإنزيمات والأجسام المضادة، أو حتى كائنات دقيقة مهندسة، وتُغذى ذاتياً بالطاقة عبر خلايا وقود حيوية، وترتبط لاسلكياً بأنظمة المراقبة والتحكم، ومن شأنها اقتصادياً تحقيق الأمن الغذائي عبر مراقبة الغذاء لحظياً، أما بيئياً فهي أنظمة مراقبة تشتغل ذاتياً، وتُحسّن استجابات الطوارئ البيئية، وتقلل خسائر التلوث.

وفي مجال الرعاية الصحية فهي تقلل الاعتماد على المرافق الطبية المركزية، وتوفر من تكاليف التشخيص المبكر والتدخل الوقائي.

كما تفتح أسواقاً جديدة، وتمثّل تحولات في البنية التحتية، سواء في المدن، والمصانع، وحتى المنازل.

ومع التطور الرهيب في الذكاء الاصطناعي يمكن للمؤسسات، التي تستثمر مبكراً في هذه التقنية تحقيق الريادة في البنى التحتية الحيوية الذكية.

7- تثبيت النيتروجين الأخضر

إنها ثورة في إنتاج الأمونيا من أجل مستقبل منخفض الكربون، حيث إن إنتاج الأمونيا بالطرق التقليدية الحالية يعد ركيزة أساسية للزراعة العالمية، إذ يُنتج أكثر من 150 مليون طن سنوياً، ويدعم نصف الغذاء العالمي، لكنه مسؤول في الوقت نفسه عن 2% من استهلاك الطاقة العالمي، وهو واحد من أعلى مصادر الانبعاثات الكربونية الصناعية، في حين تهدف تقنية تثبيت النيتروجين الأخضر إلى إنتاج الأمونيا باستخدام مصادر طاقة متجددة، وعمليات بديلة مثل الإنزيمات، والبكتيريا المهندسة، أو عمليات كهروكيميائية تعتمد على الليثيوم، لتقليل الأثر البيئي وتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي، وهذا يعد تحولاً في سلسلة إنتاج الأسمدة، حيث إن نحو 80% من الأمونيا الصناعية تُستخدم في صناعة الأسمدة، أما الاعتماد على تقنيات تثبيت نيتروجين محلية وصديقة للبيئة فسيمكّن من إنشاء محطات إنتاج موزعة صغيرة الحجم، ويقلل تكاليف النقل والتخزين، ويؤدي إلى استقرار أسعار الأسمدة، وتحسين الأمن الغذائي، خصوصاً في الدول المستورِدة، إضافة إلى خلق فرص طاقة جديدة، فالأمونيا الخضراء أصبحت تُستخدم في السفن بديلاً عن الديزل، ويتوقع أن تشكل 30% من وقود الشحن العالمي بحلول عام 2050. ومقارنة بالهيدروجين السائل فإن تخزين الأمونيا أقل تكلفة بـ30 مرة، ما يمنحها ميزة تنافسية كونها مصدراً للطاقة النظيفة.

8- إنزيمات – محفزات صناعية تحاكي الطبيعة

هي بإيجاز عبارة عن محفزات صناعية تحاكي الطبيعية، ولكن بتكلفة أقل وكفاءة أعلى.

هي مواد نانوية مصنعة معملياً، تحاكي وظائف الإنزيمات الطبيعية، لكنها أكثر تحملاً، وأرخص إنتاجاً، وأسهل تصنيعاً.

مصنوعة من جسيمات معدنية أو أكاسيد معدنية أو كربونية، وتتميز بقدرتها على أداء تفاعلات كيميائية في ظروف قاسية، لا تتحملها الإنزيمات البيولوجية، ومن شأنها خلق سوق عالمي سريع النمو، حيث بلغت القيمة السوقية لها 5.13 مليارات دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 57.95 مليار دولار بحلول عام 2034، بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 27%، وهي تستخدم في التشخيص الطبي المبكر، وتنقية البيئة، والعلاج الموجه، والصناعة والعمليات التحفيزية.

ويمكن عن طريقها خفض تكاليف الرعاية الصحية في أمراض السرطان والأمراض العصبية، فهي تتيح توصيل الدواء بدقة، وتقلل الآثار الجانبية، كما توفر حلولاً فعالة للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، ما يقلل من التكاليف المرتبطة بالمضاعفات العلاجية، كما يمكن دمجها مع الهواتف الذكية لتوسيع إمكانية الوصول إلى التشخيص في المناطق الفقيرة بالموارد.

9- أنظمة المراقبة الذكية

حين تتخذ المدن الذكية قراراتها بنفسها، فالجيل القادم من أنظمة المراقبة الذكية يمكّن أجهزة الاستشعار الموزعة عبر المنازل والمركبات والبنية التحتية من التواصل مع بعضها، مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتقنيات الاتصالات مثل 5G وV2X، والهدف هو خلق أنظمة تستجيب للبيئة في الوقت الحقيقي، وتتخذ قرارات بناء على فهم مشترك للسياق، وهذا من شأنه التوفير في التكاليف، فإشارات المرور تتفاعل تلقائياً مع الكاميرات والمستشعرات لتقليل الازدحام والانبعاثات، ما يقلل من تكاليف الوقود، ويحسن الإنتاجية الحضرية، كما أن تقنيات V2X تقلل الحوادث بنسبة تصل إلى 78%، ما يقلل التكاليف المرتبطة بالتأمين والرعاية الصحية والطوارئ.

كما توفر هذه التقنية الوقود في النقل، حيث يقلل تشكيل الشاحنات الذكي Truck Platooning استهلاك الوقود بنسبة 5 - 10%، وتُمكّن المدن الذكية من إعادة توزيع الموارد، وتنسيق الطوارئ بفعالية أعلى، ما يقلل الخسائر الاقتصادية وقت الكوارث، كما تمثل تحولاً في البنية التحتية الرقمية، حيث إن توسيع شبكات 5G والاتصال فائق الدقة (دقة 0.1 متر بنسبة 99.9%) سيدفع باستثمارات ضخمة في قطاع الاتصالات، ويُمهد الطريق لأنظمة حضرية مترابطة بالكامل.

10- حقوق الملكية الفكرية

تقوم هذه التقنية على إدراج علامات غير مرئية في المحتوى المُنتج عبر الذكاء الاصطناعي - من نصوص وصور وصوت وفيديو - بهدف التحقق من المصدر، ومكافحة التضليل، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وتعزيز الشفافية في العالم الرقمي، ولا شك في أن هذا يبشر بنمو سوق عالمي جديد للتحقق من المحتوى، فوسط تصاعد المحتوى الصناعي synthetic content سوف تتجه الحكومات والشركات إلى اعتماد الوسم أداة موثوقة لتحديد مصدر المحتوى.

هذه التقنية سوف تحدث أيضاً تحولات كبيرة في الصناعات الإبداعية والإعلامية، فالمبدعون الذين يملكون محتوى موسوماً سيكونون في موقع مميز، لتسويق أعمالهم بثقة وسعر أعلى، خصوصاً مع انتشار البدائل المصطنعة، كما ستفتح المجال أمام شركات التأمين والقانون لإعادة تسعير الخدمات بناء على مستوى «توثيق المحتوى»، وقد بدأ كل من الصين والاتحاد الأوروبي وكاليفورنيا إقرار تشريعات تفرض الوسم، مع غرامات تصل إلى 7% من الإيرادات السنوية أو 38 مليون دولار، ما يدفع الشركات إلى الامتثال، أو المجازفة بالإقصاء من الأسواق.

اقرأ أيضاً:

حمدان بن محمد: رؤية محمد بن راشد أساس إسهام دبي في تشكيل ملامح المستقبل

المنتدى الاقتصادي العالمي ومؤسسة دبي للمستقبل يطلقان تقرير "أفضل 10 تقنيات ناشئة لعام 2025"

كيف يرى الذكاء الاصطناعي مستقبل اقتصاد دبي؟