الغزو الفكري والتطور التكنولوجي.. بوابتان خلفيتان للتطرف

الأسرة العربية تحوّلات عميقة في عالم متغير

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد الأسرة العربية جملة من المتغيرات الجذرية العميقة في عالم يموج بالتطورات المتسارعة، مع تحوّلات العولمة والثقافات «المستوردة» التي نجحت في التغلغل بشكل كبير ببنية المجتمعات العربية، ضمن أبرز تحديات العصر الرقمي والتطور التكنولوجي، بما لذلك من انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الهوية والانتماء كأساس تكوين الشخصية العربية ونواتها الرئيسة.

تعزز تلك المتغيرات أزمة الأسرة العربية في عالمٍ رقمي بلا حدود، ما يعرّض القيم العربية الأصيلة إلى هزّات عنيفة في مواجهة الغزو الفكري واستلاب خصوصية المجتمعات الشرقية، وسط بيئة يُعاد فيها تشكيل دور الأسرة لجهة تغير الأدوار الأسرية والميل إلى الفردانية مع ضعف التواصل المباشر في ظل تغلغل القوى الناعمة للعولمة، ما يشكل ثغرة لـ«قوى التطرف» بشتى أشكاله (الديني والسياسي والاجتماعي) للنفاذ داخل الأسرة عبر الشاشات المفتوحة بأيدي صغارها وكبارها، ممن يُستخدمون كأدوات استقطابية تهدد الاستقرار والأمن. 

على الجانب الآخر، ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها بعض الحكومات العربية لتحصين الأسرة من الأفكار الشاذة ببرامج ورؤى شاملة تتشارك فيها مؤسسات الدولة المختلفة، تظل جملة التحديات المذكورة بعيدة عن أجندة المؤسسات والأحزاب الوطنية والأهلية، ودورها المجتمعي، الذي يفتقد في نماذج عدة إلى رؤية إصلاحية مجتمعية شاملة، تُعالج مواطن الخلل، وتواجه مُهددات منظومة القيم العربية، في بلدان بعينها، لا سيما الدول التي تتعرض إلى أزمات سياسية حادة ونزاعات تأتي معها قضايا الأسرة ومستقبلها في مرتبة أدنى.

التغيرات الجيوسياسية

كما تتناغم تحديات الأسرة العربية وتتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بتفاقم التحديات الناتجة عن جملة التغيرات الجيوسياسية والأحداث المتسارعة التي تضع العالم على قدرٍ يغلي، وذلك لجهة التبعات الاقتصادية على سبيل المثال، وانعكاساتها المتفاوتة التي تتطلب برامج شاملة لحماية وتحصين الأسرة (اجتماعياً واقتصادياً وفكرياً)، باعتبارها قضايا مرتبطة لا تتجزأ.

وبالتالي فإن غياب المشروع أو البرنامج (الشامل غير المجزأ) يُنذر بدوره بتفاقم التداعيات الكارثية على الأسرة العربية، وإن كان ذلك بشكل متفاوت بين بلد وآخر طبقاً لمدى التقدم المُحرز في سبيل تحصين الأسر.

سياسات اجتماعية جديدة

في هذا السياق، يعتقد خبراء علم الاجتماع المختصون بأن ثمة حاجة ماسة إلى «سياسات اجتماعية جديدة» من أجل التكيف الإيجابي مع المتغيرات العالمية، وتوجيه الطاقات العربية للاستفادة من تحولات العولمة دون الانجراف نحو ما لا يتماشى مع القيم العربية، ودون ترك ثغرة لنفاذ «قوى الشر» وتغلغلها بنواة المجتمع العربي.

وتتفاقم التحديات التي تواجه الأسرة المعاصرة، وتجعلها «في مهب الريح» طبقاً لتعبير أستاذ علم الاجتماع أحمد زايد، في دراسته (واقع الأسرة في المجتمع.. تشخيص للمشكلات واستكشاف لسياسة المواجهة)، والذي يشير إلى طبيعة الضغوطات المتسارعة التي تواجه الأسرة وتتطلب «سياسات اجتماعيّة جديدة تتواكب ومتطلّبات العولمة في عصرها الجديد».

وعلى الرغم من تلك الحاجة الماسة لمشروع عربي شامل يُترجم لاستراتيجيات وبرامج وطنية لحماية الأسرة على الصُعد كافة وتحصينها، تقول أستاذة علم الاجتماع بالقاهرة هالة منصور، في تصريحات خاصة لـ«البيان» إن حياة الأسرة العربية خارج أجندات الأحزاب والمؤسسات العربية المعنية بالشكل المطلوب، موضحة أن البرامج الراهنة لا تستطيع - للأسف - مجابهة الجانب السلبي للمتغيرات والتحولات التي تنعكس على الأسر العربية، ولا معالجة آثارها.

وتتحدث منصور عن «ضعف المؤسسات نفسها» على حد قولها، موضحة أن الأحزاب (ودورها الاجتماعي المفقود في عديد من البلدان) ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالقيام بدور في إطار تحصين الأسرة العربية من الشق السلبي من تلك التحولات «عادة ما تعاني من خلط في فهم وإدراك طبيعة تلك الأدوار، فالأحزاب السياسية الوطنية على سبيل المثال عبر برامجها الاجتماعية من شأنها القيام بدور في خلق كوادر جديدة وتقديم رؤى مختلفة للنهوض بالمجتمعات عموماً، لكن في بعض البلدان لا يعدو ذلك الدور إلا رمزياً، حتى أن بعض الأحزاب - في إطار عملية الخلط المشار إليها - تلجأ إلى القيام بدور الجمعيات الأهلية لا الأحزاب».

اختراق الأسر العربية

ومع الإشارة إلى مواطن الخلل المذكورة، فهل يفسح ذلك المجال إلى «التيارات المتطرفة» عموماً إلى استغلال هذه الفجوة من أجل التغلغل في المجتمعات واختراق الأسر العربية لتمرير أجندتها الخاصة؟ تعتقد منصور بأن الإجابة «نعم»، ذلك في ظل غياب الرؤية التنموية المنضبطة لدى عديد من المؤسسات والأحزاب الوطنية المنوط بها ضمن جملة مهامها تقديم أفكار تنموية والعمل على تنفيذها عبر القنوات الرسمية، وهو أمر غير محقق في كثير من البلدان، ما ينعكس بدوره بشكل مباشر وغير مباشر على الأسر وتفاعلها مع جملة المتغيرات والتحولات المتسارعة.

وتتحدث أستاذة علم الاجتماع عن دور منظمات المجتمع المدني، باعتبارها إحدى بوابات الدفاع الرئيسية لمجابهة الآثار السلبية لتلك التحولات من خلال الدور التوعوي والتكافلي لدعم الأسر (بالنظر إلى ضرورة شمولية البرامج الهادفة لتحصين الأسرة)، وتشير إلى أن بعضاً من تلك المنظمات تعاني من مواطن خلل واضحة، وهي المنظمات الهادفة إلى الظهور وربما الربح أيضاً دون القيام بخطوات فاعلة على الأرض من شأنها المساهمة بشكل إيجابي في حماية المجتمع.

لكنها تلفت في الوقت نفسه إلى الجهود الوطنية على صعيد المؤسسات الحكومية الرسمية والخطط والاستراتيجيات القائمة بهدف دعم وحماية الأسر العربية، مستشهدة بالتجربة المصرية وما تقدمه الدولة من مبادرات اجتماعية في المقام الأول تستهدف الأسر العربية، من بينها على سبيل المثال مبادرات تكافل وكرامة وحياة كريمة، فضلاً عن خلق شراكات مع الجمعيات الأهلية لإدماجها في الدور التنموي بدرجة كبيرة.

تحولات عميقة

من جانبه، يشير الخبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، فواز بن كاسب، من الرياض، إلى أن العالم العربي جزءٌ من هذا العالم يتأثر به ويؤثر فيه، وقد شهد العالم جملة من التحولات العميقة مع الثورة الصناعية الرابعة في شتى مجالاتها المختلفة، ويتميز هذا التغير بإيقاعه السريع جداً في عصر الرقمنة والعصرنة، بما ينذر بمستقبل يشهد مزيداً من التغيرات.

كان لتلك التحولات تأثير واسع على الأسرة العربية، والتي أصبحت «ذات ثقافة تختلف عن الثقافات السابقة بشكل جذري»، وبينما كانت الثقافة تميل لجهة الأسرة الممتدة، أصبح هناك ميل أكبر للأسرة النووية (الأولية) وتفاقمت الفجوات في المجال الاجتماعي، بما يضعف دور الأسرة ويجعلها هشّة أمام المتغيرات السريعة والصعبة، وما يصعب الأزمة هو غياب الإرشاد والتوجيه النفسي والاجتماعي في ضوء تلك المتغيرات.

ويوضح بن كاسب في حديثه مع «البيان» أن «الأسرة العربية إذا دخلت أزمة مستفحلة بنيوياً ستشكل تهديداً للأمن القومي.. فالأسرة هي نواة المجتمع، ما إن صلحت صلح المجتمع، وما إن فسدت فسد المجتمع.. لقد أسهمت جملة المتغيرات في زيادة مضطردة وسريعة في الظواهر السلبية كالطلاق وتأخر سن الزواج والانغماس في تعاطي المخدرات بالنسبة للشباب، بما يُهدد بأجيال رخوة ضعيفة».

بذور الفتنة

تنشط الجماعات المتطرفة وحتى الإجرامية في مثل تلك الظروف، مُستغلة غياب التوجيه الأسري؛ لاستقطاب الشباب بشكل خاص وزرع بذور الفتنة في المجتمع تنفيذاً لأجندتها، والدفع بأفكار تكفير المجتمع وغيرها من المبادئ الأساسية لأصحاب الفكر المتطرف، وهو ما عانت منه المجتمعات العربية لسنوات، وما زالت، في ضوء الهزّات العنيفة التي واجهت الأسرة كخط دفاع أول في وجه التحديات المختلفة. ومن ثم فإن ترميم الأسرة العربية وتحصينها يعتبر أولوية في إطار مفاهيم المحاربة الشاملة للإرهاب والتطرف، جنباً إلى جنب والمواجهات الأمنية والفكرية.

والثابت أن «أي تغييرات يمكن أن تصيب الأسرة فهي تهدّد المجتمع بكامله من حيث أهمّيّة دورها في بناء أجيال المستقبل»، طبقاً لدراسة (الأسرة العربية وأزمة التواصل)، للأستاذة المحاضرة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة اللبنانية أديبة حمدان، والتي تذكر أن «التغيّرات التي رأينا ملامحها من خلال العمل الميدانيّ بدأت تصيب الأسرة في صميمها من حيث الدور والوظيفة، وهذا ما رأيناه من خلال ضَعف التفاعل الأسري».

استراتيجيات وخطط وطنية

وبالعودة لحديث بن كاسب، فإنه يلفت إلى أن «الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج ومصر، لديها خطط استراتيجية تسعى لمواكبة مثل تلك المتغيرات، ضمن محاورها التي ترتكز عليها دور الإعلام والتعليم في رفع درجة الوعي، ليكون هناك تحصين نفسي واجتماعي، لحماية أفراد الأسرة من الجوانب السلبية لتلك التحولات، وتفويت الفرصة على الجماعات المتطرفة في المجتمعات العربية».

ويتابع: «العالم العربي بدون شك متأثر بشكل كبير بالمجتمعات العالمية، وكثير من هذا التأثر يأتي من باب الإعجاب الظاهري دون إيلاء الاهتمام الكافي بالجوهر المرتبط بالتقدم العلمي.. نحن أمام تلك المتغيرات الحديثة مدعوون لمواكبة هذه المتغيرات التقنية والرقمية في جميع المجالات والمفروضة علينا في الحياة الحديثة، وأن نكون مؤثرين وليس مستقبلين فقط.. وأن نأخذ الجوانب الإيجابية منها فقط بما يتناسب وقيمتها، كي لا تتعزز الفجوات الراهنة والإشكاليات التي تواجهها الأسرة الحديثة»، لافتاً إلى أن الآمال كبيرة على الحكومات العربية في استمرار تنفيذ مثل تلك الخطط الاستراتيجية لاحتواء هذه المتغيرات بشكل إيجابي.

عصر رقمي

ولا شك أن الأسرة العربية في العصر الرقمي، والتي بات الكثير من أفردها - لا سيما الشباب - يعيش في حالة اغتراب تأثراً بالثورة المعلوماتية وتقولبها في نمط عالمي يغلب عليه الطابع الغربي، تواجه آثاراً سلبية تتنامى بشكل مستمر، وتشكل تهديداً مباشراً على الأمن القومي.

وطبقاً لدراسة حملت عنواناً (الأسرة العربية وتحديات العصر الرقمي) قدمها ﺟﻌﻔﺮ ﺣﺴﻦ ﺟﺎﺳﻢ، بالعراق، فإن من سلبيات العصر الرقمي إظهار ظاهرة تنامي ثراء الدول الغنية وانحدار المستوى الاقتصادي في الدول النامية ثم الخشية من اضمحلال دور الدولة وذوبان وتلاشي هذا الدور تدريجياً في ظل التنامي السريع والمستمر للإعلام الدولي الذي يخترق الحواجز والحدود في ظل العصر الرقمي.

وكذلك ما تقوم به ظاهرة العولمة من تهديد باختراق السيادة، وما تمثله هذه السيادة من أهمية للعديد من المجتمعات التي تعتز بماضيها وحضارتها، وانهيار التوازنات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت لسنوات في القرن العشرين، ثم انتشار قيم العنف والجريمة، وأخيراً تزايد الفجوة بشكل حاد بين من لديهم إمكانيات الحصول على التكنولوجيا الجديدة ومن لا يملكون هذه التكنولوجيا، وكل ذلك يهدد استقرار وأمن وسيادة الدول النامية، ويضرب منظومة القيم لدى الفرد والأسرة العربية ولاسيما تلك الأسر التي لا تستطيع أن تحصن أبناءها من الغزو الفكري القادم من الآخر، وما أكثره في ظل الثورة المعلوماتية الحالية.

حائط صد أمام سلبيات العولمة

في سياق التحوّلات المتسارعة التي تواجهها الأسرة العربية في عالم سريع التغيّر، فإن الرهان الأساسي يبقى، حسب المحللين، على الدور الفاعل للدول وأذرعها المختلفة من أجل تشكيل حائط صد منيع في مواجهة الجانب المظلم من العولمة وآثارها الثقافية على قيم المجتمعات العربية وسلوكها.

تقويم

وفي هذا الإطار، يقول أستاذ علم الاجتماع بالقاهرة، طه أبو الحسين، إن «الدول هي المنوط بها تقويم مثل هذه السلوكات أو (الانحرافات) المُهددة لتماسك الأسرة، عبر أذرعها القوية، بما في ذلك الإعلام والتعليم، والمبادرات التوعوية المختلفة على الأصعدة كافة، ومن خلال التشريعات والمناهج التعليمية والمؤسسات الدينية، وإلا ستكون النتيجة كارثية، لجهة اتجاه أفراد الأسرة (الشباب بشكل خاص) إلى مسالك أخرى تكون نهاياتها كارثية على الأسرة.

غزو

ويلفت إلى غزو عديد من الأفكار ومنازعتها للقيم والأفكار العربية والمبادئ الأصيلة والنيل منها، بما يحتم وجود توجهات تحكمها الدول لجهة التثقيف والتربية والتعليم ونشر الوعي وتعزيز الانتماء والهوية لمواجهة حالة التغريب الوافدة على المجتمعات العربية والمغريات المادية والثقافية والتقنية المختلفة، والتي لها أثر كبير في التحولات الراهنة وعديد من الانحرافات الحادثة بقصد أو بدون قصد، على حد وصفه.

دور

ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى دور المرأة كفاعل أساسي في تقويم سلوك الأسرة العربية، موضحاً أن المرأة هي عنصر مهم في المجتمع وتحمل الموروثات الثقافية الأصيلة، وثمة محاولات لإخراجها عن سياقها الطبيعي لإفساد المجتمع والاعتداء على ثقافته.

الإرشاد النفسي والمجتمعي

أبرز متخصصون اجتماعيون ضرورة تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وأهمية الإرشاد النفسي والاجتماعي لتحصين الأسر العربية.

وفي هذا الإطار، شددت المستشارة النفسية المتخصصة في الإرشاد الأسري، جيهان النمرسي، على دور وسائل الإعلام ومؤسسات التربية والتعليم الجوهري في التصدي لجملة الآثار السلبية التي تعاني منها المجتمعات العربية في العصر الرقمي.

وتقول النمرسي في حديثها مع «البيان» من القاهرة، إن «الأسرة العربية أصبحت في صراعٍ مع القيم وأصول التربية القديمة وبين تحديات التربية في العصر الحديث، خاصة أن التربية لم تعد قاصرة على دور الأم والأب أو الأسرة فقط، بل دخلت عديد من المؤثرات الأخرى على التربية وأصبحت جزءاً رئيسياً في تنشئة الطفل، منها وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها المختلفة والانفتاح على الثقافات المتعددة عبر التكنولوجيا وغيرها من المؤثرات، بعد أن كان الأمر حتى وقت قريب يقتصر على المؤسسات التعليمية (المدارس) ودوائر الأصدقاء فقط.. وهو ما يطرح أسئلة عدة حول كيفية تعامل الأسرة مع هذه التحديات لتربية الأبناء بشكل صحيح؟».

وتتابع: «من هنا كان على الأسرة مواجهة التحديات التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة، واتباع الاتجاهات الإيجابية والبعد عن التبعات السلبية.. فكان على الأسرة مواكبة التطور الثقافي والإلمام بمتغيرات العصر نحو تربية حديثة قائمة على الحوار والتفاهم والمناقشات الإيجابية ودعم شخصية الأبناء بالإيجابيات السلوكية كالاستقلالية والثقة بالنفس والقيم والأخلاق الحميدة ودعم التواصل الفكري وتخطي السيطرة وفرض الرأي والاستبداد الفكري، ما يضمن صحة نفسية اتجاهات إيجابية للسلوك وللشخصية».

وتتحدث خبيرة الإرشاد الأسري عن دور الدولة ودور الإعلام في دعم الأسرة العربية من خلال برامج التربية ودور النشر والسينما والدراما التي تدعم التربية الحديثة والقيم الدينية الأخلاقية ونشرها في كافة دور ووسائل الإعلام.

الإعلام سيف ذو حدين

يلعب الإعلام دوراً رئيساً في سياق التحولات الجذرية التي تواجهها الأسرة العربية، فإما أن يكون مشجعاً - بقصد أو دون قصد - للنزعة الاغترابية وغزو القيم «المستوردة» بحلوها ومرّها، وإما أن يكون حجر الزاوية في مواجهة التحديات التي تعصف بالأسرة العربية وتضعها على المحك.

في هذا السياق، تقول أستاذة علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس، سامية خضر، لدى حديثها مع «البيان» من القاهرة، إن التغيرات التي تشهدها الأسرة العربية عمقتها بشكل كبير بتطور منصات التواصل الاجتماعي أخيراً بشكل خاص، فضلاً عن المحتوى الإعلامي والفني المختلف كلية عن المحتوى المقدم في الوقت الراهن، كما كانت قنوات التواصل محدودة في الأجيال السابقة.

وتشير في الوقت نفسه إلى أن جانباً كبيراً من مسؤولية مجابهة الانعكاسات السلبية للمتغيرات التي تشهدها الأسرة العربية، يقع على عاتق الإعلام والفن، مردفة: «قديماً كانت الأعمال الفنية لا سيما الدرامية وكذلك الأعمال الإذاعية المقدمة تتحدث عن الأسرة وقيمها وتؤكد على تلك القيم والعادات النبيلة في المجتمع، بينما الأسرة الآن غائبة عن الشاشة بشكل كبير، لصالح قضايا أخرى وزخم لا يساير في أغلبه الحياة العربية.. وبدأت تلك الأعمال تغرس أفكاراً مختلفة، حتى تاهت أفكارنا في زحام تلك الأفكار الغريبة».

وتشير في الوقت نفسه إلى ما يمثله تكسير تماسك الأسرة على المجتمع بأكمله؛ ذلك أن غياب الأسرة يمثل ثغرة تنفذ من خلالها الأفكار المتطرفة لأفراد الأسرة كافة، كبيراً وصغيراً.

تحولات العولمة

حددت دراسة سابقة حملت عنوان (تحولات العولمة وتغير الأدوار الأسرية في المجتمع المصري خلال الألفية الجديدة)، قدّمها مدرس علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة أسيوط بمصر، أحمد زين العابدين، أثر العولمة في التأثير في تغير الأدوار الاجتماعية التقليدية للأسرة، من خلال مجموعة من المؤشرات، أبرزها التوجه نحو الفردانية (نمو ظاهرة استقلالية الأسرة)، كما أن الأسرة الممتدة بدأت تختفي فاسحة المجال للأسرة النووية (النواتية).

ومن بين تلك الآثار كذلك تغلغل القوى الناعمة للعولمة، مع زيادة الاعتماد على الأدوات المعلوماتية، جنباً إلى جنب وضعف العلاقات الخارجية والقرابية للأسرة، مع التغير في أساليب التنشئة الاجتماعية (تراجع النمط السلطوي للأب) وضعف دور الأسرة في الضبط الاجتماعي. كما تحدثت الدراسة ضمن الشواهد عن التغيرات المرتبطة بالزواج.

Email