أزمة أوكرانيا.. هل يتكرّر سيناريو «خليج الخنازير»؟

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يقترب العالم من حافة حرب خطيرة، إذا ما اندلعت. هذه المرة في أوكرانيا. فهل تندلع؟ تاريخياً، لا توجد حرب من أجل الحرب، إنما حرب لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية، أو النوعين معاً. هل لمشروع خط الغاز الروسي إلى أوروبا دور في هذه الأزمة؟ أم أن روسيا تريد من خلال الحشد العسكري على حدود أوكرانيا، ممارسة الضغط لإبعاد حلف الناتو بعيداً عن حدودها؟. 

روسيا تحشد قوات كبيرة، وتواصل إجراء تدريبات عسكرية قرب حدودها مع أوكرانيا، وعلى أراضي حليفتها بيلاروسيا، وتنصب بطاريات صواريخ الدفاع الجوي «إس 400» المتطورة في بيلاروسيا. فهل هذه دلائل على أن الحرب حتمية، أم أننا أمام سيناريو «خليج الخنازير»، مطلع ستينيات القرن الماضي، حيث تحوّل الخطر إلى تفاهم؟.

لا ينبغي النظر للأزمة الأوكرانية بمعزل عن التاريخ، أو بتجاهل الواقع الجيوسياسي لأوكرانيا، باعتبار أنها كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، بل ثاني أكبر جمهورية سوفييتية وأوروبية بعد روسيا، من حيث المساحة. وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على استقلالها، باتت الآن منقسمة بين شرق يتحدّث بغالبيته اللغة الروسية، وغرب يتحدث الأوكرانية. ومن ناحية جغرافية، يلعب موقعها دوراً مهمّاً في عبور إمدادات الغاز الروسية إلى دول غرب أوروبا. ورغم أنها مستفيدة مادياً من عائدات خط الإمداد الذي يمر من أراضيها، إلا أن هذا الواقع يضعها، في الوقت نفسه، تحت ضغط مصالح متباينة، ويجعلها حلقة وصل، ونقطة تجاذب بين توجّهين سياسيين مختلفين، في الشرق والغرب.

الأزمة الأوكرانية بهذا المعنى، مرتبطة بصراع أوسع بين روسيا والغرب، عنوانه الأبرز، ما تكرّره موسكو عن «توسع حلف الناتو شرقاً»، وبضمن ذلك، محاولات الحلف ضم أوكرانيا، ودول أخرى لعضويته، بناء على طلبها، الأمر الذي ترفضه موسكو، ولا تكتفي بالرفض السياسي، إنما حدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الانضمام، كأحد سببين للحرب، أما ثاني الأسباب، فهو محاولة انتزاع شبه جزيرة القرم من روسيا بالقوة. هنا، يمكن القول إن الغرب يعتبر الحشود العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا، سبباً للأزمة، في حين تعتبرها موسكو نتيجة.

بالجوهر، لا توجد حرب من أجل الحرب، إنما توجد حرب لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية، أو النوعين معاً. في المشهد القائم، تحشد روسيا قوات كبيرة، وتواصل إجراء تدريبات عسكرية قرب حدودها مع أوكرانيا، وعلى أراضي بيلاروسيا. فهل هذه دلائل على أن الحرب حتمية؟.

الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، يتحدّثون ويتصرّفون على أساس أن العمل العسكري الروسي في أوكرانيا وشيك، وأنه قد يحصل «في أية لحظة». لكن روسيا، التي تنفي أية نوايا عدائية تجاه أوكرانيا، تكرّر مطالبها من واشنطن وحلفائها، بضمانات أمنية مكتوبة، بعدم توسّع حلف الناتو شرقاً، وبالتالي، عدم انضمام أوكرانيا للحلف أبداً.

الردود الواردة من واشنطن و«الناتو» في الـ 27 من الشهر الماضي، لم ترضِ موسكو، التي أعربت عن تشاؤمها، موضحة أنهما لم يتجاوبا مع المباعث الرئيسة لقلقها، بينما قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن الرد الأمريكي على المقترحات الروسية، يقضي بإيجاد الطرق الدبلوماسية للتحرك إلى الأمام، مشيراً إلى أن الرد الأمريكي تم تنسيقه بشكل كامل مع الحلفاء وأوكرانيا.

وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الذي أعاد إلى الأذهان تعهّدات الغرب في أوائل التسعينيات، بأن «الناتو» لن يتمدّد «شبراً واحداً شرقاً»، حمّل الغرب المسؤولية عن «محاولة التهرب من تنفيذ هذه الوعود حالياً». لكن الحلف الذي لا ينكر وجود هذه التعهّدات، يقول إنها كانت شفوية فحسب.

هنا، يبرز سؤالان منطقيان: هل دفاع الدول الغربية عن أوكرانيا، دوافعه المبادئ والقوانين؟. وهل يمكن الاطمئنان لتأكيدات موسكو بأنها لا تخطط لعمل عسكري ضد أوكرانيا؟.

يكاد المحللون والخبراء، يجمعون على أن الإجابة في الحالتين، هي النفي. بعضهم يرى أن التحرّكات العسكرية الروسية، واحتمالات اندلاع الحرب، مدفوعة بأسعار الطاقة. ويعتقد مراقبون في الغرب، أن روسيا تستخدم قوتها كمورد للغاز، وترفع الأسعار، بهدف دق إسفين في المعسكر المؤيد لأوكرانيا. ربما لذلك، دعا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ألمانيا، لوقف مشروع خط أنابيب بحر البلطيق «نورد ستريم 2»، في حال غزت روسيا أوكرانيا.

مكاسب وخسائر

حسب التقديرات، سيضاعف خط «نورد ستريم 2»، في حال تشغيله بطاقته الكاملة، حجم تصدير الغاز من روسيا إلى ألمانيا، إلى 110 مليارات متر مكعب سنوياً. وتخشى أمريكا وبولندا وأوكرانيا، استغلال موسكو لهذا الخط، من أجل مكاسب سياسية، وفي أذهانهم ما جرى في نوفمبر الماضي، حين أدى انخفاض تدفقات الغاز من روسيا إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات.

وماذا بشأن التلويح الأمريكي والغربي، بعقوبات غير مسبوقة على روسيا؟. يقول خبراء غربيون، إن العقوبات لن يكون لها تأثير كبير، ويعتقدون أن روسيا قادرة على فرض نفوذها في أوكرانيا وغيرها من الدول المحيطة بها، وأن لديها أوراقاً اقتصادية وسيبرانية، فضلاً عنه القوة العسكرية الهائلة، كما أنها تدرك أن واشنطن ودول «الناتو»، ليست على استعداد لإرسال قوات لتحارب في أوكرانيا، لا سيما أنه لم تمضِ سوى بضعة أشهر على الانسحاب الفوضوي من أفغانستان.

في نهاية الفصل المضطرب، إذا لم يترجم التصعيد إلى حرب، لا بد من مخرج، كأن تعترف واشنطن بمصالح روسيا الأمنية في أوكرانيا، وتصر «لفظياً» على حق كييف في اختيار حلفائها في مدى بعيد. وبذلك، تكون الولايات المتحدة قد سلمت بنفوذ موسكو الإقليمي، في حين تسحب روسيا قواتها بعيداً عن حدود أوكرانيا، ولا تحاول تغيير نظامها السياسي المتحالف مع الغرب.

وإذا لم يحصل هذا السيناريو، فإن الغرب سيواصل سياسة الضغط السياسي والاقتصادي، مرفوقاً بنشر مزيد من القوات العسكرية في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وتستمر روسيا في الحشد والمناورات العسكرية، فيجد الغرب سبباً لفرض عقوبات قاسية، وبالتالي، قد ترد عليها موسكو بإجراءات «عسكرية وتقنية»، كما قال رئيسها فلاديمير بوتين، الشهر الماضي.

سيناريو الحرب

ماذا لو اندلعت الحرب؟ ثمّة تحليل كتبه دان صباغ، محرر شؤون الأمن والدفاع بجريدة الغارديان البريطانية، في الحادي عشر من الشهر الماضي، رأى فيه أنه في حال شنت روسيا غزواً عسكرياً باتجاه كييف، فسيكون بوتين قد بدأ حرباً كبرى، لم يشهد العالم مثلها منذ الحرب على العراق في عام 2003.

ويوضح أن 100 ألف جندي روسي، يتمركزون قرب الحدود الأوكرانية، لكنّه يعتبر أن السيطرة على أوكرانيا بالكامل، بحاجة لمضاعفة هذا العدد.

ويتوقع أن روسيا يمكن أن تنتهي من توفير هذه القوة خلال أيام، لكنّه يطرح تساؤلاً حول قدرة القوات الروسية على مواجهة عمليات مسلّحة داخل الأراضي الأوكرانية، بعد اجتياحها.

مهما يكن من أمر، وطالما أن التلويح بالحرب ربما ينجح في تحقيق ما لا تحققه الحرب نفسها، فربما يكون هذا ما يفكر به بوتين. فهل ستسمح التطورات اللاحقة لسيناريو كهذا، بأن يكون إخراجه ضمن هذه المعطيات، وتحت هذا السقف؟. هناك سابقة تاريخية من دفاتر الحرب الباردة، حين وصل العالم مطلع الستينيات من القرن الماضي، إلى حافة الحرب النووية، وظل على أعصابه طيلة 13 يوماً، بسبب أزمة نشر الصواريخ السوفييتية في «خليج الخنازير» بكوبا، على بعد 90 ميلاً من شواطئ فلوريدا الأمريكية. لكن الحرب لم تحصل، وتوصّل الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، إلى حل وسط. ولعل السيناريو نفسه يتكرّر.. في أوكرانيا.

 

Email